

دُمِّر بشكل كامل مركز البحوث العلمية في دمشق، التابع لوزارة الدفاع السورية، إثر غارات جوية إسرائيلية استهدفت المنشأة مساء الإثنين، وفقًا للمرصد السوري لحقوق الإنسان. وأكد مراسل وكالة “فرانس برس” في دمشق أن الغارات أسفرت عن تدمير أبنية المركز بالكامل، حيث شهدت المنطقة اشتعال النيران من تحت الركام، فيما انتشرت أوراق تحمل عبارة “مركز البحوث العلمية” وسط الدمار.
المركز الذي يقع في منطقة برزة، شمال شرق العاصمة دمشق، كان قد استُهدف في وقت سابق في عام 2018 خلال ضربات منسقة شنتها الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، وذلك على خلفية ارتباطه المزعوم ببرنامج الأسلحة الكيميائية السوري. في تلك المرة، قوبل الهجوم بتنديد دولي واسع.
ووفقًا للمرصد السوري، فإن الغارات الإسرائيلية التي استهدفت المركز يوم الإثنين تأتي في سياق التصعيد المستمر من جانب إسرائيل ضد ما تصفه بنشاطات إيران وحزب الله في سوريا، بالإضافة إلى محاولات تحجيم برامج الأسلحة الكيميائية التي تقول الولايات المتحدة إنها مستمرة في بعض المنشآت السورية.
في مشهد مأساوي، وصف موظف يعمل في المركز منذ 25 عامًا الدمار الحاصل قائلاً: “كان للمركز نشاط عسكري سابقًا، لكنه منذ سنوات لم يعد له سوى نشاط مدني، حيث يساهم في تطوير صناعة الأدوية.” وأضاف الموظف الذي رفض الكشف عن اسمه: “اليوم، كل شيء انتهى، والمركز أصبح صفرًا”.
وفي تصريح آخر لموظف آخر في المركز، الذي يعمل فيه منذ 40 عامًا، قال: “هذا هو دمار سوريا، وهذه خسارتي وحسابي وحساب أبنائي وأحفادي… لا يمكن تصديق ما يحدث”. وتابع بتأثر بالغ: “المركز الآن دُمر بالكامل، أصبح كل شيء تحت الأنقاض، لا شيء يبقى”.
هذه الغارات تأتي في وقت حساس، بعد سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد في الثامن من ديسمبر الجاري، وسط تحولات كبرى في سوريا. ومنذ ذلك الوقت، وثق المرصد السوري أكثر من 300 غارة إسرائيلية على الأراضي السورية، مستهدفة منشآت عسكرية وتكتيكية تابعة للنظام السوري وحلفائه في المنطقة.
وفي تعليق له، قال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن الضربات الجوية الإسرائيلية استهدفت هذه المنشآت، التي يُعتقد أن بعضها يحتوي على مخزون من الأسلحة الكيميائية أو معدات تطويرها، في إطار سياسة إسرائيلية تهدف إلى تقويض قدرات خصومها في المنطقة، خاصةً في ظل تزايد النفوذ الإيراني في سوريا.
وتسببت الغارات الإسرائيلية في تدمير ليس فقط المنشأة نفسها، ولكن أيضًا في خلق موجة من القلق بين السوريين، خاصةً في ظل التقارير المتزايدة حول ضربات إسرائيلية مكثفة تستهدف مواقع حيوية بعد سقوط الأسد، وهو ما يراه البعض محاولة لضمان عدم تحول سوريا إلى نقطة انطلاق لتهديدات أمنية مستمرة. في الوقت ذاته، يعكس الدمار الذي لحق بالمركز، فقدانًا كبيرًا للقدرات البحثية والصناعية التي كان يمكن أن تسهم في مستقبل سوريا.
كان مركز البحوث العلمية في برزة واحدًا من أكبر المراكز البحثية في سوريا، حيث كان يُعتقد أن له ارتباطات بنشاطات تخص الأسلحة الكيميائية. خلال سنوات الحرب، اتهمت العديد من الدول الغربية النظام السوري باستخدام الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين، في الوقت الذي نفى فيه النظام السوري هذه الاتهامات.
وكان المركز نفسه قد تعرض للهجوم في 2018، عندما شنت الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا ضربات استهدفت منشآت عسكرية في سوريا، على رأسها مركز البحوث العلمية، في سياق رد على الهجوم الكيميائي في دوما، الذي قُتل فيه المئات من المدنيين.
بعد تدمير المركز، يبقى السؤال حول مستقبل سوريا وأمنها، حيث تواصل إسرائيل تكثيف ضرباتها الجوية في الأراضي السورية، مستهدفة المنشآت العسكرية، بينما يعيش الشعب السوري في ظل تدمير غير مسبوق لمقدراته الوطنية. وعلى الرغم من هذا التصعيد العسكري، تظل الأسئلة حول مآلات الوضع السياسي في سوريا قائمة، في وقت يواجه فيه البلد تحديات ضخمة من إعادة البناء والمصالحة بعد أكثر من 13 عامًا من الصراع.