وطنية – ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قداس الاحد في كنيسة السيدة في الصرح البطريركي في بكركي، عاونه فيه المطرانان حنا علوان وانطوان عوكر، أمين سر البطريرك الاب شربل عبيد، في حضور مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي بيتر جرمانوس، الوزير السابق يوسف سلامة وحشد من المؤمنين.
بعد الانجيل المقدس، ألقى البطريرك الراعي عظة بعنوان: “إيمانك خلصك… يكفي أن تؤمن” (لو8: 48 و 50) 1. آيتا إنجيل اليوم هما لنا مدرسة إيمان بنعمة المسيح القديرة. للمرأة المنزوفة التي لمست طرف ردائه فزال نزيف دمها للحال، قال الرب يسوع: “إيمانك خلصك، إذهبي بسلام” (لو48:8). وليائيروس رئيس المجمع الذي جاء إلى يسوع يلتمس منه الحضور إلى بيته لشفاء ابنته المشرفة على الموت، ثم أخبر، وهو آت مع الرب، بأن ابنته ماتت، ولا حاجة لإزعاج المعلم، قال يسوع: “لا تخف ! يكفي أن تؤمن فتحيا ابنتك” (لو50:8). وفي الواقع أقامها الرب من الموت، مناديا إياها: “أيتها الصبية قومي” (لو54:8)”.
وقال: “فيما نحتفل معا بهذه الذبيحة الإلهية، نلتمس فضيلة الإيمان الثابت بأن يسوع قادر على أن يشفينا وكل إنسان من أي نزيف جسدي وروحي وأخلاقي ومادي، مثلما شفى تلك المرأة التي لمست بإيمان كبير، وصلاة صامتة، طرف ردائه؛ وكما أحيا من الموت ابنة يائيروس لأنه آمن بكلمة الرب يسوع ووعده.
هذه هي بطولة الإيمان الذي به “نرجو ضد كل رجاء” على ما يقول بولس الرسول (روم18:4)، أي نؤمن ونرجو عندما تقفل بوجهنا كل أبواب الانفراج. إثنتا عشرة سنة وتلك المرأة تعاني من نزيف دمها، وصرفت كل مالها على الأطباء من دون جدوى. فكانت لحظة خاطفة من الإيمان بيسوع كافية لشفائها. ويائيروس الذي أخبر بوفاة ابنته، وتبددت كل آمال عودتها إلى الوجود، كفاه فعل إيمان صامت بكلمة يسوع. الإيمان الحقيقي هو الذي يرجو بثبات”.
أضاف: “يسعدني أن أرحب بكم جميعا، وأنتم تقصدون الرب يسوع الحاضر معنا بكلامه الهادي لعقولنا، والحاضر في ذبيحة الفداء لمغفرة خطايانا ومصالحتنا مع الله ومع بعضنا البعض. والحاضر في وليمة جسده ودمه لحياة نفوسنا، والحاضر وسط جماعتنا المصلية وهو رأسها، يشفع بنا ككاهن، ويستجيب لنا كإله، على ما يقول القديس أغسطينوس؛ والحاضر بشخص الكاهن الذي سلمه خدمة التعليم والتقديس والرعاية، ليمارسها بإسمه وبشخصه (الدستور المجمعي في الليتورجيا، 7).
نأتي إليه ومعاناتنا ومخاوفنا كبيرة من جراء الأزمة الإقتصادية والمالية والمعيشية الخانقة، ومن انتشار وباء Corona الذي يجتاح العالم بشكل مرعب، ووصل إلى لبنان كما تعلمون. وبدا مدى عجز الطب عن إيقافه، على الرغم من كل المحاولات. فلا بد من أن نقصد الطبيب الإلهي يسوع المسيح وتشفع أمه الكلية القداسة مريم العذراء، سيدة لبنان، التي نلتجئ إلى حمايتها ونناديها: “يا شفاء المرضى، يا ملجأ الخطأة، يا سيدة المعونات، يا حامية المؤمنين، يا أما حنونة” وسواها من الألقاب”.
