
بينما كانت إسرائيل تترنح في أعقاب الهجوم العنيف الذي شنته حركة حماس في السابع من تشرين الأول، وبينما كان الفلسطينيون في غزة يستعدون لضربات جوية انتقامية، كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على يقين أن الولايات المتحدة هي من تتحمل المسؤولية.
وبحسب مجلة “Foreign Policy” الأميركية، “بعد ثلاثة أيام من اختراق مقاتلي حماس للحدود المحصّنة مع إسرائيل، أدلى الزعيم الروسي بأول تصريحاته حول انفجار العنف في الشرق الأوسط. وخلال لقائه رئيس الوزراء العراقي محمد السوداني، قال بوتين: “هذا مثال حي على فشل سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط”. وكان ديمتري ميدفيديف، الرئيس الروسي السابق، قد انتقد في وقت سابق “هوس” الولايات المتحدة بالتحريض على الصراعات في كافة أنحاء العالم”.
وتابعت المجلة، “ربما لم يكن لروسيا أي يد أو حتى علم مسبق بالهجوم المفاجئ الذي شنته حماس، لكن بوتين يحاول الاستفادة من أي فرصة وسط الفوضى التي أعقبت هذا الهجوم. لقد أعطت الحرب بين إسرائيل وحماس، بعد 600 يوم من القتال غير المثمر في أوكرانيا، لموسكو فرصة لا تقدر بثمن لتحويل أنظار الغرب إلى أماكن أخرى، فضلاً عن فرصة محفوفة بالمخاطر لإعادة تشكيل نهجها بالكامل في التعامل مع الشرق الأوسط. وقالت آنا بورشفسكايا، زميلة بارزة في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى: “يستفيد بوتين من الفوضى العالمية. ويبقى هدفه تدمير النظام الدولي الحالي”.”
ورأت المجلة أنه “بالنسبة للكرملين، فإن الثمار الأولى التي يمكن أن يحصدها من الحرب المتجددة في الشرق الأوسط موجودة بعيدًا، تحديداً في ساحات القتال في شرق أوكرانيا وفي الكابيتول هيل في واشنطن. في الوقت الذي كانت فيه إسرائيل تتصدى لهجوم مفاجئ، وتعيد تنظيم قواتها المتناثرة، وتستعد لشن ضربة مضادة مدمرة لسحق حماس، شنت موسكو هجوماً طموحاً للغاية، وإن كان مكلفاً، لمدة عشرة أيام لاستعادة الأراضي حول أفدييفكا، في منطقة دونباس في أوكرانيا. فما كان سيلفت انتباه العالم قبل أسبوعين، أصبح شبه غائب عن عناوين الصحف بفضل الاضطرابات في الشرق الأوسط”.
وبحسب المجلة، “أما المكسب الذي يمكن أن تحصل عليه موسكو على المدى الطويل فسيكون من قبل الولايات المتحدة. لقد أدت الحرب بين حماس وإسرائيل فجأة إلى دفع أغلبية المشرّعين الذين طالبوا بوضع حد للمساعدات المقدمة إلى أوكرانيا إلى الإسراع في تقديم المساعدات إلى إسرائيل، ما وضع المساعدة الفورية لكييف موضع شك. وحتى المشرعون المؤيدون لأوكرانيا يحثون على إعطاء الأولوية لشحنات الأسلحة إلى إسرائيل. وعلى الرغم من أن هناك بعض التوترات بشأن قدرة الولايات المتحدة على دعم أوكرانيا مع تكثيف الدعم لتايوان، إلا أنها تفاقمت بسبب التهديد الذي تتعرض له دولة قريبة وعزيزة سياسيًا على جزء كبير من واشنطن”.
وتابعت المجلة، “إن الأمر الأكثر تعقيدًا هو موقف روسيا في الشرق الأوسط. لسنوات، تمكنت موسكو من العمل مع كافة الأطراف في المنطقة، بما في ذلك المنافسين اللدودين مثل إسرائيل وحركة حماس المدعومة من إيران. لقد تمكنت روسيا من التقرب من قبرص في الوقت الذي تتودد فيه إلى تركيا، كما تمكنت من التقرب من مصر، ودعمت الرئيس السوري بشار الأسد. وفي خضم الشبكة المعقدة من التحالفات والعداوات في الشرق الأوسط، تمكنت روسيا من العمل مع كافة الأطراف من خلال جعل نفسها لا غنى عنها لمختلف اللاعبين في المنطقة. وقال مارك كاتز، الأستاذ في جامعة جورج ميسون والخبير في السياسة الخارجية الروسية: “الفكرة هي ألا تقف إلى جانب طرف ضد الآخر، بل أن تجعل الطرفان يتنافسان من أجل مكاسبك الخاصة”.”
وبحسب المجلة، “قد يكون أول عامل تعثر لروسيا في المنطقة هو اعتمادها المتزايد على إيران لاستخدام الطائرات المسيّرة في ساحة المعركة في أوكرانيا، حتى في الوقت الذي تقترب فيه طهران، الداعمة منذ فترة طويلة لكل من حماس في قطاع غزة وحزب الله في جنوب لبنان، من لعب دور نشط في الصراع المتسع. ومن المرجح أن يكون الصراع المحدود بين إسرائيل وحماس في غزة بمثابة إلهاء مرحب به للكرملين. لكن هانا نوت، مديرة أوراسيا في مركز جيمس مارتن لدراسات منع الانتشار النووي، قالت إن حرباً أوسع نطاقاً بين إسرائيل ووكيل آخر مدعوم من إيران يمكن أن تزيد من مخاطر التوازن الذي تقوم به موسكو، مما يجبرها على التراجع أكثر والوقوف إلى جانب طهران. وقالت: “لست متأكدة من أن هذا هو الشيء الذي تريده روسيا حقًا”.”
وتابعت المجلة، “في حين قد تسعى موسكو إلى تقديم خدماتها كوسيط، فإن الخبراء يشككون في أن يكون للكرملين دور واقعي يلعبه في أي محادثات محتملة. وحتى العام الماضي، استمر التعاون في الشرق الأوسط بين موسكو والغرب، حيث عمل الدبلوماسيون الروس بجد مع الولايات المتحدة للمساعدة في الحفاظ على الاتفاق النووي الإيراني وإحيائه. لكن كل ذلك تغير في أعقاب غزو أوكرانيا، وأصبحت مواجهة الولايات المتحدة الشغل الشاغل للسياسة الخارجية الروسية”.
ترجمة رنا قرعة – لبنان٢٤