
كتب سعيد مالك في الجمهورية
في العاشر من شهر شباط الجاري، أقرّ مجلس الوزراء مشروع قانون الموازنة، وأحاله إلى المجلس النيابي، كذلك أقرّ سلّة من التعيينات العسكرية في المجلس العسكري، سندًا لما جاء في مقرّرات الحكومة.
إمتعض وزراء الثُنائي الشيعي، مُعتبرين أنّ الموازنة لم تُقّر، كذلك التعيينات العسكرية، مُلوّحين أنّ معالي وزير المال لن يوّقع مرسوم الإحالة إلى مجلس النواب من جهة، كما لن يوّقع مرسوم التعيينات من جهة أُخرى.
مما طرح السؤال:
هل يحّق لوزير المال مُصادرة قرار الحكومة، وحجزه في أدراجه، بقرار مُنفرد أحادي؟
نصّت الفقرة الثانية من أحكام المادة /56/ من الدستور، أنّ من صلاحية رئيس الجمهورية الطلب إلى مجلس الوزراء إعادة النظر في أي قرار مُتّخذ من قِبل الحكومة، خلال مهلة خمسة عشر يومًا من تاريخ إيداعه أيّاه. فإذا أصرّت الحكومة على القرار المُتّخذ، وَجَبَ على رئيس الجمهورية إصدار المرسوم وطلب نشره.
مما يُفيد، إنّ صلاحية رئيس الجمهورية محصورة فقط بطلب إعادة النظر في القرار الصادر عن الحكومة ضمن مهلة محدّدة، وإلاّ إعتُبر القرار نافذًا حُكمًا وواجب النشر.
لكن السؤال المطروح:
ماذا لو تمنّع وزير المال عن توقيع مرسومّي الإحالة والتعيينات؟
فمن الثابت، أنّ قرارات مجلس الوزراء هي قرارات نافذة، وليست قرارات تحضيرية، والإستثناء هو الحق المُعطى لرئيس الجمهورية في ردّ القرار خلال خمسة عشر يومًا. أما القول إنّ الدستور لم يقيّد الوزير، فهو مردود أصلاً، ففي حال إمتناع الوزير عن التوقيع، يُعتبر القرار والمرسوم نافذًا في حدّ ذاته.
– الدكتور محمد عثمان في مؤلفه «إغتيال الدستور 2006» ص/66/ و/67/ منه.
كما تضمّن المؤلّف:
«إن إمتناع الوزير عن توقيع قرارات مجلس الوزراء يُشكّل مُخالفة صريحة لمبدأ التضامن الوزاري، وهو مبدأ معروف في النظام البرلماني». وتابع: «لا يُمكن لوزير أن يُصادر قرار مجلس الوزراء بامتناعه عن التوقيع. ففي هذه الحالة، يُمكن لمجلس الوزراء إذا ما أصرّ الوزير على موقفه، أن يدعوه إلى تقديم إستقالته، وإذا رفض يلجأ مجلس الوزراء إلى إقالته بغالبية الثلثين وفقًا لنّص المادة /65/ من الدستور».
مما يعني، أنّ جانب معالي وزير المال ليس في إستطاعته تجميد قرار صادر عن الحكومة، بحجّة عدم وجود مهلة مُلزمة له للتوقيع. فمن واجب الوزير تسيير أعمال الحكومة وليس عرقلتها، وإلاّ يُصبح في إمكان مجلس النواب إتّهام الوزير بالإخلال بالواجبات المترتّبة عليه، سندًا لأحكام المادة /70/ من الدستور اللبناني.
فصحيح أنّ رئيس الجمهورية مُقيّد بمهلة محدّدة لتوقيع المراسيم، لكن ذلك لا يُعّد إنتقاصًا من دوره، لِكَون رئيس الجمهورية غير مسؤول، فلا تبعة عليه حال قيامه بوظيفته، إلاّ عند خرقه الدستور أو في حال الخيانة العُظمى. في حين أنّ الحكومة ورئيسها ووزراءها مسؤولون عن أعمالهم أمام مجلس النواب، وفي الإستطاعة محاسبتهم ومحاسبة مَنْ يتقاعس منهم، وإتّهامهم بالإخلال بالواجبات المترتّبة عليهم.
– الدكتور عصام سليمان «دور رئيس الجمهورية بعد الطائف» المركز اللبناني للدراسات/2001/ ص/73/.
وبالتالي، تلويح جانب معالي وزير المال بقدرته على تعطيل قرارات الحكومة، لا يستقيم. لأنّ في ذلك خرقًا لمبدأ التضامن الوزاري، يستدعي منه الإستقالة، أو الإقالة، أو المُساءلة النيابية، نتيجة إخلاله بالواجبات المترتّبة عليه.
مع الإشارة أخيرًا، إلى أنّ هذا البحث لن يحّل المشكلة، خصوصًا مع تعذُّر المُساءلة. فلن يستقيل إلاّ إذا طلبت مرجعيّته منه ذلك، ولن يُقال ولن يتجرّأ أحد على إقالته، ولن يُحاسَب لا أمام مجلس النواب، أو أمام أي مجلس أعلى.
لذلك، لا بُدّ من تعديل هذا النص الدستوري، وذلك لجهة وجوب تحديد مهلة لرئيس الحكومة والوزير المختّص، مثل المهلة المُعطاة لرئيس الجمهورية، تحت طائلة إعتبار مُقرّرات مجلس الوزراء نافذة دستوريًا. وبذلك يتحقّق التوازن في الصلاحيات بلا أدنى شكّ.
– الثغرات الدستورية في دور وصلاحيات رئيس الجمهورية – للدكتور ميشال عيد قليموس (صادر 2012) ص/182/ حتى/196/ (الفصل الحادي عشر).
وفي الختام، بغضّ النظر عمّا إذا كان مشروع الموازنة قد أُقرّ ضمن الأصول، وبأكثرية الثلثين أم لا.
وبغضّ النظر عمّا إذا كانت التعيينات العسكرية قد أُقرّت من خارج جدول الأعمال، أم من داخله.
فالمجلس العسكري في حاجة إلى تفعيل، لتمكينه من لعب دوره سندًا للمادة /27/ من قانون الدفاع الوطني. والأسماء المُعيّنة (خصوصًا العميد بيار صعب) تتمتّع بكفاية عالية، ومَناقبيّة لافتة، ونظافة كفّ، وتاريخ ناصع في المؤسسة العسكرية.
وفي الخُلاصة، لا يحّق لأي وزير، الى أي فريق إنتمى، مُصادرة قرار الحكومة، وتعطيل الموازنة والتعيينات.
فلنحتكم إلى الدستور ولا شيء سواه.