وتابع: “إن هذه المعاناة والمخاوف تستدعي منا العودة إلى الله، بالتوبة الصادقة، والاعتراف بخطايانا، والصلاة والصيام والتواضع؛ كما تستدعي الإقرار بمحدوديتنا وبكلية قدرته. لقد ازداد عندنا وفي العالم الاستغناء عن الله وكلامه ووصاياه في الحياة اليومية، فوضع جانبا ليحل محله الاعتداد بالنفس والمال والسلطة والجاه والسلاح والنفوذ السياسي والأنانية وعدم الاكتراث واليأس، وسواها. وشمل هذا الاستغناء الكنيسة التي جعلها المسيح مؤسسها “أداة الخلاص الشامل وعلامته” (الكنيسة في عالم اليوم، 45)، “وأداة الاتحاد بالله ووحدة الجنس البشري برمته” (الدستور العقائدي في الكنيسة، 1)”.
وأردف: “لا بد من أن ندرك مضمون إيماننا الذي نعبر عنه في قانون الإيمان، إذ نقول: “نؤمن بإله واحد آب ضابط الكل… وبرب واحد يسوع المسيح الذي من أجلنا ومن أجل خلاصنا نزل من السماء… وبالروح القدس الرب المحيي… وبكنيسة واحدة جامعة، مقدسة، رسولية…”.
وعلى الصعيد الوطني، قال الراعي: “نحن بحاجة إلى بناء وحدتنا الداخلية، بحيث تتكاتف جميع القوى السياسية من أجل نجاة لبنان المهدد بماله واقتصاده وسمعته وثقة الدول به. وهذا يقتضي الولاء للبنان فوق كل اعتبار. فمن أساء إليه أساء إلى نفسه، ومن امتهن كرامته إستهان بكرامته الذاتية، أكان ذلك بواسطة الإعلام أم بالأداء الفاسد. إن كرامة لبنان وخيره هما من كرامة وخير كل مواطن. وأول ما يحتاج لبنان هو إجراء الإصلاحات في الهيكليات والقطاعات وفقا للوعود التي قطعتها الحكومة السابقة في مؤتمر “CEDRE”، بدءا من الكهرباء ومكافحة الفساد وتحسين الإدارة، واستقلالية القضاء من كل تدخل سياسي. ويجب التذكير بأن النظام المالي والاقتصادي الحر، الذي يشكل القطاع المصرفي جزءا أساسيا منه، والذي يخبئ فيه اللبنانيون جنى العمر، هو ركيزة من ركائز الكيان اللبناني الذي أسسه المكرم البطريرك الياس الحويك منذ مئة سنة، فحذار المساس به، وحذار تهديد مستقبل اللبنانيين من خلال مهاجمته، لأن السبب يوجد في مكان آخر. وإن من واجب الحكومة معالجة الأسباب فورا ومن دون إبطاء ومعاقبة المتلاعبين بالعملة الوطنية. فحذار التلاعب بمصير لبنان الذي لن نسمح بسقوطه. ونلفت إلى أن الاقتصاد الحر هو من صلب الدستور. لكن الكنيسة تريده ذا بعد اجتماعي يضمن العدالة والتضامن وكرامة الإنسان وحقوقه (راجع ملخص تعليم الكنيسة الاجتماعي، 335)”.
وختم الراعي: “في هذا الظرف العصيب من كل الجوانب، فلنلتزم مع جميع الناس بالدعوة الإلهية: “عودوا إلى الله فيعود إليكم” (يوئيل 2). فعنده نجد ينابيع الخلاص من كل مآسينا. ومعا نرفع نشيد المجد والتسبيح للآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين”.
بعد القداس، استقبل الراعي المؤمنين المشاركين في الذبيحة الإلهية.