اخبار لبنان - Lebanon News

هكذا أوقفت مخابرات الجيش “قَسوَرة” والي “داعش” في لبنان

لم يكن توقيف مخابرات الجيش “والي داعش” وليد الصدفة بل جاء بعد متابعة ومراقبة لفترة غير قصيرة ولا سيما أن عودة التفجيرات الإرهابية وخصوصاً ما شهدته كنيسة مار الياس في دمشق يمثل جرس إنذار ليس لسوريا فقط بل للبنان أيضاً.

لكن كيف أوقعت مخابرات الجيش برأس التنظيم الإرهابي؟

لم تمنع كلّ المتغيّرات في لبنان ومحيطه من متابعة مديرية المخابرات في الجيش اللبناني للتنظيمات الإرهابية والخلايا الأمنية سواء الناشطة منها داخل الأراضي اللبنانية أو التي ترتبط بكوادر وقياديين خارج لبنان، وقد توافرت معلومات تشير إلى جهود مكثفة قام بها تنظيم “داعش” أخيراً لإعادة إحياء نشاطاته في لبنان حيث عمد التنظيم المذكور إلى تكليف أحد الأشخاص في لبنان العمل على بناء هيكلية حديثة في الأراضي اللبنانية بشكل أمني وإنشاء خلايا نائمة ودعمها مادياً ولوجستياً كما أسندت إليه ولاية لبنان بغرض البدء بتنفيذ استهدافات وعمليات أمنية وبعد توقيف والي لبنان المذكور اللبناني محمود سليم خضر الملقب بـ”أبو سعيد الشامي”، وهو قد قاتل سابقاً في سوريا، وأوقف في سجن رومية من عام 2018 لغاية العام 2021.

كيف أوقعت مخابرات الجيش برأس التنظيم الإرهابي؟
كيف أوقعت مخابرات الجيش برأس التنظيم الإرهابي؟

أوقف الشامي في 27 كانون الأول/ ديسمبر الفائت بعدما عيّنه “داعش” أميراً على ولاية لبنان واعترف بأنّه والي لبنان وأنّ الولاية مقسمة إلى سبع مجموعات.
انطلاقاً من اعترافاته تمكنت مديرية المخابرات إثر سلسلة من العمليات الأمنية من توقيف عدد من عناصر الولاية وقيادييها أبرزهم اللبناني يعقوب ش.

تابعت مديرية المخابرات الأبحاث والتقصيات لتوقيف باقي المتورطين لا بل أبرزهم وهو الملقب “قسورة” الذي تراكمت بحقّه المعلومات الأمنية منذ عام 2020 إلّا أن هويته كانت لا تزال مجهولة عن الأجهزة الأمنية اللبنانية. كانت تلك المعلومات قد أشارت إلى ارتباطه بـ”داعش” في سوريا والعراق وتواصله مع عدد من قيادييه وتخطيطه لإرسال أسلحة إليهم في عام 2021 وتحويله الأموال إليهم، وتبيّن سعيه في عام 2022 لتصنيع المتفجرات بما فيها نيترات الأمونيوم، وتخطيطه لقتل أشخاص في لبنان فضلاً عن تأليفه خليّة في عام 2023 تألفت من 15 عضواً داعشيّاً لحين تكليفه بمنصب مساعد الوالي في عام 2024 حيث نشط حينها أيضاً بتهريب عتاد لصالح التنظيم من جنوب لبنان إلى بيت جن السورية إضافةً إلى عمله في تأمين إيجارات عدد من أعضاء خليته ومشاركته في عام 2024 في التخطيط للبدء بتنفيذ عمليات خطف وقتل فضلاً عن نشاطات اقتصادية لصالح “داعش” وصولاً إلى تكليفه بولاية لبنان نهاية عام 2024 إثر توقيف الوالي خضر (أبو سعيد الشامي).

بعد تجميع تلك المعطيات، إضافة إلى سلسلة عمليات ميدانية ومتابعة تقنية وفي 23 أيار/ مايو عام 2023 تمكنت مديرية المخابرات من توقيف الملقب قسورة، بعدما تم تحديد كامل هويته، التي دُققت وتوضحت لهذه المديرية حيث تأكّد أنه اللبناني ربيع ف. مواليد 1997، في البقاع الغربي، يحمل شهادة ماجستير في الكيمياء، المنعزل عن محيطه، صاحب المهارات في الاتصالات والتطبيقات الإلكترونية ويعمل في إعطاء الدروس الخصوصية.

