فن وترفيه

بين النص والإخراج والتمثيل: كيف تُصنع الدراما الناجحة؟

الدراما ليست مجرد سرد قصصي، بل هي مزيج متكامل من نص، إخراج، وأداء تمثيلي مقنع. حين تتكامل هذه العناصر، يصبح العمل قادرًا على أسر المشاهد، أما عندما يختل أحدها، فينعكس ذلك على التجربة ككل.
في هذه المراجعة، سأتناول رأيي المتواضع في ثلاثة مسلسلات لبنانية وسورية “بالدم، نَفَس، وتحت سابع أرض”، محاولةً تسليط الضوء على كيفية تفاعل النص، الإخراج والتمثيل في كل منها، وأين نجح كل عمل وأين تعثّر.

مسلسل “بالدم”

طال الانتظار واشتاقت الشاشة اللبنانية لمسلسلات “لبنانية” في كل تفاصيلها. ولطالما وُضعَ الممثلون اللبنانيون تحت الإختبار بعد أن صنعت جميلات الشاشة صيتًا يربط التمثيل اللبناني بالشكل الجميل فقط… فجاء مسلسل بالدم ليعيد الأمل بدراما لبنانية بحتة.

إحدى أبرز نقاط القوة في العمل هي تألق سينتيا كرم، التي أنصفتها الجماهير أخيرًا كممثلة محترفة تستحق التقدير. من تابعها في مسرحيات جورج خباز، يدرك تمامًا حجم طاقتها وشغفها، اللذين ينعكسان بوضوح في أدائها، مما يضفي على العمل روحًا مميزة.

كما نجح المسلسل في دمج عدة قصص ضمن حبكة واحدة، ما جعله قريبًا من واقع المشاهد اللبناني، إذ يجد كل فرد فيه جزءًا من حياته اليومية، مما يعزز من تأثير الدراما وواقعيتها.

لكن رغم هذه الإيجابيات، يعاني الحوار في بعض المشاهد من ضعف واضح، إذ يفتقر إلى العمق والثقل الدرامي المطلوب. فالحوار القوي لا يعني بالضرورة الإطالة أو التعقيد، بل يجب أن يكون أكثر تأثيرًا وأقل سطحية، بحيث يخدم الحبكة والشخصيات دون أن يتحول إلى مجرد كلام عابر.

أما على الصعيد الإخراجي، فيليب أسمر يبقى مخرجًا محترفًا يمنح كل مشهد حقه من الجمالية والبُعد البصري. ومع ذلك، قد يكون من المفيد أن نراه في تجربة جديدة بأسلوب إخراجي مختلف، مما قد يشكل له نقلة نوعية في أعماله المستقبلية.

بالمجمل، بالدم عمل يستحق المشاهدة، إذ يمثل خطوة إيجابية نحو إعادة إحياء الدراما اللبنانية بأسلوب حديث يواكب تطلعات الجمهور. ومع تحسين مستوى الكتابة والحوار، كان ليصبح أكثر قوةً وتأثيرًا.

مسلسل “نَفَس”

كثيرًا ما نعلّق آمالًا كبيرة على عملٍ درامي، لكن ذلك لا يضمن نجاحه، وهذا ما حدث مع مسلسل نَفَس.

رغم جمعه ثلاثة ممثلين يمتلكون قاعدة جماهيرية واسعة، فإن نجاح المسلسل لا يعتمد فقط على شهرة أبطاله، بل يحتاج إلى نص متماسك، وإخراج متقن، وأداء تمثيلي قادر على إضفاء المصداقية على الأحداث. وللأسف، لم تجتمع هذه العناصر في العمل، مما يؤكد أهمية النص كركيزة أساسية لأي إنتاج درامي ناجح.

عند النظر إلى القصة من منظور شامل، نجدها بعيدة عن الواقع، وأقرب إلى حبكة مترهلة، تحاول أن تتشكل لكنها لا تكتمل. هذا التشابك غير المدروس أثر سلبًا على تماسك الأحداث وسلاسة السرد.

