
كتب المحامي بول يوسف كنعان في النهار
يحل عيد مار مارون هذا العام،
والموارنة يعيشون كما جميع اللبنانيين، ظروفاً استثنائية كيانية. وعلى وقع الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمالية والصحية، يعتقد “شعب مارون” أن ما يمر به اليوم، فريد من نوعه، متناسياً أنها ليست المرة الأولى التي يعاني بها المرارات. فتاريخ الموارنة كناية عن محطات من صراع البقاء والرفض والمواجهة والإضطهاد والصمود…والنهوض من جديد.
وحتى لا نغوص في التاريخ، علينا أن نأخذ العبر، ونحسن التعاطي مع حاضرنا لنبني المستقبل. وهو ما لا يمكن أن يكون في خضم صراعات البيت الواحد، والانقسامات، والنكايات، والحسابات الضيقة، بينما نحن في أمس الحاجة الى قرع جرس الإنذار، للدعوة الى التضامن والتعاون، للخروج من هذه المحنة.
من هنا، فالدعوة موجهة الى كل الأحزاب والقوى المسيحية، والشخصيات المارونية تحديداً، للتوقف عن التراشق والاتهامات، التي لا تسهم في تقدّم المجتمع، بل الى عودته الى الماضي الأسود الذي لا نريد العودة اليه. فليكن التضامن بدل الإنقسام، والتعاون بدل الإختلاف، وليتحوّل التنافس ايجابياً على ما يؤمّن بقاء المجتمع، وانقاذ الوطن.
ولتكن كل مبادرة، شمعة في ظلمة الوطن، تحوّل اليأس الى أمل، في وقت نحن بأمس الحاجة فيه الى التفاؤل والايجابية، ليكون حاضرنا افضل، ومستقبلنا أفعل. ولندعم في هذا السياق، كل عمل خير في المجتمع، وكل تعاضد اجتماعي وتربوي واقتصادي، وكل خطوة تساعد على الصمود والاستمرار. ومن مدعاة الفرح أن نرى الجمعيات والمؤسسات المارونية تتحرّك، وكل عائلة وفرد يسهمون في فلس الارملة في دعم مجتمعهم، على غرار الكنيسة التي تتصرف بدورها بمنطق الأم الحاضنة لأبنائها، وتبادر وتتصرّف، وإن لم تعلن في أحيان كثيرة عما تقوم به، لكنها تستحق التحية.
واذا كان التعاضد الاجتماعي مطلوباً، فعلى المسيحيين أن يلعبوا دورهم ويقودوا خريطة طريق الخروج من النفق المظلم سياسياً. عليهم أن يبادروا، ويتفاعلوا مع بعضهم، ومع كنيستهم، فيفكروا ويتصرفوا، ولا ينتظروا قرارات دولية، او مبادرات خارجية لتقول لهم ما يجب ان يفعلوا، وما لا يجب أن يعملوا.
فطريق اللبنانيين باتجاه بعضهم، اقرب من طرق الخارج اليهم. والحلول اللبنانية، اضمن واصلب من أي حلول خارجية. لذا، على المسيحيين عموماً، والموارنة خصوصاً، ان لا يستسلموا للانتظار، او يسلّموا امرهم لسواهم في القرار. وليتعظوا من تجارب الماضي، ومحطات الامس القريب، من اتفاق القاهرة الى حرب ال1975، الى صراع العام 1985 وما قبله ما بعده، وصولاً الى العام 1990.
فالوقوع بالأخطاء نفسها مرة جديدة ستكون قاتلة هذه المرة أيضاً، تفقد المزيد من الحضور والدور، وتفتح الباب على الإحباط والتهميش. وعندها، يكون الندم متأخراً. من هنا يأتي قرع بكركي دائما لجرس الانذار، وتأتي عظات البطريرك مار بشارة بطرس الراعي لتكون بمثابة صوت ضمير وطني للحفاظ على الكيان وانقاذ الجمهورية. والمطلوب من الجماعة المارونية الاهتداء بها، والعمل بموجبها كاطار جامع.
في احدى عظاته، قال الأب المفكّر ميشال حايك “إن الموارنة من أجل الأرض والحرية، يموتون واقفين”. لقد آن الأوان للموارنة من أجل استمرار هذا الكيان وديمومة هذه الدولة أن يعيشوا واقفين، وينوجدوا بدورهم وحضورهم الفاعل، ليستمروا ويستمر لبنان، مساحة حرية، وبقعة تعددية، ومنارة ثقافية وحضارية، من هذه الأرض، الى كل الشرق والعالم.