إسرائيل والإصلاحات القضائية.. ما هي خيارات الائتلاف الحكومي لـ “احتواء الأزمة”؟


منذ إقرار الكنيست الإسرائيلي بند “المعقولية” الذي من شأنه تقليص سلطات المحكمة العليا، تصاعدت الاحتجاجات في إسرائيل على مشروع القانون المثير للجدل وسط تصاعد الغضب وإعلان قطاعات عدة الإضراب الأمر الذي ينذر باندلاع أزمة سياسية واجتماعية.
ومنذ إعلان الحكومة اليمينية عن المشروع لأول مرة في يناير الماضي، بعد أيام على أدائها اليمين الدستورية، خرج مئات الآلاف من المواطنين الإسرائيليين في بلد يزيد عدد سكانه عن تسعة ملايين نسمة، إلى شوارع تل أبيب ومدن رئيسية أخرى في نهاية كل أسبوع للاحتجاج على هذه الخطوة.
وقال المحلل السياسي الإسرائيلي، يوآب شتيرن، في حديث لموقع “الحرة” إن “الحكومة تحاول احتواء الأزمة” التي وقعت فيها البلاد.
وبعد إقرار القانون، شهدت شوارع تل أبيب والقدس مواجهات بين النشطاء الغاضبين من الإصلاحات القضائية ورجال الشرطة الذين استخدموا خراطيم المياه لتفرقة المتظاهرين.
وبينما تعهد المشرعون بالمضي قدما في استكمال المشروع المثير للجدل، توعد المتظاهرون بمزيد من الاحتجاجات والإضرابات الواسعة التي من الممكن أن تدخل البلاد في حالة من الشلل.
والسبت، هدد أكثر من 10 آلاف طيار وجندي في الجيش الإسرائيلي بعدم الحضور للعمل التطوعي، إذا رفضت الحكومة التراجع عن خطتها.
كما هددت نقابة العمال الوطنية (الهستدروت)، أمس الاثنين، بإضراب عام ردا على التصويت في الكنيست وحثت الحكومة على استئناف المفاوضات مع المعارضة.
بدوره، أعلن رئيس نقابة الأطباء الإسرائيلية، تسيون هاغاي، في بيان، أن الأطباء سيضربون، الثلاثاء، وقال إن “اليد الممدودة للحوار، تُركت معلقة في الهواء حيث جرت احتفالات النصر التي ترمز قبل كل شيء إلى حرب خاسرة فقط”.
وكانت المحادثات التي توسط فيها الرئيس الإسرائيلي، إسحق هرتسوغ، توقفت دون الوصول لنتيجة بين الائتلاف الحكومي والمعارضة.
ويعد الإجراء الذي أيده الكنيست، الاثنين، بموافقة 64 عضوا من أصل 120، جزءا من أجزاء متعددة لمشروع الإصلاح القضائي.
وتحتوي الحزمة القضائية الشاملة على هدفين رئيسيين آخرين. الأول يتمثل في إمكانية منح الكنيست سلطة إبطال قرارات المحكمة العليا بأغلبية بسيطة تبلغ 61 صوتا، والثاني يعطي الحكومة الكلمة الأخيرة في تعيين القضاة أنفسهم.
وكان كثيرون يتوقعون أن تدفع الحكومة المشروع كله كدفعة واحدة، لكن يبدو أن الائتلاف اليميني يجزأ المشروع، مما يشير إلى أنه ليس هناك نية للتراجع، حسبما ذكرت صحيفة “واشنطن بوست”.
“لا نعرف أين تتجه الأمور”
ويلغي القانون الذي اعتمده الكنيست، الاثنين، إمكانية نظر القضاء في “معقولية” قرارات الحكومة، بما في ذلك التعيينات في المناصب العامة.
وقبل ذلك كانت المحكمة العليا تمارس رقابة قضائية على عمل الأذرع المختلفة للسلطة التنفيذية، المتمثلة بالحكومة ووزاراتها والهيئات الرسمية التابعة لها.
