تنورين .. جنة من نوع آخر !

وطنية- يقال إن الجغرافيا تاريخ ساكن، والتاريخ جغرافيا متحركة. أما تنورين فهي الجغرافيا والتاريخ معا، والتراث والسياحة والفن وكل ما يمت الى الروعة. إنها لوحة طبيعية تختصر قاموس الجمال. تكتحل عيناك بجمالها، وتأخذك الرهبة بين معالمها. تحتضن البلدة غابة أرز معمرة محمية عبر التاريخ، تحاكي أشلاح أغصانها الآلهة والأساطير.
هي بلدة في جرود البترون، اثرية، تراثية، سياحية، بيئية وزراعية. تختزن ثروة طبيعية تفننت فيها يد الخالق، فوهبت إنسانها غابة أرز ازلية من عمر أرز لبنان، وافترشت له الارض ثلوجا بقامات عذارى، وببساط أخضر. انسانها طموح، مغامر، منفتح، مثقف، ومحاور وان غادرها واغترب طلبا للعمل والعلم، إلا أنه يعود اليها رافضا ان يستبدلها بجنات من الدنيا.
تتكون تنورين من مجموعة قرى، هي تنورين الفوقا، العاصمة فضلا عن تنورين التحتا، وطى حوب، شاتين، حريصا، غابة أرز تنورين، رأس بنيا، فحتا، خرحل، المركز، قلاع البرج، عين الراحة، بلعا، اللقلوق، وادي الجرد، وطى حوب، وادي تنورين، حوارتا، عين الباطية، نبع الجديد، الفوار، الصليب وغيرها. وتشكل البلدة العاصمة المفترق لمحافظات الشمال وجبل لبنان والبقاع، وهي معاصرة لبعلبك وجبيل وصيدا وصور، وتستعد لانطلاقة سياحية رائدة بحكم موقعها وما تتميز به من مواصفات وما تحتضنه من مجمعات سياحية وبخاصة في اللقلوق وبلعا ووادي الجرد وفحتا ورأس بنيا وعين الراحة.
لوحات من الطبيعة
تأخذ الرهبة زائر البلدة من مشهد الجبال العاصية الجرداء تناطح السماء بنصاعة ثلوجها، فيراها عن بعد كأنها معلقة بين الارض والسماء. لقد ارتاد تنورين عظماء التاريخ فبنوا القلاع والابراج وتوطنوا فيها، كما تغنى بها الشعراء وذكرها الانبياء فأنزلت على أبنائها الوحي والالهام.
وتعرف البلدة الجردية بتنوع طيورها وفراشاتها ونباتاتها وبحدائق التفاح مصدر رزق ابنائها، وببرك طبيعية لريها.
تقع تنورين في محافظة لبنان الشمالي وترتفع عن سطح البحر بين 850 مترا و2850 مترا. تبعد عن بيروت 85 كيلومترا وتصلها من البترون مركز القضاء عبر اجدبرا، كرم ساح – بجدرفل او عبرين، فالطريق السريع (الاوتوستراد الذي بوشر به فيصل الى الوطى ـ عين عيا) ويستكمل في مطلع هذا الصيف في خراج بلدتي كفرحي وبقسميا وجبلا – مفرق الكسارات، حيث انجزت المرحلة الاولى من جبلا – مفرق الكسارات عبر عورا، داعل، كفرحلدا – بساتين العصي بيت شلالا تنورين مفرق دوما.
ويحيط بالبلدة من الشمال بشري واهدن حيث وادي قاديشا. ومن الجنوب جبيل وافقا والعاقورة حيت وادي نهر ابراهيم، ونهر ادونيس وعشتروت. ومن الغرب بلدات وقرى البترون.
الاسم ومعناه
الاسم جمع لكلمة تنور، وهو ذو معان متقاربة في اللغات السريانية والآرامية والاشورية. في الاشورية تنورو، وفي السريانية تنورا، ومنهم من أنث الاسم فجعله تنورة، وجميعها تعني التنور، ومكان النار والنور.