مشوار قسورة مع “داعش”

منذ عام 2017 بدأت علاقة قسورة مع ابن بلدته الإرهابي المدعوّ حسين ف. (الملقب الليث – قُتل في سوريا في عام 2024) كان حسين بالنسبة إليه شخصاً ملتزماً دينياً، وبدأ يقوم بمساعدة الموقوف في تعلم ركوب الخيل، ليتبادلا لاحقاً أرقام الهواتف ويبدآ بالتواصل بهدف السلام والاطمئنان وأصبحا يلتقيان أيضاً في مسبح أحد نوادي المنطقة في البقاع الغربي.

أصبح حسين يمثّل قدوةً للموقوف فتوالت اللقاءات بينهما سواء في منزل الموقوف أو في منزل حسين حيث يتبادلان الأحاديث الدينية والفقهية ما زاد من التزام الموقوف الديني ومن دون أن يطلعه حسين حينها على ارتباطه بتنظيم داعش الإرهابي.

عرض عليه حسين ف. السعي للقيام بأيّ نوع من أنواع التجارة من أجل تمويل التنظيم خصوصاً أن الوضع المادي الحالي تشوبه صعوبات كبيرة، فعرض عليه الموقوف استيراد بضائع من الخارج مثل الدراجات النارية وبيعها لتحقيق الأرباح فأبلغه حسين بأنه سيعاود التواصل معه لاتخاذ القرار وتكليفه ببعض الأمور الأخرى، وبعد حوالي عشرة أيام تواصل معه مجدداً عبر التلغرام وطلب منه شحن إلكترونيات وطائرات مسيّرة (Drones) من الصين وإرسالها إليه بواسطة أحد العناصر الذي سيرسله من قبله، وبالفعل أقدم الموقوف على شراء ما طلبه حسين عبر الإنترنت وبعد وصول الإلكترونيات التي كانت عبارة عن بعض القطع الصغيرة من لوحات إلكترونية، سلّمها لذلك العنصر المرسل من قبل حسين في إحدى البلدات البقاعية بهدف نقلها إلى الداخل السوري.

في تلك الفترة أيضاً تواصل حسين مع الموقوف مجدّداً وأبلغه عن وجود مجموعات تابعة لهيكلية لبنان سيتسلّم الموقوف إحداها وبأن هويته ستبقى مجهولة أمام عناصر المجموعة التي يقارب عديدها تسعة عناصر.

بعد موافقته على قيادة المجموعة، علم من حسين بأن أحد الأشخاص الإداريين في “داعش” (مجهول من قبل الموقوف) سيتواصل معه عبر تطبيق التلغرام حيث سيعمد المذكور إلى ربطه بهيكلية التنظيم في لبنان طالباً منه استخدام كلمة مرور وتعارف عند بدء المحادثة (بعدما زوّده بها). وبناءً على ذلك، تواصل معه ذلك الشخص المجهول وتبادلا الأحاديث حول المواضيع الاقتصادية في لبنان وعاد وأكد عليه مجدداً أن لقبه الجديد (أي لقب الموقوف) هو قسورة وأنه مسؤول عن مجموعة في لبنان فوافق على الأمر ليبلغه حينها المجهول بأن مجموعته يمتدّ قطاعها من منطقة بعلبك باتجاه الجنوب مروراً بالبقاع الغربي وحتى إنها تضمّ أجزاءً من بيروت فطلب الموقوف ربطه بأحد الشرعيين المرتبطين بالتنظيم وتواصل معه الموقوف على تطبيق واتساب من رقم أجنبي من الهاتف الذي كسره.

بعد وفاة صديقه حسين، تولى أبو سعيد الشامي والي لبنان التواصل مع الموقوف وأبلغه المذكور بوجوب تفعيل العمل الاقتصادي لتأمين الأموال لمصلحة التنظيم نظراً للصعوبات المالية التي يمر بها، ولدى استفسار الموقوف من أبو سعيد عن الطرق التي يمكن استخدامها في ذلك، عرض عليه القيام بأعمال الاحتطاب وأعمال الخطف مقابل فدية مالية.

خلال التحقيق اعترف قسورة بإرساله مبالغ مالية لعناصر داعشيين في لبنان (تم توقيفها)، وضُبطت لديه أسلحة وذخائر حربية فضلاً عن أجهزة إلكترونية.
ونتيجة استثمار مضبوطاته الإلكترونية تأكد انتماؤه إلى تنظيم “داعش” الإرهابي والعمل لمصلحته ومتابعته مواضيع متعلقة بصناعة المتفجرات واستخدام الطائرات المسيّرة تمهيداً لاستخدامها في أعمال أمنية لاحقاً.

عباس صباغ – النهار

زر الذهاب إلى الأعلى