مناطق لبنان “حمّام موت”: نداءٌ إلى المنظمات الدوليّة

كتب ريكاردو الشدياق في موقع mtv:
لم نكن ننتظر إنفجار عكار كي نكتب أنّ الحياة البشريّة قُضِيَ عليها في لبنان حتّى إشعارٍ آخر. لم يعد هذا البلد قابلاً للسكن، أقلّه حتّى الإنتقال إلى نظام جديد وسلطة جديدة ووجوه جديدة تقلب الطاولة على التركيبة المنتحرة جماعياً بالتكافل.
لكنّ المسار السياسي والأمني للتغييرات شيء، وقدرة صمود اللبنانيين حتّى حلول موعده دولياً شيء آخر. بعد المأساة غير المألوفة التي أحدثها انفجار مرفأ بيروت في العاصمة ومحيطها، تمّ تدويل الواقع الإغاثي والإستشفائيّ والإنسانيّ، حيث أرسلت دول غربيّة وعربيّة عدّة فرق عمل متخصّصة للوقوف إلى جانب المتضرّرين وانتشال بيروت من تحت ركام.
ويُمكن القول إنّ هذه التجربة، التي فرضت نفسها أمام كارثيّة الحدث، نجحت في أداء مُهمّاتها التي امتدّ بعضٌ منها على أكثر من شهرين بعد وقوع هذه الجريمة. عددٌ من هذه الفِرَق بقيَ على أرض لبنان ونفّذ مهاماً في مناطق لبنانيّة عدّة بتوجيه من دولته، كلٌّ بالتنسيق مع سفارته، والبعض الآخر عاد أدراجه بعد انتهاء المُهمّة الطارئة.
أمّا اليوم، مع انفجار التليل، ومع تحوّل مستودعات وصهاريج المحروقات في مختلف المناطق إلى ألغام هيروشيميّة، دخل لبنان حالة طوارئ هي القصوى، مع الغرق في زمن العتمة الشاملة ورفع الدعم الذي لا مفرّ من إقراره بعد الآن. ودخل اللبنانيون، الذين تخطّت نسبة فقرهم الـ60% وانفجرت حالتهم النفسيّة، حمّام الموت اليوميّ، ما يضع الأمن القوميّ للمناطق، بمنازلها ومحلاّتها وإداراتها، في مهبّ التعدّيات والسرقات والأمن القومي المشتعل نهاراً وليلاً.
لن تُحَلّ القضايا السياديّة وخلفيّات التهريب التي تعني داخل لبنان وحدوده في الوقت الراهن. قد يأخذ الأمر سنة أو سنتين أو أكثر ربّما كي يُحدَّد مصير هذه المساحة الجغرافية من الشرق الأدنى. لذلك، فإنّ الوضع الإستثنائيّ يتطلّب من التجمّعات الدوليّة الرسميّة، وفي مقدّمتها الإتّحاد الأوروبيّ وجامعة الدول العربيّة، كما الأمم المتحدّة، الفصل بين الشقّ السياسيّ والإقتصادي الذي يخنق لبنان من جهة، والشقّ الإجتماعي والإنسانيّ الذي جعل المواطن مشروع شهيد يومياً، وإعطاء الضوء الأخضر للمنظمات الإنسانيّة الدوليّة بالتحرّك باتّجاه القطاعات اللبنانية أمام وصول السلطات إلى الشلل الإداري شبه الكامل، وذلك تبعاً للإقتراح الذي تقدّمت به لجنة الدفاع الفرنسيّة للرئيس إيمانويل ماكرون تحت عنوان الـTask Force.
ولعلّ مصيبة شحّ الأدوية التي خرجت عن السيطرة بشكل كلّي، أولى الكوارث القابلة للعلاج مرحلياً بمُهمّة دوليّة خاصّة، فالجمعيّات الكبرى والمنظّمات غير الحكوميّة الأبرز في لبنان باتت في حالة من العجز أمام فائض الحاجة، ساعةً بعد أخرى، إلى أنواع الدواء كافّةً.
الحاجات الدوائيّة والإستشفائيّة Out of control. لا أدوية للحروق لمعالجة ضحايا الحرائق المتنقّلة والإنفجارات المتكرّرة. لا أدوية لأمراض القلب والسكري والجلطات، لا أدوية للضغط والأمراض المزمنة، لا حبوب علاجيّة لأمراض السرطان ولا علاجات وقائيّة، الأمر الذي يُعجّل في وفاة الحالات السرطانية الصعبة، وحتّى أنّ الأدوية البديلة الأقلّ فاعليّة وأدوية المناعة لم تعد متوفّرة وفقاً لرئيس قسم أمراض السرطان والدم في الجامعة الأميركية. من دون أن ننسى أنّ الشركات العلميّة أعلنت نفاد مخزون الأدوية الكيميائيّة.
منذ شهر، انطلقت إعلامياً، وعلى الأرض، حملة تحت عنوان “الدوا للكل”، كما انطلقت مبادرات أخرى تصدّياً لانفلاش الحاجات الإنسانيّة، إلاّ أنّ الأزمة لم تقتصر عند التواصل مع الوكلاء ومع جهات من الخارج لتأمين أدوية موثّقة من دول محيطة، بل تعدّتها لتُلامس التكاليف العالية والمستدامة المترتّبة متى تأمّنت الكمية المطلوبة من الدواء.
هذه السطور نداءٌ إلى المنظمات الإنسانيّة الدوليّة، لأنّ اللبنانيين مخطوفين في “حمّام موت” لا يبدأ بحبّة دواء ولا ينتهي بصهريج محروقات… ولن ينتهي في القريب المنظور.