معلّمو “الرسمي” يدعون إلى تفويت الفرصة على من يريد تدمير المدرسة الرسميّة

المهلة الدستورية لانتخاب رئيس للجمهورية خلفاً للرئيس ميشال عون بعد أقل من شهرين في نهاية تشرين الأول المقبل دخلت أيّامها الأولى من أيلول ومعها اشتدّت وطأة الأزمات الإقتصادية والمعيشية على اللبنانيين، وسط خلاف سياسي عمودي ومخاوف جدية من الفراغ من جهة، والتعثر أو الفشل بتشكيل حكومة جديدة برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي أو تعديلها على الأقل لتواكب خطورة المرحلة المقبلة من جهة أخرى.
ظهرت أولى بوادر اشتداد الأزمات في تفلّت سعر صرف الدولار الأميركي في السوق السوداء على غير المتوقع، ومعه ساد الإرباك والفوضى كافة القطاعات، أقفلت غالبية محطات الوقود في صيدا، وطالب أصحابها بإصدار جدول جديد لأسعار البنزين والمازوت والغاز، وفق ما أكّد ممثل موزّعي المحروقات فادي أبو شقرا ليراعي سعر الصرف، لأنّ ارتفاعه يكبّد أصحاب المحطّات ومستوردي المحروقات والموزعين خسائر كبيرة.
توازياً، أعلن تجمّع أصحاب المحطّات أنه «بعد ارتفاع سعر دولار السوق السوداء أصبح الفرق يشكل أكثر من 70 بالمئة من الجعالة التي من الأصل لا تصل كلّها ولا تكفي لسدّ حاجات المحطات، وبعدما كنّا نبّهنا الى أن الإقفال سيكون قسرياً، بدأنا نرى غالبية المحطات تغلق أبوابها لوقف النزف الذي بدأ منذ بداية الأزمة في ظل عدم اكتراث من المعنيين».
ويدفع المواطنون ثمن تفلّت الدولار، حيث ارتفعت أجرة النقل وأسعار المواد الغذائية والأدوية وكلّ البضائع. وصبّت «أم حسين» جام غضبها على الفوضى، وهي تنتظر عند محطة حافلات النقل من صيدا الى الجنوب للعودة الى قريتها صريفا في الجنوب اللبناني، إلّا أن صبرها نفد، إذ لا ركّاب ولا من يحزنون، فتركت الحافلة علّها تجد ضالّتها بسيارة تاكسي بوقت أقصر، إلّا أنها عادت أدراجها وهي تتمتم «يلعن الدولار ويلي عرّفنا عليه ويلعن كل الأزمات، أخبرني السائق أنه يتوجب عليك للوصول الى صور دفع 200 ألف ليرة، وهيدا بعد ما وصلت على البيت»، وراحت تضحك «سأصبر كما صبر النبي أيّوب… ويا صبر أيّوب».
على مقربة من المحطة، في شارع رياض الصلح الرئيسي، كان الدولار يرقص صعوداً فيما الطلب عليه يتزايد. الصرّافون غير الشرعيين منهمكون بمتابعة التطبيق لحظة بلحظة، ينادي أحدهم على الآخر «لقد ارتفع قليلاً انتبه»، فيما كان وليد الأحمد يفتش في محفظته بحثاً عن «الأخضر» ليصرف بأعلى سعر ويستفيد قبل هبوطه مجدداً مساء كالعادة، وقال «لقد بات كل مواطن تاجراً، يركض وراء مصلحته والربح الوفير، لعلّه يسدّ جانباً من ارتفاع الأسعار في مكان آخر، نعيش في المراوحة ذاتها».
صرخة تربوية
وعلى وقع الفوضى وإرباك الأسواق، أطلق أساتذة التعليم الأساسي والثانوي الرسمي في الجنوب وتحديداً في صيدا وصور وجزين، صرخة تربوية لتفويت الفرصة على من يريد تدمير المدرسة الرسميّة، بعد ساعات قليلة على زيارة وزير التربية والتعليم العالي القاضي عبّاس الحلبي الى صيدا ورعايته المؤتمر التربوي وتكريم الأوائل في الشهادات الرسمية، إذ أكد «أننا مصممون على استئناف الدروس وإعادة التلامذة الى الصفوف».
ونظّم الأساتذة اعتصاماً احتجاجياً أمام سراي صيدا، التزاماً بقرار رابطتيهما للمطالبة بتحسين رواتبهم وتأمين ظروف عيش كريم لهم على أبواب بدء العام الدراسي الجديد، حيث قال أمين سر رابطة التعليم الأساسي في الجنوب قاسم مطر «اعتصامنا اليوم هو الصرخة الأخيرة قبل انقطاع الأنفاس بالأوضاع المزرية التي يعيشها المعلمون بجميع مسمّياتهم فاقت كلّ التوقعات بدءاً بالمعاشات وقيمتها المتدنية مروراً بالمساعدات وحجزها وبدل النقل والتهرب من مسؤولياتها وإذلال المصارف وعنجهيتها».
ووصف أمين سر رابطة التعليم الثانوي مدير ثانوية الصرفند حيدر خليفة أوضاع المعلمين بالمزرية، وقال «الأستاذ بات في خطر وجودي، لم يعد باستطاعته التعليم وأولاده بلا طعام، أو ملبس ولم يعد الأمر مزحة، وكلّ المهن نظّمت وضعها في الأوضاع المستجدة، إلا «الرويتب» ما زال صامداً بالليرة اللبنانية في حين كل البلد تعاملاته أصبحت مدولرة»، مؤكداً أن هناك ثلاث ركائز إذا استوت يمكن البدء بالعام الدراسي: تحويل جزء من الرواتب على دولار صيرفة، ليترات البنزين بسعر متحرك عوضاً عن بدل نقل تبعاً لتغيّر تسعيرته اليومية، والبحث في رفع موازنة تعويضات تعاونية موظفي الدولة الإستشفائية».
محمد دهشة – نداء الوطن