اخبار لبنان - Lebanon News

الصراع الإيراني – الإسرائيلي يُعيد تشكيل الشرق الأوسط

في ظل مشهد جيوسياسي سريع التطور يتسم بتصاعد التوترات بين إسرائيل وإيران، تجد الولايات المتحدة نفسها أمام توازن هش بين الدعم القوي لحليفتها إسرائيل وضرورة الحفاظ على الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط. وتعكس تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأخيرة على متن طائرة الرئاسة موقفًا أميركيًا حازمًا ومعقدًا في آن واحد، يهدف إلى تحقيق نهاية حاسمة للصراع مع إدارة ردود الفعل السلبية المحتملة في الداخل الأميركي والخارج.

فإعلان ترامب التزامه بتحقيق “نهاية حقيقية” للصراع في الشرق الأوسط، وتأكيده أن “إيران لا يمكنها امتلاك سلاح نووي”، يُبرز اهتمامًا رئيسيًا للولايات المتحدة ليس بمجرّد وقف إطلاق النار، بل بالتشديد على هدف أكثر طموحًا: “أنا لا أبحث عن وقف إطلاق نار، نحن نبحث عمّا هو أفضل من وقف إطلاق النار”. يشير هذا التصريح إلى استعدادٍ لاتباع استراتيجيات دبلوماسية وعسكرية عدوانية لردع الطموحات الإيرانية، إلّا أنه يثير تساؤلاتٍ حول تداعيات هذا النهج.

ويُجسّد الوجود العسكري الأميركي المتزايد في المنطقة – مدمّرة بحرية ثالثة تدخل البحر الأبيض المتوسط ومجموعة حاملة طائرات ثانية تقترب من بحر العرب – هذه الاستراتيجية المزدوجة. فبينما أكد البيت الأبيض بحزم أن الولايات المتحدة لا تشارك في الضربات الإسرائيلية على إيران، فإن هذا التعزيز يخدم غرضًا مزدوجًا: فهو بمثابة رادع ضد السياسات الإيرانية، ويضع الولايات المتحدة في موقفٍ يسمح لها بدعم الإجراءات الإسرائيلية في حال تصاعد التوترات، بحسب الباحثين الأميركيين رويل مارك غيرشت وراي تاكيه، اللذين أشارا إلى أن “إيجاد حل لهذه الفوضى لن يكون سهلًا”.

في هذا الإطار، أشار آرون ديفيد ميلر، الزميل البارز في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي لـ “نداء الوطن” إلى أن الإسرائيليين يتمتعون بهيمنةٍ عسكرية تصعيدية على إيران، “وهم ينوون مواصلة أنشطتهم العسكرية ضد مواقع إيران التقليدية، خصوصاً الصواريخ الباليستية، وتحديد المواقع النووية لإلحاق أكبر قدرٍ ممكن من الضرر”. وهذا يعكس حقيقة أن إسرائيل تتمتع بالتفوّق التكتيكي، ما يشير إلى استراتيجيةٍ مستمرةٍ لتقليص القدرات العسكرية الإيرانية. واعتبر ميلر أن “الردّ الإيراني حتى الآن كان محدودًا للغاية ومخيبًا للآمال بصراحة. من غير الواضح ما إذا كان ذلك يعود إلى قدرتها المحدودة على إطلاق دفعات كبيرة من الصواريخ الباليستية، أو ما إذا كانت تُواجه صعوبة في العمل مع استمرار الإسرائيليين في العمل في مجالها الجوي”. يثير هذا الأداء الضعيف تساؤلات حول جاهزية إيران العملياتية واستراتيجية ردّها.

في غضون ذلك، أوضحت تصريحات وزير الدفاع بيت هيغسيث أن “حماية القوات الأميركية هي أولويتنا القصوى”، حيث تُوجّه الولايات المتحدة مواردها نحو الحفاظ على وضع دفاعي قوي. وبينما يُؤكد المسؤولون الأميركيون أن الإجراءات المتخذة في منطقة الشرق الأوسط دفاعية، يُغذي هذا الغموض نقاشًا أوسع حول التدخل العسكري الأميركي وتداعياته على العلاقات الدولية في واشنطن، ويُظهر رد الفعل على سياسات ترامب من كلا الجانبين السياسيين تعقيدات هذه القضية. إذ يشير تقديم السيناتور تيم كين لتشريع يلفت إلى قرار صلاحيات الحرب قلقًا متزايدًا بين المشرّعين إزاء احتمال تورّط الولايات المتحدة في صراع آخر في الشرق الأوسط، وهو سيناريو يخشى الكثيرون أن يؤدي إلى تورّط عسكري طويل الأمد.

مع تصعيد ترامب لهجته ضد إيران، مؤكدًا أنه يُفضّل “التخلّي التام” عن طموحاتها النووية، تشير تقييمات استخباراتية إلى أن إيران ليست على وشك امتلاك قدرات نووية. في هذا الإطار، قال ميلر إنه يستبعد “مسارعة إيران إلى الانتهاء من صنع قنبلة نووية، ومن غير المرجّح أن يتمكنوا من القيام بذلك سرًا، لأن تعقيدات تطوير سلاح قابل للاستخدام ستستغرق منهم عامًا على الأقل”.

يتماشى الموقف الأميركي الحالي أيضًا مع فرصة استراتيجية مهمة أتاحتها الضربات الإسرائيلية الأخيرة على المنشآت الإيرانية. وصرّح سيث كروبسي أحد المحلّلين العسكريين بأن الولايات المتحدة تواجه “خيارًا بالغ الأهمية: إما استغلال هجمات إسرائيل الجريئة على إيران وإمّا تفويت فرصة استراتيجية تحولية”، داعيًا إلى تعزيز موقف إسرائيل من خلال الدعم الدبلوماسي والعسكري، للوصول إلى تعطيل البرنامج النووي لطهران وإضعاف قوة إيران الإقليمية.

وفيما تبدو العمليات العسكرية الموجّهة ضد البنية التحتية النووية الإيرانية حتمية، ولا سيّما مع بقاء إسرائيل على أهبة الاستعداد لشن هجوم جديد إذا لزم الأمر، يتأطر موقف الولايات المتحدة في الصراع الإيراني – الإسرائيلي المتصاعد بدعم ثابت لإسرائيل، مدعوم باستراتيجيات عسكرية ودبلوماسية مدروسة. وتُشير إجراءات إدارة ترامب – المدعومة بحضور عسكري قوي واستعداد للانخراط في دبلوماسية عدائية – إلى التزامها بمكافحة النفوذ الإيراني. فهل تسفر هذه المتناقضات عن مزايا كبيرة طويلة الأجل تشكل مستقبلاً يتم فيه الحد من الطموحات الإيرانية بشكل فعّال وتعزيز الاستقرار الإقليمي. إنه زمن يعاد فيه تشكيل المشهد الاستراتيجي للشرق الأوسط بأكمله.

أمل شموني – نداء الوطن

زر الذهاب إلى الأعلى