تستوقفك تنورين في لوحاتها الطبيعية والبيئية كانك أمام جنات. فقد حباها الله غابة أرز هي امتداد لارز كفور العربه، ونيحا، وحدث الجبة، وقنات، وتعرف بأرز البلاد. يزيد عدد اشجارها على 650 ألف أرزة فيما غابة أرز تنورين يزيد عدد اشجارها على 350 الف ارزة. واللافت ان بعض جذوع اشجارها يبلغ قطره 14 مترا ويبلغ ارتفاعه حوالى 30 مترا، وتعد اشجار الغابة من احمل الانواع الموجودة على سطح الارض وتحمل اسم cedrus libani.
وفي شباط 1999 صدر قانون من مجلس النواب باستحداث محمية في الغابة على مساحة 150 هكتارا، فيما مساحة الغابة 600 هكتار. وان حوالى 300 هكتار من مساحتها مفتوحة للزوار. يراوح ارتفاعها عن سطح البحر بين 1400 و1850 مترا. وتتوسط المحمية المناطق الجبلية التي تبدأ باللقلوق حيث مركز التزلج شتاء ومواقع سياحية صيفا.
تشرف على المحمية التي ملكيتها مشاع عائد الى بلدية تنورين، وقد بدأت عملها عام 2000، وتعمل بالتعاون مع البلدية في الحماية والعناية والمعالجة، ويشمل عملها الغابة الكبرى.
في المحمية 20 نوعا من الاشجار، كما تزدان بمئات أنواع النباتات. أما الطيور فتضم 80 نوعا والفراشات 82 نوعا والفطر ما يقارب 50 نوعا، والحيوانات 16 نوعا بعضها مهدد بالانقراض كالضبع والهر البري والسنجاب الاحمر.
ويذكر أن العثمانيين جعلوا غابة أرز تنورين محمية عام 1866، وان أرز تنورين نجا عبر التاريخ من الفؤوس والاتجار به، إلا أنه كان هدفا للغزاة وتناولته الملاحم والاساطير.
والبلدة البترونية تشغل بحكم موقعها على صعيد السياحة البيئية هواة المشي في رحلة يقومون بها من القبيات شمالا عبر البلدة وصولا الى مرجعيون جنوبا. طول الطريق 440 كيلومترا، وتشمل 26 مرحلة لاجتيازها.
وتستوقف الزائر في تنورين معالم بارزة في طريقه منها: كنيسة السيدة العتيقة، كنيسة مار شليطا، كنيسة سيدة الانتقال، الطواحين القديمة وصخرة بزيدا، ويسلك السائح طريق قدم انطلاقا من تنورين الى شاتين، فكنيسة سيدة النصر فبالوع بعتاره ونبع الشيخ، فاللقلوق حيث كنيسة سيدة زويلا، وصعودا الى نبع البياض دون ان ننسى محبسة مار يعقوب في تنورين التحتا المعلقة في وسط الشير، حيث كان يقصدها النساك صعودا بواسطة الحبال.
بالوع بعتاره
والحديث عن غابة الارز في تنورين لا يقل اهمية عن المعالم الطبيعية والاثرية التي توجد في البلدة من مناظر خلابة وقلاع وابراج ومعالم طبيعية وعيون. ونستهل ببالوع بعتاره (بلعا)، ومصادر مياهه من ينابيع اللقلوق وبعتاره وبلعا ومن ذوبان الثلوج في فصل الشتاء. يقع البالوع على بعد كيلومترين من اللقلوق، مجاورا لشاتين ضمن منعطف تحيط به اشيار شاهقة، ويتألف من أربع هوات يبلغ عمقها 255 مترا، وتخترقها جسور صخرية طبيعية الواحدة فوق الاخرى.
ومن بالوع بعتاره الى بالوعي المغراق وجورة العبد، وهوة جيني، ومغارة الرهوة، ومغارة نبع الكرسي (وطى حوب) ومغارة الشرفة او مغارة مفيد (المصاطب) ومغارة نبع الشيخ، ومغارة دير حوب (قرب نبع خرمعلايا) وفي آخرها نبع ماء صغير.