

منذ العام 2016 والتعاميم والقرارات التي يصدرها البنك المركزي العراقي تتوالى لجهة تعديل آلية عمل المصارف الاجنبية العاملة في العراق، وتحديدا المصارف اللبنانية التي لطالما استحوذت على حصة اساسية في السوق المصرفية العراقية حتى وصل حجم ودائعها نهاية عام 2019 الى اكثر من 1.3 مليار دولار.
تراكمت التكاليف والضغوط والمتطلبات توازياً مع تراجع مستمر في الربحية، ما دفع المصارف اللبنانية في العراق وعددها 10 الى اعادة تقييم مستقبل وجودها في هذا البلد، فاتخذت بمعظمها قرارا بمغادرة السوق بعدما وجدت ان لا فائدة من البقاء فيها.
في التفاصيل، وبعدما وافق البنك المركزي العراقي على طلب مصرفَي “فرنسبنك” و”الاعتماد اللبناني” تصفية فروعهما في العراق ضمن الاصول المتبعة شرط الايفاء بكل التزاماتهما تجاه المودعين والعملاء والموظفين، إتخذت إدارتا مصرفَي “انتركونتيننتال بنك” والبنك اللبناني الفرنسي قرار الانسحاب من السوق العراقية. وتكشف مصادر متابعة لعمل المصارف اللبنانية في العراق ان بنك البحر الموسط Bankmed ومصرف MEAB لم يتخذا قرار الانسحاب حتى الساعة ولكن نية مغادرة السوق العراقية موجودة على ان تعلن إدارتا المصرفين القرار رسميا في المرحلة المقبلة.
اما بالنسبة الى المصارف اللبنانية التي يتوقع استمرار عملها في السوق العراقية، فيرجح ان يقتصر عددها على اثنين هما بنك بيبلوس وبنك بيروت والبلاد العربية BBAC . وتؤكد المصادر ان قرار بعض المصارف اللبنانية الانسحاب من السوق العراقية لن يؤثر على عملائها ومودعيها في العراق، فلهذه المصارف القدرة الكافية على الايفاء بالتزاماتها تجاه العملاء. وعلمت “النهار” ان المحادثات مستمرة بين إدارات المصارف المغادرة وإدارات مصارف لبنانية ما زالت تعمل في السوق العراقية لأخذ محافظ المصارف المغادرة من التسليفات والودائع.
شروط عراقية صعبة جداً
ما يفرضه المركزي العراقي من مطالبات وشروط للعمل في السوق العراقية أصبح من الصعب تحقيقها بالنسبة الى عدد كبير من المصارف الاجنبية العاملة في العراق ومنها اللبنانية. ومن أبرز المطالبات الزام المصارف الاجنبية بالاحتفاظ بنسبة 70% من ودائعها بالعملة الاجنبية داخل العراق من دون اي مردود، او بمردود بسيط جداً لا يتخطى 1.25% وهي الفوائد على السندات الدولارية الدولية العراقية، على ان تحتفظ بنسبة 30% من هذه الودائع الاجنبية خارج العراق في خطوة تؤدي الى تراجع ربحية المصارف الاجنبية وعلى رأسها المصارف اللبنانية، ما قد يدفعها الى خفض ودائعها في العراق وسحبها الى الخارج لعدم تكبدها خسائر ناتجة من كلفة الفوائد المستحقة على هذه الودائع، والتي كانت المصارف تؤمنها من خلال التوظيفات في الخارج. كما ألزم المركزي العراقي المصارف الاجنبية التي لديها تصنيف دون B نقل نسبة 30% من ودائعها بالعملة الاجنبية الى داخل العراق او الى مصرف مراسل يتمتع بتصنيف أقل من B، ما يعني الطلب من المصارف اللبنانية نقل نسبة 30% من ودائعها العراقية بالعملة الاجنبية من فروعها الاساسية في بيروت الى مصارف مراسلة تصنيفها B على الأقل. ومن الإجراءات التي فرضها المركزي العراقي، الطلب من المصارف الاجنبية العاملة في العراق زيادة حجم ميزانياتها العامة بحلول نهاية 2021 الى 210 ملايين دولار حداً أدنى، كما ربط اعتماد رأس مال الفرع العامل في العراق بتقييم المؤشرات الماليّة الأساسيّة، وفرض رسملة الأرباح المُحققة لفروع المصارف اللبنانيّة في العراق للسنوات 2019 و2020 و2021 لتعزيز رؤوس أموالها التشغيليّة البالغة 50 مليون دولار لكل مصرف وعدم السماح بتحويلها الى المصرف الأم.
متطلبات داخلية تفرض إعادة التموضع
الضوابط والاجراءات التي فرضها البنك المركزي العراقي تعتبر جزءا من التحديات التي فرضت على المصارف اللبنانية في الاشهر الاخيرة، ما دفع إدارات المصارف اللبنانية الى إعادة النظر في وجودها في الاسواق الخارجية وضرورة إعادة تموضعها والانسحاب من عدد من هذه الاسواق لتأمين سيولة “جديدة” بالعملة الاجنبية، للالتزام بالمتطلبات الجديدة المفروضة عليها من مصرف لبنان.
