
على مدار عقود طويلة، عمل حزب “البعث العربي الإشتراكي” – فرع لبنان كذراع أمني للنظام السوري، غير أنه لم يعد اليوم أكثر من واجهة رمزية لكائن سياسي انتهت وظيفته وسقط غطاؤه.
مع التحولات الجذرية التي شهدتها دمشق عقب سقوط نظام بشار الأسد وتولي أحمد الشرع السلطة بدعم شعبي وإقليمي ودولي، أصبح الحزب في لبنان مكشوفًا ومفرغًا من المعنى، بل لم يعد يعترف به حتى النظام السوري الجديد الذي طوى صفحة “البعث” كمؤسسة سلطوية. واللافت أن عددًا من قيادييه باتوا مطلوبين للقضاء السوري بتهم فساد وانتهاكات أمنية.
من الوصاية إلى العزلة
بحسب مصادر سورية مطلعة على الملفات الأمنية، لم يكن حزب “البعث” في لبنان، منذ دخول جيش النظام السوري عام 1976 وحتى انسحابه عام 2005، سوى أداة تنفيذية بيد أجهزة الاستخبارات السورية، بلا أي استقلالية سياسية حقيقية. كانت قراراته تصدر من عنجر ودمشق، وقياداته تُعيّن بقرارات أمنية تهدف إلى ضبط البيئة المحلية بما يخدم مصالح النظام السوري. ولعب الحزب أدوارًا أمنية مباشرة شملت إعداد تقارير بحق لبنانيين وترهيبهم، ورفع أسمائهم للاعتقال أو الابتزاز، إضافة إلى التحريض على مؤسسات إعلامية مثل قناة “إم تي في”، التي أُغلقت بأمر مباشر من بشار الأسد لكونها منصة حرّة تنتقد السلطة وممارساتها القمعية.
بدأ تآكل الحزب يظهر بوضوح بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وانسحاب القوات السورية من لبنان، لكن الضربة القاضية جاءت مع اندلاع الثورة السورية عام 2011، وسقوط نظام الأسد لاحقًا، وتفكك البنية المركزية لحزب “البعث” في دمشق. مع الحل الرسمي للحزب في سوريا في إطار إعادة هيكلة السلطة الجديدة، تُرك فرع لبنان في فراغ سياسي وتنظيمي قاتل، بلا مرجعية أو وظيفة فعلية.
قيادة بلا شرعية
أكد مصدر سوري مطلع أن تعيين اللبناني علي حجازي أمينًا قطريًا لحزب “البعث” في لبنان عام 2021 جاء كامتداد لسياسة التوريث الأمني التي اعتمدها النظام السابق، وذلك بأمر مباشر من بشار الأسد، خلال مؤتمر شكلي يميل أكثر إلى التعيين الأمني منه إلى الانتخاب الحزبي. واليوم، وبعد انهيار ذلك النظام، وجد حجازي نفسه بلا غطاء سياسي، سواء في دمشق أو في بيروت. كما أن اسمه وعددًا من الشخصيات القديمة باتوا مرفوضين، وبعضهم مطلوبون لدى السلطات السورية الجديدة بسبب ارتباطاتهم المشبوهة بأجهزة النظام السابق.
أطلال مهجورة
المصدر السوري أكد أن حزب “البعث” في لبنان بات مجرد أطلال منهارة، محصورًا في مقرات مهترئة في مناطق بعلبك – الهرمل، وأحياء متفرقة في بيروت وطرابلس. دمشق تعمل على تحضير ملف قانوني لاستعادة هذه المقرات التي تعود ملكيتها لها، والتي شُرِيت بأموال الشعب السوري، مما يؤكد انهيار الحزب الكامل وانعدام وجوده الحقيقي.
انتهاء قبل الحل
وأشار المصدر إلى أن دمشق تعتبر حزب “البعث” في لبنان ملحقًا باهتًا ضمن المشروع الأمني والسياسي لـ “حزب الله”، يُستخدم عند الحاجة ويُهمل في غيابها. ورغم عدم حله رسميًا في لبنان، انتهى الحزب عمليًا: بلا تنظيم، تمويل، جمهور، أو خطاب سياسي حي. قياداته تعيش أوهام الماضي، في حين لا وجود لجمهور يردد شعاراته، ولا بيئة تسمح له بالعمل.
في زمن الانكشاف والانهيار، صار حزب “البعث” فرع لبنان كيانًا ميتًا يُترك ليتلاشى على هامش التاريخ. حله الرسمي صار غير ضروري، لأنه لم يعد موجودًا أصلًا. موته السياسي سبق أي إجراءات رسمية، وأصبح وجوده بلا قيمة حتى في نظر من أنشأه يومًا .
طارق أبو زينب – نداء الوطن