اخبار لبنان - Lebanon News

إن أردتم الإصلاح الحقيقي.. ابدؤوا بالقطاع العام ودعوا القطاع الخاص يصلح نفسه!

في خضم كل التوترات والخضّات والحروب المحيطة والأزمات الاقتصادية والمالية والمجتمعية، يطل وباء عالمي بفيروسه الصغير ليكشف عن فيروسات كبرى متفشيّة منذ أعوام فنخرت كل قطاعات البلاد الحيوية وضعّفت مناعة الوطن و أرهقته فانهار مستسلمًا لقوة الفساد والهدر والصفقات السياسية.

ومن أزمة الوباء وعودة بعض المغتربين ممن يرغب إلى حضن الوطن الأم، أطلت علينا أزمة جديدة، آخر من عبر عنها، كان محمد الحوت في مؤتمر صحفي، أضاء فيه على ما كان يُهمس أو يقال في اروقة السياسيين وغير السياسيين، وأجاب بوضوح على العديد من التساؤلات التي انتظرناها طويلا، ليس منه إنما من السلطة الحاكمة، وكشف المستور والمعلن، عن صراع القطاعات الخاصة المرتبطة مباشرة بقطاعات الدولة أو التي شكّلت عبر محطات كثيرة شريكة أساسية لها.

فالتخوفات التي تكررت مرارًا على مسامع المسؤولين تحولت اليوم إلى واقع، بعدما تجاهلت الحكومات المتعاقبة كل التحذيرات عن مغبّة الإستمرار في الهدر والتوظيف العشوائي والتقاعس عن الإصلاح وتحسين الجباية والتمادي بالفساد والأسوأ محاولة شرعنته، بحجة درء الفتنة تارةً أو حفاظًا على حقوق أو وحدة ما تارةً أخرى.

فالانهيار الذي بدأ تدريجيا منذ العام ٢٠١١، اعقبته الحرب في سوريا والتي زادت على عجزالخزينة اللبنانية ٢٥.٠٠٠.٠٠٠.٠٠٠ مليار دولار، حاول كثر التحذير من حتميّة حصوله. ورغم كل الدعوات ومحاولات الإنقاذ ليس فقط التنبيه، استمرت الحكومات المتعاقبة بالتحول إلى متسولة، ومستدينة من الداخل والخارج، لا تنتج إلا كلامًا ولا تشتري الا الوقت. لقد بات واضحًا ودون أدنى شك، أين يكمن الخلل، ورغم كل الأصوات الناصحة والمنبهة عن سوء إدارة قطاع الكهرباء مثلًا لا حصرًا، وعن ضرورة الإصلاح فيه، لم يحرك أحد ساكنًا لمعالجة تفاقم الهدر وتراكم العجز،

ناهيك عن ثلاثة عقود من الإهمال التام لكل خطط الإصلاح.

ونذكر جيدًا حين صرح حاكم مصرف لبنان، لا بل لربما توسل ومن تحت قبة البرلمان، أمام ممثلي الأمة عدم إقرار سلسلة الرتب والرواتب وحذر من سوء توقيتها ومن مغبة دفعها دفعة واحدة، استمر المسؤولون بسياسة اللامبالاة، فأقرت بعيوبها ووُقعت، وها نحن اليوم نلمس نتائجها الكارثية.

وهل من داع للتذكير بسنوات الفراغ الدستوري الذي ترك البلاد والعباد دون رؤساء أو مجالس تنفيذية أو تشريعية شرعية، وكيف صمدنا شعبا وقطاعات خاصة رغم الفراغ واستمرت القطاعات الخاصة بدعمها المستمر للقطاعات العامة

وبعد كل هذا التعطيل في الإدارة والسياسة والقضاء والدستور والجباية والمرافق وحياة الناس لأشهر وسنوات، وحين استبدل فن السياسة بفن الضجيج الفارغ والعويل والشتم والتحدي، يأتيك اليوم من يستعمل هذا الفن في تغريدة من هنا ام تصريح فارغ من هناك، مهددًا متوعدًا، ومتهمًا القطاعات الخاصة (الشريكة الأولى للدولة في خسائرها لا أرباحها) بالمراباة والطمع والاستيلاء على الأموال العامة، متناسين كل الأرباح التي حققتها الدولة من تلك القطاعات والتي يطل اليوم عليها شبح الانهيار بسبب إهمال السلطة. فكيف كانت للقطاعات العامة أن تستمر دون دعم القطاع المصرفي مثلًا! والذي اتهم بالطمع والسرقة في حين أن الفوائد المرتفعة كانت السبيل الوحيد لجذب المستثمرين والمغتربين ليضعوا أموالهم لدى المصارف، كي تستمر بإقراض الدولة!