امهل مصرف لبنان المصارف حتى نهاية شباط 2021 لزيادة رأس مالها بنسبة 20% مع توفير خيار ان تكون إعادة تخمين موجودات المصرف جزءاً من زيادة رأس المال، على ان تترك المصارف التي لن تلتزم تحقيق هذه الزيادة السوق لتنتقل اسهمها إلى المصرف المركزي وتصبح إدارتها بيد مصرف لبنان. كما ان مصرف لبنان فرض على المصارف تأمين تحويل 3% من ودائعها كسيولة قائمة في الخارج اي ما يقارب 3.5 مليارات دولار تحت طائلة إحالة المصرف على الهيئة المصرفية العليا. امام هذه المتطلبات الجديدة وجدت المصارف اللبنانية نفسها مجبرة على الانسحاب من عدد من الاسواق الخارجية وبيع حصصها لتعزيز سيولتها والايفاء بهذه المتطلبات والمعايير التي فرضها مصرف لبنان، ما يسرّع خروج معظمها من العراق.
إنسحابات بالجملة
في الاردن، قرر بنك المال الاردني المباشرة بتوقيع اتفاق “خطاب نوايا” غير ملزم وحصري للاستحواذ على الاعمال المصرفية لفروع الاردن وفروع العراق لبنك عوده وشراء موجوداتها ومطلوباتها. وقد تم الحصول على الموافقة المبدئية للبنك المركزي الاردني والبنك المركزي العراقي على هذا الاستحواذ، واستنادا الى كتاب موجه من رئيس مجلس إدارة بنك المال الاردني باسم خليل السالم الى هيئة الاوراق المالية في الاردن، وحصلت “النهار” على نسخة منه، فبنك المال الاردني بدأ دراسة Due Dilligence المعروفة بدراسة “نافية للجهالة” لكل النواحي المتعلقة بهذه الصفقة، وعلى اثر نتائجها سيتم إعلام الهيئة الاردنية بمستجدات سير صفقة الاستحواذ.
الى القاهرة حيث يدرس بنك لبنان والمهجر إمكان بيع حصته في بنك بلوم مصر الذي بدأ العمل في السوق المصرية عام 2005 نظرا الى الأوضاع الراهنة في لبنان وللالتزام بقرارات مصرف لبنان زيادة رأس المال. وكان المصرف تقدم بطلب الى البنك المركزي المصري للحصول على الموافقات اللازمة في هذا الشأن، ووافق الأخير على البدء بعملية الـ Due Dilligence فيما اشارت بعض المعلومات الى اهتمام بنك الإمارات دبي الوطني بشراء حصة بنك بلوم في مصر على ان تتولى المجموعة المالية هيرميس، المستشار المالي لبلوم مصر، إتمام هذه الصفقة في حال حصولها. وإتمام اي عملية بيع سيكون متوقفا على الحصول على موافقة مجلس إدارة بنك لبنان المهجر والموافقة النهائية من البنك المركزي المصري بما يكفل الحفاظ على سرية البيانات وحقوق عملاء بنك بلوم مصر والعاملين فيه وفقا للقوانين واللوائح ذات الصلة. وفي مصر أيضا، كانت مجموعة بنك عوده قد دخلت مطلع العام الحالي في مفاوضات حصرية لبيع عملياتها فى مصر إلى بنك أبو ظبي الأول ليتم تعليق المفاوضات في 19 ايار الفائت إلى أجل غير مسمى بعد فشل صفقة الاستحواذ نظرًا الى الظروف الاستثنائية الطارئة الناتجة من فيروس كورونا، لتبقى كل الاحتمالات واردة في شأن بيع عمليات المصرف في مصر من عدمه.
إعادة هيكلة القطاع
توازياً، يستمر عمل اللجنة التي انشأها مصرف لبنان ومهمتها إعادة هيكلة المصارف برئاسة النائب الثاني للحاكم بشير يقظان، على دراسة التعديلات على القرار الاساسي الرقم 12713 تاريخ 7/11/2017 المتعلق بتطبيق المعيار الدولي للتقارير المالية الرقم 9 اي الـ (IFRS 9) ودراسة التعديلات المقترحة على القرار الاساسي الرقم 6939 تاريخ 25/3/1998 الخاص بالاطار التنظيمي لكل رساميل المصارف العاملة في لبنان. كما أوكل الى اللجنة دراسة إعادة هيكلة المصارف اللبنانية مع اقتراح التعديلات الضرورية على الضوابط الاحترازية Prudential Regulations لعمل المصارف توازيا مع دراسة الاداء المالي للمصارف اللبنانية وتقديم اقتراح الخطوات اللازمة للحفاظ على سلامة القطاع المصرفي.
موريس متى – النهار