صوت ضمير مفقود في عكار

كتبت الشاعرة جوزفين موسى:
هناك، حيث تستفيق على جرس قطيعٍ، بات يعرف دربه، وعلى صياح ديكٍ فخورٍ بأنّه يبشّر بشروق الشمس، تصدح المآذن وتعلو التراتيل، ليبدأ نهارٌ لا يختلف عن سابقاته إلا بأنّه سيكون آخر نهارٍ هانىءٍ، فرحٍ بالرغم من ضيق العيش…
هناك، التليل. قريةٌ تقبع مع جاراتها في قلب عكار. عكار السمحاء. عكار الطيبة. عكار البطولة وعكار الحرمان.
في عكار، تُستَقبل بالابتسامات والضيافات والكرم. وفي عكار ينابيع المروءة والنخوة، ترشف منها، فتحتار بطعمها المميّز…
هناك، في التليل، لم ينته الليل على وسادةٍ تعبت من الشكاوى، وضاقت بها الاحلام،وقناديل الزيت المعلّقة على الحيطان السوداء، شحّ زيتها فانطفأ السراج… ليل التليل دوى صداه في عكار، ووصل منها الى الوطن وخارجه…
سكن الأنين المئذنة، واحترقت الأشلاء في مبخرة المذبح، فأطلّت شمس التليل متّشحةً بالسواد، باكيةً على شبابٍ حرقتهم ألاعيب الساسة، وأذابت عظامهم أكاذيب من جنّدوا ذواتهم لهم، فاستعبدوهم، ومشوا في جنازتهم نافضي الأيدي من محرقة جماعية، كما نفضوا أيديهم وباعوا ضميرهم قبل اسبوعين من حريق غاباتٍ التهم خضار القبيات وأكروم، ففضحت النيران زعاماتهم الفارغة وعرّتهم من مسؤولياتهم، فباتوا مسؤولين دون مسؤولية…
هناك، في التليل، ترقد الأهازيج والصيحات، ويغفو عنفوان الشباب المحروم في برك البنزين، علّ الضمائر التي لفّت التليل والقرى المجاورة بالشرائط السود، تستفيق من كبوتها، أو، يستفيق العكّاريون من تبعيّاتهم… فيهنأون…