أما على صعيد الأداء، فقد بذلت دانييلا رحمة جهدًا كبيرًا في تجسيد شخصيتها، فهي ممثلة مجتهدة تعمل على تطوير نفسها باستمرار، لكن النص والإخراج لم يخدماها بالشكل المطلوب. في المقابل، لم يقدّم معتصم النهار أي جديد في هذا العمل، بل اكتفى بتكرار الأداء ذاته دون أي بصمة مختلفة. أما المفاجأة الكبرى فكانت في أداء عابد فهد، الذي اعتدنا أن ننتظره بفارغ الصبر في أي دور يجسّده، إلا أن هذا الدور بدا غريبًا عليه، ولم يقدّم فيه أي إضافة تُذكر، وهو ما شكّل خيبة أمل غير متوقعة.

عدا عن ذلك، لم تكن الصورة بالمستوى الذي يليق بعمل درامي من هذا النوع، إذ كنا نتمنى رؤية معالجة بصرية أقوى تساهم في تعزيز أجواء المسلسل وتدعمه.

قد نتمكن من توجيه نقد مطوّل يستمر طويلًا، لكن الأهم هو أن يدرك فريق العمل درسًا جوهريًا: لا ينبغي بناء التوقعات العالية إلا بوجود نص قوي، فالنص هو الأساس، وكل العناصر الأخرى تأتي لتكمله وتدعمه.

مسلسل “تحت سابع أرض”

استنادًا إلى مقاييسي في متابعة الدراما العالمية، يمكن القول إن تحت سابع أرض عملٌ مشغول دراميًا بامتياز. كل حلقة، كل مشهد، وكل لقطة جاءت في مكانها الصحيح، لتشكّل معًا تجربة متكاملة لا تترك مجالًا للصدفة أو العشوائية.

النص متماسك، محبوك بدقة، يوازن بين الحبكة المتينة والإثارة المتصاعدة، حيث تأسر نهاية كل حلقة المشاهد، تاركةً إياه على أعصابه مترقبًا ما سيأتي. إنه ذلك النوع من الكتابة التي تدفعك للبقاء مشدودًا حتى آخر لحظة، دون ملل أو حشو زائد.

أما الإخراج، فهو احترافي إلى أبعد الحدود، مبرَّر في كل تفصيل، بعيد عن المبالغة أو الاستعراض. إنه إخراج يحكي القصة—حقيقي، واضح، يخدم السرد دون أن يطغى عليه، مما يجعل المشاهد جزءًا من هذا العالم دون أن يشعر بأي افتعال.

لكن جوهر العمل يكمن في التمثيل، فهو القلب النابض للمسلسل. تيم حسن أبدع في هذا الدور، قدّم شخصية استثنائية، جعلنا نحبه، نتعاطف معه، ثم نكرهه، في مزيج مذهل من التناقضات الإنسانية التي تعكس عبقرية أدائه. أما كاريس بشار، فهي متألقة كعادتها، تتلاعب بالمشاعر بمهارة، تضحك وتبكي في آن واحد، تنقل المشاهد بين الفرح والحزن بسلاسة وإتقان. وبعيدًا عن الأدوار الفردية، فإن كل الممثلين أدّوا بأداء متجانس كأنهم قلب واحد ينبض بروح القصة.

تحت سابع أرض ليس مجرد مسلسل، بل تجربة درامية متكاملة، حيث اجتمعت عناصر الكتابة والإخراج والتمثيل لتقدّم عملًا يرتقي بمستوى الدراما العربية، ويعيد إليها بريقها الحقيقي.

في نهاية المطاف، يبقى نجاح أي عمل درامي مرهونًا بمدى انسجام النص والإخراج والتمثيل. قد يجذبنا أداء ممثل، أو تبهرنا رؤية مخرج، لكن من دون نص قوي، يبقى التأثير ناقصًا. ما رأيناه في بالدم، نَفَس، وتحت سابع أرض هو ثلاث تجارب مختلفة، لكل منها نقاط قوة وضعف، لكنها تؤكد جميعها أن الدراما ليست مجرد فكرة أو أسماء معروفة، بل هي حكاية تُروى بحرفية، تُخرج بإبداع، وتُمثَّل بصدق.
ألين شمعون

زر الذهاب إلى الأعلى