
مستوحيًا من تجربة الحرب الروسية – الأوكرانية، اتخذ حزب الله تكتيكاً جديدا في استراتيجيته العسكرية باعتماده على تصنيع الطائرات المسيرات بديلاً من الصواريخ الدقيقة والرؤوس المتفجرة التقليدية.
التحوّل المفاجئ على المستويين اللوجستي والقتالي ورد في تقرير إسرائيلي ويفنّد في سردية الوقائع إسم الوحدة 127 التابعة للحزب وهي من أكثر وحداته السرية التي تتولى إقامة خطوط إنتاج داخلية للمسيرات بتمويل إيراني وبالاعتماد على مكونات مدنية يسهل الحصول عليها عبر الإنترنت ما يجعل عملية اكتشافها ورصدها أكثر تعقيدا. ويلفت التقرير إلى أن سهولة التصنيع، وسرعة النشر، والقدرة على التخفي والمناورة، من أبرز مزايا المسيّرات التي تجعل منها خيارًا أكثر فاعلية من الصواريخ في سياق المواجهة مع إسرائيل. وينشط الحزب في الإستثمار بشكل متزايد في هذا النوع من الأسلحة من خلال ضخّ أموال نقدية ومواد بسيطة يُهرّبها الحرس الثوري الإيراني إلى لبنان، في مقابل خفض الاعتماد على الترسانة الصاروخية التي بات تهريبها أكثر صعوبة بعد استهداف سلاسل الإمداد.
المفارقة الأولى التي يظهرها التقرير أن الأموال التي تحتاجها عملية تصنيع المسيرات يستخدمها لتدعيم قوته القتالية بدل استخدامها لإعادة إعمار وترميم البيوت والمحال التجارية التي تهدمت في حرب الإسناد أو على البشر من بيئته الحاضنة مما يؤكد أن أولويات الحزب هي الذهاب أكثر فأكثر إلى النزعة القتالية وتدمير ما تبقى من الحجر والبشر.
العميد المتقاعد جورج نادر يشير إلى أن تركيز حزب الله في الآونة الأخيرة على تصنيع الطائرات المسيّرة بدلاً من الصواريخ الدقيقة يعكس جملة من العوامل الاستراتيجية والتقنية والاقتصادية، أبرزها المرونة التشغيلية والكلفة المنخفضة في عملية التصنيع مقارنة مع الصواريخ الدقيقة، والمرونة من حيث الإنتاج أو التشغيل أو الخسارة عند التدمير. إلى ذلك، يمكن استخدام المسيّرات في مهمات عديدة منها الاستطلاع والتشويش والهجوم الدقيق واستنزاف الدفاعات الجوية. بالتوازي يصعب رصد المسيرات الصغيرة والمنخفضة السرعة بواسطة الرادارات التقليدية في حين يمكن تحقيق ذلك على مستوى الصواريخ الباليستية الدقيقة.
على المستوى النفسي، يمكن للمسيّرات أن تخترق المجال الجوي الإسرائيلي في مهام استطلاع أو تشويش إلكتروني من دون أن تُعتبر هجوماً صاروخياً مباشراً. ومعلوم أن هذه الوسيلة توفر مساحة للحرب النفسية والإعلامية من دون حصول مواجهة شاملة.
عملية تدمير مخازن تصنيع وتوضيب المسيرات تحولت إلى هدف لدى إسرائيل حيث كثفت غاراتها على المواقع التي كشفتها وآخرها الغارات الجوية التي أدت إلى تدمير 8 مبانٍ في الضاحية الجنوبية الأسبوع الماضي بهدف تعطيل هذه القدرات المتنامية التي كانت تستعملها الوحدة 127 لتصنيع وتشغيل الطائرات. وتعتبر هذه الغارات من أعنفها بعد إعلان توقف الحرب في تشرين الثاني الماضي. ويُظهر التحول نحو تصنيع الطائرات المسيّرة بدلًا من الاعتماد على الصواريخ الدقيقة استراتيجية مرنة ومبتكرة تعكس تطورًا في التفكير العسكري لحزب الله.
وهنا يطرح السؤال عن الإمكانات المادية التي لا يزال يملكها حزب الله على رغم الخسائر الفادحة التي تكبدها خلال الحرب الإسرائيلية على لبنان وقطع الإمدادات المالية عنه بعد إقفال المعابر البرية غير الشرعية التي كان يستعملها لتهريب الكبتاغون.
“الحزب لا يزال يتمتع بالقدرات المالية، وإيران لم تتوقف عن مده بالمال. قد تكون خفضت القيمة لكنها لم تتوقف عن رفد الحزب بالمال”، ويضيف العميد نادر، أن حزب الله استطاع أن يؤمن اكتفاءه الذاتي من خلال شبكة المصانع والتجارة غير الشرعية وتهريب المخدرات لكن هذا المخزون المالي لا يكفي لخوض حرب جديدة مع إسرائيل إنما لسد فجوة النقص المالي داخل بيئته القتالية”.
نفهم من ذلك أن الكلام عن تجدد الحرب بات أقرب إلى الواقع وما شهده اللبنانيون خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة كان مجرد نزهة؟
“حزب الله لم يقتنع بعد أن الحرب انتهت وأنه خسر الحرب ودمّر البلاد والعباد وقضى على الجغرافيا السياسية وانتهت سردية قادته من الصف الأول والثاني والثالث. هو يعيش حالة إنكار ولأن الحرب الجديدة الواقعة ستكون مدمرة.هذا أخطر ما في الموضوع”.
ويختم العميد نادر” حزب الله سيجرّنا إلى الويلات والدولة لن تطبق القرار 1701 وكل المؤشرات اليوم بدءا من الغارات التي طالت العاصمة بيروت للمرة الأولى منذ وقف إطلاق النار في تشرين الثاني الماضي، وصولا إلى الإعتداءات المتكررة على قوات الطوارئ وبشكل عنفي وتصاعدي، تدل أن هناك عملية اجتياح قد تتخطى شمالي الليطاني وتصل إلى الأولي”.
جوانا فرحات – المركزية