دراسة المفاعيل القانونية والإقتصادية لقانون قيصر كما و على الواقع اللبناني

المحامي زياد فرام – خاص موقع جَديدُنا
أولاً: بالنسبة الإطار الدولي قانون قيصر :
نحن نعلم أن العقوبات الدولية هي قرارات سياسية واقتصادية وجهود حكومية و دبلوماسية تبذلها البلدان المتعددة الأطراف والمنظمات الإقليمية بحق الدول والمنظمات حمايةً لمصالح الأمن القومي أو لحماية القانون الدولي والدفاع ضد التهديدات بمختلف أشكالها التي تتعرض لها.
و يمكن التمييز بين عقوبات الأمم المتحدة والعقوبات الأحادية التي تفرضها بعض الدول على أخرى لتعزيز مصالحها الإستراتجية، عادةً ما تهدف إلى الضغوط الاقتصادية الحازمة..
لقد تحول نظام فرض العقوبات الاقتصادية توالياً من من يد مجلس الأمن نحو الدول الكبرى، وخصوصاً الولايات المتحدة الأميركية، حيث صارت العقوبات إحدى أدوات السياسات الخارجية لها، تستخدمها بديل الحرب العسكرية المكلفة..
من حيث القانون الدولي تأتي المادتان 39 و41 من ميثاق الأمم المتحدة تحددان الإطار والمستند القانوني للأمم المتحدة ومجلس الأمن في فرض العقوبات الاقتصادية.
أما العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة الأميركية، فكانت جميعها خارج نطاق القانون الدولي، بل من خلال امتلاكها القوة العسكرية الهائلة، ونفوذها الاقتصادي المسيطر على المفاصل الأساسية في لاقتصاد العالمي، وهيمنة الدولار الأميركي الذي يسيطر على 85% من المعاملات التجارية العالميّة، وسيطرتها على قرارات معظم المنظمات الدولية، بما فيها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
لقد أقرَّ مجلسُ الشيوخ قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا في منتصف كانون الأول 2019 وقد أصبح قانونًا جاريًا بعد أن وقعه الرئيس الأميركي دونالد ترامب في 2012/2019 ما يعني البدء فعليًا في فرضِ العقوبات على الكيانات التي تتعامل مع الحكومة السورية فأصبحَ قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا عام 2019 جزءاً من قانون إقرار الدفاع الوطني للسنة المالية 2020 ( وهو قانون فيديرالي للولايات المتحدة يحدد ميزانية ونفقات وزارة الدفاع National defense authorization act ) وفقًا لتقرير مجلس النواب وقد وافقَ مجلسُ النواب ونفس الأمر بالنسبة لمجلس الشيوخ في 17 كانون الأول/ديسمبر 2019 على قانون قيصر، فأصبح بذلك جزءاً من قانون الدفاع الوطني.
ثانياً: ماذا عن مندرجات ونطاق تطبيق قانون قيصر و كيف تشظّى به الواقع اللبناني :
إنَّ القانون يطال “كل فرد أو دولة أو هيئة أو شركة تدعم أو تتعامل مع النظام السوري” بالعقوبات والمقاطعة.
ـ بتاريخ 29 ايار 2020، وفي جلسة مجلِس الوزراء، طرأ ومن خارِج جدول الأعمال وضع مشروع قانون قيصر مترجم وزّعته نائبة رئيس الحكومة، وزيرة الدفاع زينة عكر طالبةً منهم المجلس الاطلاع عليه، فعلى الحكومة مناقشته فيما بعد وقد تبلغته من السفيرة الأميركية التي أبلغتها أن الإدارث الأميرمية جادة في تطبيق القانون وكل من يتعامل مع سوريا سيكون عرضة للعقوبات. وأنا أود أن تطّلعوا على القانون لأن بعض الوزارات اللبنانية تتعامل مع نظيراتها السورية.
الخطر يكمن في ترابط اقتصاد البلدين والحدود المفتوحة ووجود ودائع سورية في البنوك اللبنانية”. ويُقال أن على لبنان أن يختار بين الابتعاد عن المحور السوري الإيراني وبين عدم الحصول على المساعدات الدولية، وكلاهما ينطوي على خطر تفجر الوضع السياسي والإقتصادي.
أما وزارة المالية الأميركية فلم تكشف بعد عن طبيعة عقوباتها تجاه لبنان في حال لم يتقيد بقانون قيصر ، غير أن وضوح القانون لا يترك مجالا للشك.
المفارقة أن رئيس الحكومة الللبنانية قد أوضح في إحدى المقابلات بأنه نصح الحكومة اللبنانية باتخاذ موقف النأي بالنفس فعلياً ليس بهدف إرضاء الأميركي بل لمصلحة الشعب اللبناني و حمايةً من أوضاع إقتصادية أصعب من الوضع الحالي .
و أبرز مرتكزات قانون «قيصر» وما يمكن أن يطاول الدولة اللبنانية ومواطنيها ومؤسساتها وأحزابها وأي فئة أو شركة قد تتعامل مع الدولة السورية:
نود أن نستهل الموضوع بأنها المرة الأولى التي يصدر فيها قانون عقابي واضح وجلي ومحدد الأهداف بدقة يستحيل معها الإجتهاد والتفلت.
