قراءتان في “الثورة”… ونصائح كي تنجح

كتب رامي نصار في موقع mtv:
سنة بالتمام والكمال، مرّت على ضمّ مصطلح جديد الى قائمة المفاهيم الفضفاضة التي تُمدَح، تُذَم، تُرجَم، وتُحاكم، كأني بها كياناتٍ تتمتع بالشخصية المعنوية والذمة المالية والقانونية. ضمن مجموعة “المصطلحات الأشباح” التي تشبِع الخطاب السياسي اللبناني، الى جانب “الطبقة السياسية” و”الفساد” و”النظام” وغيرها، اصطفّت “ثورة ١٧ تشرين”. فما هي الرواسب الفكرية التي خلّفها هذ الحدث؟ وكيف يمكن تحويلها الى مشروع بناء لبنان-الدولة؟
يصف الوزير السابق رشيد درباس حدث ١٧ تشرين الأول ٢٠١٩ بـ “التعبير على السطح عما هو موجود في العمق، لسان نارٍ بزغ من بركان نائم”، ما يدعو الى التفاؤل بأنه ليس بموجة عابرة. يكفي، على حدّ تعبيره، أنها ذوبت فوارق المذاهب والطوائف الكاذبة. واذا كان “الافراط في الحديث عن الفوارق ما هو الا محاولة لطمس الجوامع”، وفق درباس، فتتجلى أهمية الثورة بتغليب الجوامع على الفوارق.
أما بالنسبة الى الوزير السابق سجعان قزي، فلم تستطع “الثورة” أن تهدم الحائط السياسي في لبنان، لكنها استطاعت أن تخرقه. في وقت يكمن انجازها الأساسي في خرق الشخصية التاريخية للشعب اللبناني، وهذا أهم من خرق الطبقة السياسية. “فالشعب اللبناني،” على حد تعبير قزي، “شعب مقاتل، مقاوم، صامد، مشاغب، لكنه ليس بشعبٍ ثائر؛ ذلك أنه لم يقم عبر تاريخه بأي ثورة بالمفهوم الفلسفي والاجتماعي للكلمة، كالثورة العربية الكبرى أو الثورة الفرنسية أو الثورة الروسية، الى أن ذاق طعمها للمرة الأولى عند انتفاضته منذ سنة”، يردف قزي مشيراً الى الانتكاسة التي أصيبت بها الثورة: “عادةً، يبدأ هكذا مسار بتظاهرة، فتحرك، فانتفاضة، وصولاً الى اندلاع ثورة، أما في لبنان فانفجرت الثورة وراحت تتلاشى شيئاً فشيئاً”.
ويعزو هذا التراجع الى أسباب عدّة، أبرزها أن القيمين على الثورة لم يقيموا وزناً كبيراً للخصم المتمثل بالطبقة السياسية، اضافة الى انقسامهم عند الانتقال من المطالب الاجتماعية الى المطالب السياسية والوطنية، عطفاً على بعض التدخلات الخارجية التي زعزعت استقلالية الثورة مع تبعية بعض المجموعات والجمعيات لسفارات معينة ما يشبه ارتهان الطبقة السياسية للخارج. كل ذلك أحدث صدمة لدى الرأي العام، في ظل غياب قيادة موحدة وبرنامج اصلاحي موحد”.
يكشف الوزير السابق سجعان قزي أن لقاءات بعض وجوه الثورة مع الرئيس ايمانويل ماكرون وغيره من الجهات الخارجية خيبت آمال هؤلاء، نظراً للاكتفاء بالانتقادات للطبقة السياسية من دون تقديم طروحات بديلة. مع ذلك يصرّ على اعتبار السنة التي مرّت على الثورة بمثابة تجربة لها، لعل تجديدها يشكل الإحياء الأجمل لذكراها السنوية.
بناءً عليه، يدعو الوزير رشيد درباس مجموعات الثورة الى دراسة موضوعية، علمية وعملية للأخطاء التي تخللتها، والتحلي بالشجاعة النقدية لإعادة النظر ببعض الثغرات مثل غياب عامود فقري تنظيمي متين يستوجب خلايا عمل ثابتة ومستدامة.
كما يحثها على تبني خطاب جوهره اعادة الاعتبار لفكرة لبنان-الدولة بجغرافيته وتنوعه الطائفي، الذي يشكل حاجة فردية لكل مواطن.
على ذلك، وانطلاقاً من الإدراك التام لطبيعة الأزمة اللبنانية التي تطاول الشؤون الوطنية ككل، يقع على عاتق الثورة أن تبلور رؤيتها لماهية الهوية اللبنانية وفق مشروع واضح يعبّد الطريق الى دولة المواطنة، مع الإشارة الى أن العداء للطبقة السياسية وحده ليس كافياً. من شأن ما تقدّم أن يحصّن الثورة، لئلا تبقى في أعين المتربصين شمّاعةً فتُلام، هزيلةً فتُخرق، وسيلة فتُمتطى، عميلةً فتُتّهم.