ويقول الزميل غير المقيم في برنامج الشرق الأوسط التابع للمجلس الأطلسي، داني سيترينوفيتش، إن إسرائيل تشهد “بداية حقبة جديدة من حالة عدم يقين عميقة”.
وأوضح سيترينوفيتش في مذكرة نشرها المجلس الأطلسي، وهو مؤسسة بحثية غير حزبية مقرها واشنطن العاصمة، أن “حقبة عدم اليقين العميقة من شأنها الإضرار بأمن إسرائيل واقتصادها وعلاقاتها الدبلوماسية، وقبل كل شيء ستخلق اضطرابات داخلية لفترة طويلة من الزمن”.
وفي مواجهة الاحتجاجات الشعبية، توقع محللون أن يتجه الائتلاف الحكومي لتغيير الخطاب ومحاولة طرح مشروعات جديدة تهدف لشغل الرأي العام عن مشروع الإصلاح القضائي خلال الفترة المقبلة.
وقال شتيرن إن “الحكومة تواجه ضغوطا وتحديات كبيرة جدا.. وربما تلجأ لتغيير الخطاب العام وطرح مشاريع جديدة. نتانياهو يملك خبرة واسعة في هذه الأمور”. واستشهد بتصريحات نتانياهو اللاحقة بعد ردة الفعل الشعبية إزاء تمرير الكنيست لبند “المعقولية”.
وكان نتانياهو صرح في خطاب بثه مكتبه الإعلامي قائلا” “نتفق جميعا على أن إسرائيل بحاجة إلى أن تظل قوية ديمقراطيا”، وتعهد أن البلاد “ستستمر في حماية الحقوق الفردية للجميع”.
ومع ذلك، يوضح شتيرن أن الإجراءات الحكومية خلال الفترة المقبلة ستعتمد على ردة فعل المعارضة في الشارع التي “لا تزال غير واضحة”.
وقال إن “المعارضة في البرلمان ليس لديها الأدوات للتأثير على قرارات الائتلاف الحكومي، ولكن موقف الحكومة سيعتمد على الخطوات التصعيدية، التي تتخذها المعارضة في الشارع”.
وتعهدت المعارضة ومنظمات غير حكومية مؤيدة للديمقراطية بتقديم استئناف ضد القانون الذي أقره الكنيست، الاثنين، إلى المحكمة العليا نفسها من أجل إبطاله. وقدمت نقابة المحامين الإسرائيلية من بين مجموعات نقابية أخرى التماسات إلى المحكمة العليا بهدف إلغاء التشريع.
وفي هذا الإطار، تساءل مدير مبادرة سكوكروفت الأمنية في برنامج الشرق الأوسط التابع للمجلس الأطلسي، جوناثان بانيكوف، عن إمكانية إلغاء المحكمة العليا لقرار يحد من سلطاتها.
وكتب بانيكوف، وهو ضابط مخابرات أميركي سابق في مذكرة نشرها المجلس الأطلسي، إن إيجاد سبب (من قبل المحكمة العليا) لإلغاء القانون يبقى سؤالا مفتوحا”.
وقال إن أي إجراء من قبل المحكمة العليا بإلغاء القانون قد يدفع بإسرائيل إلى “أزمة دستورية” في بلد ليس لديه دستور رسمي.
وأضاف أن التشريع من شأنه أيضا أن يدفع بإسرائيل “إلى هاوية قانونية وأمنية واقتصادية وسياسية.
وتابع: “ربما تم بالفعل تمرير مشروع قانون إصلاح القضاء، لكنه خلق بذلك أسئلة أكثر من الإجابات عن المستقبل القريب والمتوسط المدى لجميع قطاعات المجتمع الإسرائيلي”.
وهنا يقول شتيرن، المحلل السياسي الإسرائيلي، إنه إلى ما بعد استئناف جلسات الكنيست بعد الأعياد اليهودية في أكتوبر ونوفمبر المقبلين، فإن “هناك مهلة طويلة لا نعرف إلى أين تتجه فيها الأمور”.
الحرة