والمعلوم أيضاً أن من تطبق بحقه عقوبات قانون قيصر يصبح خارج التعامل الأميركي والدولي أيضاً .
وقد صرح مساعد وزير الخزانة الأميركية أن ثمة إدراج قد يطال شخصيات وشركات وأفراد لبنانيين وسيطبق في حصر العقوبات قانون ماغنيتسكي الأميركي والمفعَّل منذ 2016 على مستوى كل دول العالم مما يخولُ الحكومة الأمريكية فرضَ عقوبات على منتهكي حقوق الإنسان في كل أنحاء العالم من خلالِ تجميد أصولهم وحظرهم من دخول الولايات المتحدة.
لقد استعمل الرئيس الأميركي صلاحياته الاستثنائية لفرض عقوبات على المصرف المركزي السوري لأسباب تتعلّق بمكافحة تبييض الأموال، وذلك خلال 30 يوماً من تاريخ إقرار القانون والتي تطال أي مصرف ولو حتى لبناني على سبيل الإفتراض يساهم بالتعامل والتحاويل تجاه المصرف المركزي السوري، حيث يوضح العنوان الأول من القانون ( قيصر) بأنه يفرض عقوبات على كل شخص أجنبي مقيم على الإقليم الأميركي يُشتبه في انخراطه عمداً في نشاط يتعلق بتبييض الأموال، أو بتقديم دعم إلى الحكومة السورية أو تقديم خدمة مالية مهمّة إلى قطاعات محدّدة في سوريا، وأيضاً فرض عقوبات على الأجانب الذين ينخرطون عمداً في تقديم دعمٍ أو خدمة تؤدي إلى زيادة القدرات العسكرية السورية.
كذلك يمنع القانون ويقيد فتح بعض حسابات الدفع أو حسابات المراسلة إلى مؤسسات أجنبية تعمل داخل الولايات المتحدة الأميركية، سواء لصالح أو لحساب مؤسسات أجنبية (كالمصرف المركزي السوري) خارج الإقليم الأميركي، لمجرّد الاشتباه في تورّطها بجرم تبييض الأموال.
ويحرّم القانون نقل أموال الأجانب المنخرطين في تعاملات معينة فيعرضهم لتجميد ومصادرة الممتلكات وكلّ الأموال والمصالح الخاصة بالشخص الأجنبي، إذا كانت تلك الأموال والمصالح داخل الولايات المتحدة، أو تقع ضمن الولايات المتحدة، أو ضمن حيازة أو إدارة شخص من الولايات المتحدة. وتصل تلك العقوبات لحد إلغاء تأشيرات دخول إلى الولايات المتحدة، أو منع الحصول على عفو مشروط في بعض الحالات.
نود أن نوضح أن مفهوم مصطلح أجنبي في قانون الهجرة والجنسية الأميركي هو كل شخص ليس مواطناً أو لا يحمل الجنسية الأميركية.
أما مسطلح الحكومة السورية فهو يشمل الدولة وحكومة الجمهورية العربية السورية كما الأدوات السياسية والمصرف المركزي السوري.. أي كيان يملكه أو يسيطر عليه، بشكل مباشر أو غير مباشر، ما سبق، أو تمتلك فيه الحكومة السورية حصة 50 في المئة أو أكبر… كل شخص تصرّف، أو كان يتصرّف أو يُزعم أنه يتصرّف، بشكل مباشر أو غير مباشر، لصالح أو بالنيابة عن أي من المذكورين.. كل شخص غير ذلك يقرّر مكتب مراقبة الأصول الأميركي إدراجه وعلى أن تتوفر لديه العرفة الفعلية..
ثالثاً: ما هي الأفعال المجرّمة بموجب قانون قيصر وانعكاساتها على الواقع اللبناني :
– تقديم بشكل عندي دعماً مالياً أو مادياً أو تقنياً كبيراً، بما في ذلك الانخراط في أو تسهيل معاملة أو معاملات أو خدمات مالية مهمة إلى الحكومة السورية.
ـ الانخراط في أو تسهيل معاملة أو معاملات أو خدمات مالية مهمة
– بيع أو تزويد أو تقديم دعم ببدل أو بالمجان ومن دون سقف مالي محدّد للتعاملات.
– بيع أو تزويد بسقف مالي محدد للنشاط الواحد 500 ألف دولار أميركي، أما السقف التراكمي فهو 2 مليون دولار خلال سنة والقطاعات المستهدفة هي قطاع النقل الجوي المدني وقطاعا النقل البحري والاتصالات.
ـ بيع أو تزويد قطع غيار أو سلع أو خدمات أو تكنولوجيا ضمن المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية بسقف مالي غير محدّد.
