اقتصاد

أيادٍ خفية وإستراتيجية لتدمير القطاعات الحيوية

كتب د. فؤاد زمكحل في الجمهورية:
كانت أهم شعارات ثورة 17 تشرين 2019، التغيير والمطالبة بالحريات والإستقلالية، والإستقلال الحقيقي والديمقراطية. أما الردُّ على هذه التحركات فكانت في المرحلة الاولى الدهشة والمفاجأة، ومن ثم الاختباء والإنتظار، وأخيراً التحضير لردّة فعل نعيشها اليوم.

تزداد قناعتنا يوماً بعد يوم، بأنّ هناك أيادي سوداء وخفية، وإستراتيجية مُبرمجة ومشروعاً ممنهجاً، يستهدف تدمير بلدنا يوماً بعد يوم، شهراً بعد شهر، سنة بعد سنة، امتداداً الى كل القطاعات المنتجة والحيوية في لبنان، والتي بُني عليها بلدنا وإقتصاده الأبيض، الذي نفخر به وصولاً إلى تركيع شعبه.

إستطاع الأقطاب السياسيون الذين كانوا تحت أضواء وأشعة الثورة، والمطالبات والملاحقة، أن يحرفوا تسليط الأضواء عن مقاعدهم إلى قطاعات أخرى. في المرحلة الاولى نجحوا في توجيه الإهتمام نحو القطاع المصرفي، وأن يحرفوا النظر عن القضية والمطالبات الأساسية.

لا شك في أنّ القطاع المصرفي، إرتكب أخطاء عدة، ويجب أن يتحمّل مسؤوليته، وأن يُساهم في الإصلاحات، وإعادة النهوض وحتى في الخسائر. لكن إطاحته نهائياً تعني إطاحة الإقتصاد والمودعين والأبرياء الذين هم وحدهم مَن سيدفع ثمن الإنهيار. في الوقت نفسه نُدرك كلّنا تماماً مَن هو المستفيد الأول من إنهيار وضرب القطاع المصرفي اللبناني، الذي كان عاموداً فقرياً للإقتصاد الوطني.

ومن ثم أُزيحت الأضواء نحو القطاع التجاري، إذ بدأ هذا القطاع يعجز عن الإستيراد، جرّاء النقص في السيولة من العملات الصعبة، فتعرّض للهجوم المبرمج أيضاً، والملاحقات المتتالية غير المبنية. علماً انّ هذا القطاع ساهم في النمو، وخلق الوظائف وبناء العلاقات التجارية الدولية.

كذلك إنتقلت الأيادي التخريبية السوداء نحو القطاع الصناعي. وبذريعة تفشّي الوباء، أجبروا هذا القطاع الحيوي على الإقفال. علماً أنّه ليس هناك بلد في العالم أقفل صناعته على هذا النحو. خصوصاً أنّ قطاعنا الصناعي يُؤمّن السلع الأساسية والمعيشية، وحتى أنّه يُصنّع الحماية والوقاية والأدوية لمواجهة الوباء. كما أنّ هذا القطاع أصبح نافذتنا الوحيدة للتوريد والتصدير، وإستقطاب بعض السيولة. وأخيراً، أصبحت الصناعة اللبنانية القطاع الوحيد الذي يُوفّر خلق الوظائف ويُساهم في النمو الخجول.

ثم ضربَت هذه العصا السحرية الشرّيرة قطاعنا السياحي. لا شك في أنّ هذا القطاع إرتكب أخطاء معيّنة حين فتح أبوابه خلال شهر الأعياد. لكن السؤال البديهي: مَن الذي سمح له بإعادة العمل بهذه الطريقة العشوائية؟ ومَن كان المسؤول عن مراقبته وتنظيم عمله في ظل تفشي الجائحة الخطيرة؟

نذكّر بأنّ هذا القطاع إستقطب إستثمارات باهظة، وشارك في نمو وإزدهار البلاد في أصعب الفترات، ويُوظّف الآلاف من الشباب. لذا، فإنّ ضربه يعني ضرب ركن أساسي من أركان لبنان الذي نعرفه.

اليوم، تُستكمل الإستراتيجية نفسها، ويتمّ التركيز على قطاعنا الصحي. هذا القطاع، والجسم الطبي، الذي يُجازف في حياته، ويعمل ليلاً نهاراً في سبيل إنقاذ المواطنين من الوباء الفتّاك.

يُحاول البعض تسليط الأضواء على هذا القطاع، كأنّه المسؤول المباشر عن تفشّي الوباء والوفيات. لبنان الذي كان يُسمّى «مستشفى الشرق الأوسط» ونفخر به، يتعرّض اليوم لهجوم شرس غير مسبوق.

أخيراً، نشهد هجوماً على كل المنظمات الدولية التي تطمح وتحاول مساعدة لبنان. وهنا أيضاً أُزيحت الأضواء عن الإصلاحات المرجوة، وعن ملف الحدّ من الفساد، إلى المجتمع الدولي، والإدّعاء بأنّ عليه أجندات مخفية ومصالح إقليمية، ويضعون عليه شروطاً صعبة.

في الخلاصة، أذكّر بفخر وإندفاع، بأنّ الشعب اللبناني والشركات والإقتصاد الأبيض، لم ولن يستسلموا، وسيواجهون بشراسة وشجاعة الإقتصاد الأسود، والأيادي الخفية التي تطمح إلى تدمير كل القطاعات الحيوية في لبنان.

التاريخ يذكر، أنّ الأيادي البيضاء في المدى القصير يُمكن أن تخسر بعض المعارك، لكن في المدى المتوسط والبعيد هي التي تربح المعارك الإقتصادية والإجتماعية.

زر الذهاب إلى الأعلى