سوريا الآن

ديكتاتور بلباس داخلي.. حين يسقط الطغاة تفضحهم “صورهم”

ديكتاتور بلباس داخلي.. حين يسقط الطغاة تفضحهم "صورهم"

ألبوم عائلي حصل عليه ناشط سوري من “غرفة نوم” بشار الأسد في القصر الجمهوري الذي بني غرب مدينة دمشق في عام 1990، بات ملء السمع والبصر مؤخراً، وأثار سيلاً من التعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي.

قال الناشط من تجمع “أحرار حوران” الإعلامي المعارض للنظام، قبل ساعات من اكتساح الصور التي عثر عليها منصات التواصل، إن بيته تعرض للاقتحام من قبل قوات النظام السوري عام 2011، وها هو الآن يدخل بيت الرئيس الهارب في 2024.

وعبر مقطعي فيديو شارك الرجل الذي لا نعرف اسمه، بعضاً من الصور، وهو يقلب الألبوم داخل سياراته قائلاً “شلون كان حاكمنا هاض؟”، قبل أن يغادر “قصر الشعب” ويُطلق العنان لكل صورة على حدة، فتنتشر جميعها في الفضاء الافتراضي مع تعليقات ومقاطع فيديو وميمز ساخرة.

لم يطلع بشار الأسد أحدا تقريبا على خططه للفرار من سوريا عندما كان حكمه يتداعى، بل تم خداع مساعديه ومسؤولي حكومته وحتى أقاربه أو لم يتم إعلامهم بالأمر على الإطلاق، وذلك بحسب ما قاله أكثر من 10 أشخاص على دراية بالأحداث لرويترز.

طاغية بسروال داخلي
أثارت الصور موجة من السخرية والتهكم، وحتى الدهشة من ملامح حياة العائلة الحاكمة بدءاً بالتفاصيل الصغيرة للبيت الأول الذي عاشوا فيه قبل القصر الجمهوري، حتى تجوال بشار على دراجة في محيط القصر مرتدياً سروالاً داخلياً فقط (الكلسون باللهجة الدارجة بين الكثيرين في بلاد الشام، واستخدمت الكلمة في مواقع التواصل).

إلا أن الصور الأكثر جلبا لتعليقات، وسخرية، الآلاف من مستخدمي مواقع التواصل من داخل سوريا وخارجها، كانت صور بشار ووالده حافظ الأسد شبه عاريين، وفي أغلب صور الأول يرتدي سروالا داخلياً فقط وهو يقود دراجة في ساحة البيت، أو على يخت مع أصدقاء، أو خلال وقوفه في المطبخ، بينما ظهر الأب حافظ على ما يبدو مستعرضاً عضلاته.

وإضافة لتلك الصور، بدت ملامح حياة أسرة عادية، حيث حافظ بفانيلا وزوجته أنيسة مخلوف بثوب بيتي يجلسان على أريكة لشرب القهوة، وصورة لحافظ بـ”بيجاما” يدخن سيجارة، بينما تحتفي العائلة بعديد الصور ليوم ولادة ابن بشار البكر، حافظ، في المستشفى والبيت والشهور الأولى من عُمره، عدا عن صورة لبشار وأسماء في ويوم زفافهما.

كذلك كانت هناك صور لحفلات تنكرية -على ما يبدو- تطغى عليها أزياء متنوعة، ورجال بثياب نسائية.

تبدو حياة عادية وطبيعية مثلها مثل حياة أغلب الناس، سوى أنها لعائلة فرضت نفسها قسراً على السوريين لأكثر من خمسة عقود، وكانت بالمرصاد قتلا وتعذيبا واعتقالا وتشريدا، لكل من يعارضها.

ومن التعليقات التي تكررت بشأن هذه الصور، أنه لو تمت مفاوضة الأسد عليها قبل 14 عاماً، لكان “تنحّى” منذ البداية، في إشارة لكونها “محرجة وفاضحة” بالنسبة لجمهور السوشال ميديا الفرِح بسقوط النظام السوري.

وحدثت مقارنات عدة بين هيئة بشار في الصور وشخصيات أخرى بعضها كرتونية، أما أبرز المقارنات فكانت الرابط العجيب بين لقطة من مسلسل “بريكينغ باد” لصانع مخدّر الميثافيتامين والتر وايت بسرواله الداخلي الأبيض، وبشار بسروال مشابه، وهو الراعي وفق تقارير دولية عديدة لصناعة مخدر الكبتاغون في بلده، الذي يتم تصديره للخارج، ضمن شبكة من المليشيات برز فيها حزب الله اللبناني.

عزت وزارة الخزانة الأميركية، فرض عقوبات على مرتبطين بالنظام السوري شملت كيانين و6 أشخاص بينهم لبنانيان، إلى علاقة الكيانات والأشخاص هؤلاء بتجارة مخدرات تدر عوائد هائلة على النظام السوري.
ما بعد سقوط الطغاة
بالعودة إلى تاريخ الثورات، نجد دائماً شعوباً فقيرة لا يمكنها الحصول على أبسط احتياجاتها اليومية، فضلا عن حياتها في ظل القمع والاعتقال التعسفي والقتل بلا محاكمات أو على خلفية الرأي السياسي والمعارضة، وكلما طال عمر الحكومات المستبدة والطغاة، زاد معها الاحتقان الشعبي والكراهية لتلك الطبقة الحاكمة، حتى لو قوبلت بالصمت والخضوع.