– العقوبات الخاصة بشأن نقل الأسلحة والمواد المتعلّقة بها إلى سوريا. استناداً إلى الصلاحيات الاستثنائية للرئيس الأميركي، يمكنه أن يفرض عقوبات مماثلة لما سبق، على أيّ شخص أجنبي قام بتصدير، أو نقل، أو تقديم دعم مالي أو مادي أو تكنولوجي كبير لقطاعات عسكرية محدّدة، من شأنها أن تساهم بشكل أساسي في زيادة القدرات العسكرية للحكومة السورية.
وبإيجاز مفيد نلاحظ الآتي:
– الأفعال المادية المجرّمة هي: تصدير أو نقل أو تقديم دعم مالي أو مادي أو تكنولوجي إلى تلك القطاعات العسكرية.
ـ القانون يشمل الأشخاص والمؤسّسات التي تعاونت مع النظام في شتّى المجالات.
ـ طبعاً قانون قيصر له أجل لبدء تنفيذه ولا ينص في طياته على مفعول رجعي لفرض العقوبات قبل تاريخ نفاذه بل سيعاقب الأفراد والمؤسّسات التي تعاونت مع النظام بعد هذا التاريخ.
ـ إذا ثبت تعامل أي فرد أو مؤسسة فستجمد أصولها وحساباتها لدى البنوك الأميركية والعالمية والتحاويل المالية والنقدية وستمنع حتى من السفر وتستوي المطارات العربية والمطارات الأجنبية في تطبيق منع السفر .
ـ إن قانون قيصر سيطال لبنان حتماً في حال عدم ضبط التهريب غير الشرعي للنظام السوري عبر المعابر الغير شرعية والتي أصبحت معلومة لدى الجميع وقد صار التداول بها علنا من قبل مسؤولين لبنانيين .
ـ يقطع الطريق على من يريد الذهاب إلى سوريا لإعادة الإعمار هناك وحتى على الأطراف اللبنانية التي تبغي المشاركة في الإعمار وقد تحضرت فيما سبق لذلك.
ـ إنه قانون شامل وواضح و يغطي جميع النوافذ المتعلّقة بالنظام السوري”.
ـ لا يمكن لهدا القانون التمييز أو الإستنساب في تطبيقه فيخرج عن نطاق الإدارة الأمريكيّة نحو الكونغرس مباشرة كما ووزارة الخزانة الأميركية.
ـ اليوم إنَّ الولايات المتحدة الأميركية تمثّل حوالي خمس صندوق النقد، وبالتالي لها قادرة تأثير في الضغط على الصندوق في حال مخالفة لبنان لأحكام قانون قيصر .
ـ القانون سيطال أي شخص طبيعي أو معنوي وحتى حزبي مشتبه فيه بعلاقات ماليّة واقتصادية مع النظام السوري ، وطبعا المصارف اللبنانية تقع ضمن الفئة.
ـ سيستفيد لبنان بالكشف عن مصير 628 لبنانيًا في السجون السورية، لأنّ القانون يضع على لائحة العقوبات كلّ من له علاقة بقتل السجناء أو تعذيبهم مع حقّ الأهل في معرفة مصيرهم.
ـ من الصعب وضع لبنان خارج الحسابات السورية في ظلّ التعامل الٱقتصادي والمجاورة الجغرافية والقوانين والإتفاقات الثنائية السارية المفعول حتى اليوم.
ـ إنَّ قانون قيصر هو قانون ساري المفعول وما يُميّزه عن غيره أنّه أدخل إلى ميزانيّة الدفاع الوطني في الولايات المتحدة لعام 2020 وقد خصّص له موازنة”
ـ تمنع الولايات المتحدة مؤسساتها من التعامل مع الذين لا يطبقوها .
ـ إنَّ القانون يقدّم مهلة 180 يومًا لتقديم أوّل تقرير للكونغرس منذ توقيعه، أي قبل 18 يونيو الحالي، ويشمل أربع مراحل من العقوبات حتى شهر آب 2020
ـ أما بالنسبة للاستثناء من التطبيق وما يعبر عنه القانون أي الاستثناء الدبلوماسي فيعود فقط لمقر الأمم المتحدة وهو المنفذ الذي يدفع النظام إلى التفاوض إن رغب بتقديم تنازلات معينة.
رابعاً: الخلاصة، على الكيان اللبناني وبالمفهوم الواسع كحكومة ومؤسسات وأفراد ومصارف أن تنأى عن التعامل تحت أي وجه وشرط مع الكيان السوري وهذا ما أوضحه رئيس الحكومة اللبنانية صراحةً فالوضع الإقتصادي اللبناني الهش لا يحتمل عقوبات قيصر وعلى الحكومة اللبنانية اليوم أن تسعى جاهدة منع التهريب عبر المعابر غير الشرعية من ونحو الداخل السوري كما والمضاربة بالعملة الذي يزيد من استنزاف احتياطي البلد من العملات الأجنبية النادرة مع تخبطه بأسوأ أزمة إقتصادية في تاريخه، كما وعلى كافة القوى السياسية ضبط نفسها وعدم إقحام البلد بمزيد من الرهانات التي لا يحمد عقباها في ظل النزيف النقدي والركود الإقتصادي.
خاص موقع جَديدُنا الإخباري