اخبار لبنان - Lebanon News

واشنطن تُسلِّم إسرائيل مفاتيح التصعيد في لبنان

مع اقتراب وصول الموفد الأميركي توم برّاك إلى بيروت لتسلّم القرار العملاني في ملف «حصر السلاح بيد الدولة»، يتحدث البعض عن سيناريو تصعيدي قد يحمل أبعاداً قاسية على لبنان. إنّها سياسة «العصا الإسرائيلية والجزرة الأميركية» التي لطالما استُخدمت في الشرق الأوسط للإغراء والتطويع.

في الأشهر الأخيرة، سارع «حزب الله» إلى تدعيم حججه للتمسك بالسلاح. ومن باب التحوّط للمفاجآت، هو لم يعد يكتفي بشرط الانسحاب الإسرائيلي من مزارع شبعا في اعتبارها أرضاً لبنانية. فبعد سقوط بشار الأسد وتولّي أحمد الشرع مقاليد السلطة في سوريا، وإطلاقه مسار تفاوض مع إسرائيل، بات ممكناً في أي لحظة أن تعلن دمشق رسمياً أنّ المزارع سورية الهوية، وتدعم ذلك بوثائق يعترف بها الأميركيون والمجتمع الدولي، وتقبل بها إسرائيل، فيصبح لبنان معزولاً وضعيف الحجة في هذه المسألة، وتالياً يفقد «الحزب» ذريعته «التقليدية» الأساسية للاحتفاظ بالسلاح.

إذا اتخذت دمشق هذه الخطوة، فإنّ واشنطن سترفع من ضغوطها على الدولة اللبنانية لدفعها إلى نزع سلاح «الحزب» وبسط سيادتها الكاملة على أراضيها، كما تعهّدت في «خطاب القَسَم» و«البيان الوزاري». ولذلك، هو سارع بعد الحرب الأخيرة إلى تحضير مجموعة من البدائل. وهو يعلن اليوم أن لا نقاش حول سلاحه ما لم تنسحب إسرائيل من النقاط الخمس التي تسيطر عليها، وما لم توقف ضرباتها اليومية وتتحقق إعادة إعمار القرى المدمّرة وعودة أهلها إليها. وعلى إسرائيل أن تلبّي هذه الشروط أولاً لكي يلتزم الابتعاد عن منطقة جنوب الليطاني، وبعد ذلك، سيكون سلاحه ككل موضع «حوار داخلي» ولا يُفرض من الخارج. وهذا الخطاب وضع الجميع في موقف حساس، لأنّ إسرائيل من جهتها تردّ بشروط معاكسة، وتقول إنّها لن تنسحب وتوقف ضرباتها قبل أن يفي «الحزب» بالتزاماته الواردة في اتفاق وقف النار.

إذاً، هي لعبة «البيضة أولاً أم الدجاجة؟»، وإذا لم يحصل برّاك على ردّ لبناني يستجيب للتوقعات الأميركية، أي يتضمن «خطة عمل» واضحة وفعّالة لنزع السلاح، أو على الأقل خطوة ملموسة في هذا الاتجاه، فالأرجح أنّ لبنان سيشهد سيناريو صعباً يبدأ بالتكشف على مراحل.

في المرحلة الأولى، قد يتمّ تحريك العصا الإسرائيلية في شكل أعنف. وفي غالب الأحيان، تقوم الولايات المتحدة وإسرائيل بتقاسم الأدوار في الشرق الأوسط: الأميركيون يقدّمون الجزرة، فيما العصا إسرائيلية. وفي الحرب الأخيرة على إيران، كانت إسرائيل تصرّ على رفع حدّة الضربات إلى المستوى الأقصى، بينما كانت إدارة ترامب تبعث برسائل مفادها «تعالوا إلى اتفاق». وفي لبنان أيضاً، قد تطلق واشنطن يد إسرائيل لتنفيذ ضربات تتوغل فيها عميقاً في لبنان، فتستهدف البنى التحتية العسكرية كمخازن السلاح ومواقع إطلاق الصواريخ والأنفاق ومواقع التدريب، إضافة إلى شبكات الدعم اللوجستي كطرق الإمداد ومستودعات الوقود ومراكز تجميع المعدات، وطبعاً قيادات «الحزب»، وستزيد الضغط على بيئته الحاضنة، بهدف إضعافه ودفعه إلى تقديم التنازلات.

في المرحلة الثانية، ستظهر الجزرة الأميركية في شكل أوضح. فوسط الضربات المتصاعدة، ستدير واشنطن محركات الوساطة. وهذه الجزرة قد تتضمن:
1- وقف الضربات الإسرائيلية، مقابل خطوات عملية من الجانب اللبناني في ملف السلاح.
2- ربط المساعدات المالية وبرامج إعادة الإعمار بملف السلاح.
3- إغراء لبنان بتدعيم مكانته الديبلوماسية في المجتمعين العربي والدولي، إذا قدّم التنازلات.
4- تحريك ملف استكشاف الغاز الذي يمكن أن يوفر للبنان مكاسب اقتصادية وسيادية.

في المرحلة الثالثة، وفق ما يتوقع البعض، سيصبح الاتفاق أمراً واقعاً نتيجة الضغوط العسكرية والاقتصادية، تماماً كما هو متوقع مع إيران. وهذا الاتفاق لن يكون ثمرة تفاوض من الند إلى الند، بل سيعكس الاختلال الفاضح في توازنات القوة. وثمة من يعتقد أنّ المطالب الأميركية لن تنحصر بنزع السلاح، وقد تمتد إلى تغيير دور «الحزب» في السلطة وتقليص نفوذه السياسي، وإنهاء ارتباطه بإيران وفرض رقابة دولية على الحدود والموانئ والمطارات لضمان عدم تدفق الأسلحة إليه مجدداً.

في هذه الحال، ستقع الدولة اللبنانية بين المطرقة والسندان. فهي إذا أظهرت تعاطفاً مع «الحزب» أو عجزت عن اتخاذ خطوات جدّية، فإنّ العقوبات ستشملها أيضاً، فيجري تجميد المساعدات الحيوية أو تقليصها، سواء للجيش أو للمؤسسات المدنية، وتشديد العقوبات على المصارف والقطاعات الاقتصادية، ويتعرّض لبنان لمزيد من العزل الديبلوماسي والتهديد لمكانته السيادية، في اعتباره دولة عاجزة عن بسط سيادتها على أرضها.

ثمة ديبلوماسيون يتوقعون أن يؤدي هذا السيناريو إلى إحداث زلزال في لبنان، لكن آخرين يرون أنّ نجاحه ليس مضموناً. فبينما تراهن الولايات المتحدة وإسرائيل على أنّ الضغط الشديد سيدفع «الحزب» إلى التنازل، فالبعض يرى أنّ تاريخه ونهجه العقائدي يظهران مرونة في التكتيك يقابلها تصلّب في مواقع الدفاع الأساسية. ولذلك، وفي أي حال، لن تكون زيارة برّاك لبيروت عادية، بل هي لحظة محورية قد تترك بصماتها على المشهد اللبناني، وستكشف مدى إصرار الأميركيين والإسرائيليين على تغيير معادلة القوة في الشرق الأوسط.

طوني عيسى – الجمهورية

زر الذهاب إلى الأعلى