وبمجرد سقوط الديكتاتور، يصبح كل ما ترك خلفه فرصة للعبث والنهب وكذلك لكل فضوليّ باحث عن الحديقة الخلفية للزعيم، من أبسط أدواته حتى ملابسه ومقتنياته واهتماماته، والصور المتروكة في جرارات وخزائن، إلى غرفة نومه والمطبخ، وربما أحدث مثال عن سخرية السوريين الذين دخلوا مخزن المونة في قصر الأسد، ليجدوا كمية كبيرة من الملوخية، فتقول امرأة “شكلو (يبدو) كان يحب الملوخية”.

وحين سقط صدام حسين سنة 2003، تعرف العالم على مقتنياته وقصوره الفخمة ويخته العائم، كما هرع الكثير من العراقيين لسرقة مقتنياته، حتى السجاجيد والأثاث، ونفس المشهد تكرر في بهو القصر الجمهوري.

وقبل مقتل القائد الليبي السابق معمر القذافي على يد الثوار الذين عثروا عليه هارباً بعد ضربة لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، اقتحم آخرون مقرّه بمدينة طرابلس (مجمع سكني خاص به) في أغسطس 2011، ونهبوه.

وبين مقتنياته من بنادق وسيارات وأعمال فنية وتماثيل، كان هناك ألبوم صور، ليس له، بل لوزيرة الخارجية الأميركية السابقة كوندوليزا رايس.

وكان الأمر غريباً إلا أنه يدلل على حديث سابق للقذافي وهو يبدي إعجابه برايس، حين قال “امرأتي الأفريقية السوداء الحبيبة”، وأيضاً “أنا أحبها كثيرا”.

وفي تقرير سابق لإذاعة “إن بي آر” الأميركية، ورد أن رايس والقذافي ليسا غريبين، فقد تقاسم الاثنان عشاءً في وقت متأخر من الليل معا قبل ثلاث سنوات من مقتله، حيث أفطر القذافي رمضان.

وكانت رايس في 2008 أول مسؤولة أميركية رفيعة المستوى تزور ليبيا منذ زيارة نائب الرئيس ريتشارد نيكسون عام 1957.

وحين سقط نيكولاي تشاوشيسكو، الزعيم الشيوعي الذي حكم رومانيا بقبضة من حديد من عام 1965 حتى سقوطه في ديسمبر 1989، عثر على العديد من الممتلكات الشخصية في قصوره الفاخرة، بما في ذلك ألبومات صور شخصية ورسمية توثق حياته ورحلاته واجتماعاته مع زعماء العالم، بالإضافة إلى صور مُنسقة بعناية تهدف إلى إظهار قوته وإنجازاته.

آنذاك، أظهرت بعض الألبومات التناقض الصارخ بين نمط حياة الديكتاتور الفاخرة، والواقع القاسي الذي واجهه الشعب الروماني، إذ رصدت الصور ولائم فاخرة وحفلات استقبال كبرى وعطلات في الخارج، في وقت كان المواطنون العاديون يعانون الفقر ونقص الغذاء والرقابة الحكومية الصارمة.

ومن أكثر الاكتشافات اللافتة للنظر كانت مجموعة الصور التي أبرزت هوس تشاوشيسكو بتنسيق الصور بطريقة تظهره مع زوجته إيلينا كقادة محبوبين، وتضمن أغلبها توثيق فعاليات عامة منظمة، وعروضا عسكرية، ومشاهد لحشود تهتف لهم.

وفي 25 ديسمبر، بعد محاكمة عسكرية سريعة، أدين الزوجان بالفساد وجرائم ضد الإنسانية وحُكم عليهما بالإعدام، الذي نُفذ في نفس اليوم، وصار قصره لاحقاً مزاراً سياحياً.

وفي عام 1986، حين سقط فرديناند وزوجته إيميلدا ماركوس بعد ثورة شعبية في الفلبين، أنهت 21 عاماً من الحكم الاستبدادي، تم اكتشاف مجموعة أحذية لإيميلدا ضمت أكثر من 3 آلاف زوج من الأحذية الموقعة من علامات تجارية باهظة الثمن.

إلى جانبها، كانت الفساتين لمصممي أزياء عالميين وحقائب ومجوهرات فاخرة، وكانت غرف مقر الرئاسة مليئة بمعاطف الفرو و الماس، وحتى الأثواب المصممة خصيصا لإيميلدا من أشهر المصممين في العالم.

مثّل ذلك بالنسبة للثائرين تناقضا تاما بين حياتهم بالفقر المدقع، وما يعيشه رئيسهم، الذي ظهر مع زوجته في ألبومات صور توثق ذكرياتهم في العشاءات الرسمية الفاخرة، والحفلات والعطلات.

كما تم العثور على أعمال فنية لا تقدر بثمن في بيته، مثل لوحات لبيكاسو و مونيه و فان جوخ، تم شراؤها في كثير من الأحيان بأموال مسروقة من الدولة، إضافة لسبائك ذهبية، وسجلات مالية مرتبطة بحسابات مصرفية خارجية، مما كشف عن ثروة الأسرة التي بلغت قيمتها مليارات من الدولارات، التي تم نهبها من خزائن الدولة.

زر الذهاب إلى الأعلى