والمؤسسات والقطاعات الخاصة كما المصارف، استمرت بدعم المؤسسات العامة تفاديًا أو تأجيلًا لانهيار حتمي.

ربما أخطأت بذلك، واخطأت أيضًا بالسكوت عن ديون الدولة اللبنانية تجاهها. ففي ذمة الدولة مبالغ ضخمة لطيران الشرق الأوسط، هل تسددها قريبًا؟ ام تهملها وتغض النظر عنها كما فعلت بكل ما يتصل بديون الدولة ومستحقاتها للقطاع المصرفي ومجمل الشؤون المالية!

ويأتيك من يصرّح أو يلمح من أركان السلطة وازلامها، بشقيها الإداري والسياسي، إن القطاعات الخاصة بددت واستولت على أموال الناس، فقامت الحملات واصفة اياها ب”عدو الشعب” بشعبوية دون أي إستناد إلى الحقائق بل لوصمها فقط لا غير، والتهرب من الواقع السيء المتمثل بفشل الدولة بإدارة قطاعاتها، وتشرئب اليوم للاستيلاء على القطاعات الخاصة التي هي ملكيات خاصة، دون وجه حق ورغم عدم قانونية أو دستورية هكذا طرح، فبعد أن أفسدت ما لها، تأتي اليوم لإفساد ما ليس لها وتستولي على تعب وارباح القطاعات الخاصة الناجحة والمنتجة، الداعمة لها منذ عقود.

قد يحلو للبعض أن يستخف أو يضلل أو يشوه أو يشيطن القطاعات الخاصة ولكن من توقف ليسأل عن مصير عشرات الالاف من موظفي هذه القطاعات وعن مصير عائلاتهم ان خسروا أشغالهم؟ فهل يحمل هؤلاء أو الدولة مسؤولية عيشهم الكريم وطبابتهم وأمنهم الاجتماعي؟ من يظن أن تلك القطاعات مهملة مثل القطاع العام مخطىء فمصير موظفيها يأتي في أول سلم أولوياته ولن تتخلى عنهم كما لم يتخلوا عنها منذ نشأتها.

انه لمحزن ومعيب أن نصل إلى ما وصلنا إليه اليوم، في لحظة هي الأشد حرجاً، فيجد كل منّا نفسه عاجزًا، غاضبًا ممن كان مؤتمنًا على إدارة المرحلة الأليمة وإراحة المؤسسات وطمأنة النفوس، فالسلطة السياسية وبدل أن تبادر أو حتى تستمع لتخوفات شعبها ومجتمعها، ها هي اليوم تلقي اللوم على الجميع الا نفسها، فلم تسمع صراخ مئات الالاف من أبنائها منذ اليوم الأول لإنتفاضة ١٧تشرين، وخوّنت تحرّكاتهم وصمّت آذانها عن آلامهم ومطالبهم وضربت بحقوقهم عرض الحائط، فيما تدّعي تمثيلهم، فكيف نعتب حين تتجاهل وتهمل الجميع، أفراد ومؤسسات!

قالت حكومتنا أمام ممثلي المجتمع الدولي انها قريبة جدا من الإصلاح ومن إيجاد الحلول، كم نتمنى لو انها محقّة، فلو أرادت الحل، لوجدته أمام اعينها، في قطاعاتها البائسة المهترئة، فهناك يبدأ التغيير وتقفل مزارب الهدر والفساد وتتوقف السرقات، لا في رمي كرة النار للقطاع الخاص وفي قمع الطموحات الفردية والاستيلاء على الممتلكات وتدفيعه ثمن أخطاء في السياسة العامة.

تريدون الحل؟ ها هو، لكن هل من يسمع!

يوسف خوري – VDLnews

زر الذهاب إلى الأعلى