featuredاخبار لبنان - Lebanon News

لا ترسيم، لا رئيس، لا حكومة… إلى الفراغ الكامل!

كتب نبيل بومنصف في “النهار”

قد تكون تجربة الحكومتين التي توجت انفجار آخر الحلقات الحربية والانقسامية في لبنان قبل التوصل إلى اتفاق الطائف الذي وضع نهاية للحرب الأهلية ولـ”حرب الاخرين على أرض لبنان ” سواء بسواء، أحد أسوأ النماذج التي يضطر المراقب المتابع للواقع اللبناني الراهن إلى استعادتها في سياق الاستشهاد بتطبع اللبنانيين وتكيفهم قسراً مع “تاريخ يعيد نفسه” ولو بتعديلات العصر في هذا البلد “المنذور” للأزمات والكوارث. حينذاك، كانت حكومتا ميشال عون (إياه) وسليم الحص العنوان الأشد تعبيراً عن واقع انقسامي طائفي رزح تحته لبنان وسط فراغ رئاسي أعقب نهاية عهد أمين الجميل وتمادت التجربة نحو سنتين انفجرت خلالها حربان سميت الأولى “حرب التحرير” التي خاضها قائد الجيش الذي صار رئيس حكومة انتقالية في قصر بعبدا العماد ميشال عون على القوات السورية التي تحتل لبنان بمظلة دولية – عربية، وسميت الثانية “حرب الإلغاء” التي شنها أيضاً عون على “القوات اللبنانية ” بزعم إنهاء الميليشيات لمصلحة الشرعية فيما كان السبب الحقيقي انخراط سمير جعجع آنذاك في الجهود السرية لانجاز الاتفاق الذي أبرم في مدينة الطائف السعودية في مثل هذا الزمن قبل 33 عاماً تماماً.

ليس التذكير بهذه التجربة إلا على سبيل الاستفظاع لقدر بالغ القتامة يعيد اللبنانيين الآن، في هذه الفترة واللحظة السياسية الشديدة التوهج الى ما قد ينافس تجربة الحكومتين في الخطورة عبر ارتسام معالم فراغ مؤسساتي كامل سيكون الأول من نوعه خلال عصر الطائف ولكنه قطعاً ليس الأول في تاريخ مليء بالتجارب الانتحارية التي تناوبت على لبنان على أيدي مغامرين سياسيين أو جهات سياسية وطوائفية. يقبل لبنان في الهزيع الأخير من عهد ميشال عون الذي تنتهي ولايته في الحادي والثلاثين من تشرين الأول (أكتوبر) الحالي على انفتاح بركان “ثلاثي الفوهات” فوق أرض تميد أساساً باسوأ انهيار عرفه لبنان منذ تأسيسه قبل مئة عام وحتى هو من أسوأ الانهيارات التي شهدها بلد في العالم منذ القرن الماضي. ما بين منتصف الشهر الحالي ونهايته سيبدأ تساقط التداعيات المتمازجة والمتشابكة والمتخاطة لثلاثة اخفاقات “رهيبة” متصلة باستحقاقات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل وانتخاب رئيس الجمهورية اللبنانية الرابع عشر وتشكيل حكومة جديدة.

في التقديرات الأشد قتامة التي كانت سائدة مع بدايات المهلة الدستورية لانتخاب رئيس الجمهورية في الأول من أيلول (سبتمبر) الماضي لم يبلغ أي منها حدود تصور تزامن وتحقق هذا الإخفاق الثلاثي دفعة واحدة بما يعكس المدى العميق المتسارع لواقع “تحلل” يضرب لبنان على نحو بالغ الخطورة من شأنه أن يستحضر استباحة داخلية تفتح الباب على فوضى دستورية وفوضى سياسية بعد نشوء الشغور في رئاسة الجمهورية وقيام حالة نزاع سياسية – طائفية حول وضع حكومة تصريف الأعمال، وهذه الاستباحة لن تبقى طويلاً في الإطار السياسي وحده إذ إن الزعزعة الأمنية ستكون الهاجس الأكبر بعد انفراط آخر معالم الانتظام المؤسساتي. فيما تتجه الأمور على نحو شبه مؤكد إلى هذين الفراغين الرئاسي والحكومي يتقدم خطر انفراط الوساطة الأميركية في ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل ليضع لبنان في اشداق اللعبة الإقليمية الدولية وترددات الانتخابات الإسرائيلية علماً أن سوء الإدارة السياسية اللبنانية لهذا الملف تسبب في جانب واسع منه بما كان يمكن ان يشكل إنجازاً محققاً للبنان.

تبعا لهذا التزامن المذهل في الاستحقاقات والملفات المصيرية هذه، ستغدو الذكرى ال33 لتوقيع اتفاق الطائف هذا الخريف أشبه بجرس إنذار متأخر وليس مبكراً، حيال انزلاق لبنان بقوة مخيفة نحو أزمة نظام وأزمة حكم وأزمة إعادة هيكلة دولة، ولن نتبحر كثيراً في اثار تساقط تداعيات هذه الإخفاقات المتزامنة على واقع الأزمات والمعاناة الاجتماعية الرهيبة في لبنان اذ سيكون صعباً للغاية تصور ما سيلي نهاية تشرين الأول اذا حصل الفراغ الكامل .

زر الذهاب إلى الأعلى