featuredاخبار لبنان - Lebanon News

تطيير «اليونيفيل» لترتيب «الحزام الأمني»؟

فيما تمضي إسرائيل في حربها اليومية المتواصلة على «حزب الله»، بنمط «التقسيط المريح»، ثمة من يعتقد أنّها تخطّط للانتقال إلى مرحلة أخرى، تمنحها هامشَ تحركٍ أوسع. ومفتاحُ هذه المرحلة هو التخلص من «اليونيفيل».

أكثر من أي يوم مضى، منذ وقف النار في 27 تشرين الثاني 2024، يبدو مشهد الحدود الجنوبية حساساً، ومعه وضع «اليونيفيل». فإسرائيل تتعاطى باستياء مع هذه القوات، معتبرة أنّها لم تضمن لها الأمن، حتى قبل الحرب الأخيرة. وفي المقابل، «حزب الله» يراها مشروع قوة ضاربة قد يتمّ تشغيلها لخدمة الأهداف الإسرائيلية، ولذلك، هو دائم الحذر تجاهها ويحرك بيئته للانتفاض عليها كلما حاولت توسيع قواعد العمل التي تتحرك ضمنها.

في الواقع، تنظر إسرائيل إلى «اليونيفيل» من خلال الواقع الأمني الذي لطالما عملت على تثبيته في جنوب لبنان. فمنذ السبعينات وحتى العام 2000، هي اعتمدت ما سمّته «الحزام الأمني». وبعد ذلك، طلبت من الأمم المتحدة والجيش اللبناني تأمين «الحزام» إياه. لكن «حزب الله» سرعان ما ملأ الفراغ هناك. وبعد حرب 2006، افترضت إسرائيل أنّ القرار 1701 سيضمن وجود «حزام أمني» دولي منيع، عبر انتشار «اليونيفيل» المدعمة والجيش اللبناني. لكن قدرات «الحزب» نمت في الجنوب، خلافاً للرؤية الإسرائيلية. وعلى رغم من الهدوء الذي ساد هناك 17 عاماً، أثبت «الحزب» أنّه امتلك المبادرة لإشعال «حرب المساندة» لغزة في تشرين الأول 2023.

واليوم، تستخدم إسرائيل ذريعة الحاجة إلى الأمن لترفض الانسحاب من الشريط الذي ما زالت تتمركز فيه حالياً داخل الأراضي اللبنانية، ولتمضي في عملياتها العسكرية في أي منطقة من لبنان. وعلى الأرجح، هي ستهدّد بإنهاء خدمات «اليونيفيل» في محاولة لدفع لبنان الرسمي إلى اتخاذ إجراءات حاسمة لضبط أنشطة «حزب الله» وخلق ترتيبات أمنية فعّالة أو «حزام أمني فعّال» من منظورها. وأساساً هي لم توفر «اليونيفيل» بضرباتها في الحرب الأخيرة.

وإلى حدّ بعيد، تحظى الرؤية الإسرائيلية بدعم الولايات المتحدة، التي ربما تمارس «الفيتو» في مجلس الأمن ضدّ التجديد لـ«اليونيفيل» تعبيراً عن نفاد صبرها على لبنان الرسمي، إذا بقي يرفض التجاوب مع مساعيها. ولكن، بعيداً من الشأن اللبناني ـ الإسرائيلي، تنظر إدارة دونالد ترامب إلى احتمال إنهاء خدمات «اليونيفيل» من زاوية تقليص الأكلاف، في ظل المراجعة التي تجريها لمجمل نفقاتها عبر العالم.

إذاً، قد يكون لبنان الرسمي مقبلاً على ضغط فعلي، أميركي ـ إسرائيلي، من خلال التلويح بتطيير «اليونيفيل»، لإجباره على الاختيار: إما أن يُنهي حالة التعثر في تنفيذ اتفاق وقف النار فيقوم بتسلّم سلاح «حزب الله» بكامله، وإما أن يواجه حالاً من فراغ المرجعية الأمنية في الجنوب، سواء بانسحاب «اليونيفيل» أو بتجميد عمل لجنة الرقابة الخاصة بالاتفاق، ويبقي المبادرة في يد إسرائيل على كل الأراضي اللبنانية.

حتى اليوم، لم يبادر لبنان إلى الرد على الكلام المتعلق بتطيير «اليونيفيل». أولاً لأنّه غير رسمي من جهة واشنطن حتى الآن، ولأنّه وارد في الإعلام الإسرائيلي منسوباً إلى مسؤولين أميركيين. وثانياً لأنّ استحقاق التمديد ما زال بعيداً نسبياً، إذ يزيد عن الشهرين. وثالثاً لأنّ لبنان الرسمي مربك أساساً في التعاطي مع ملف اتفاق وقف النار. فهو عاجز عن إقناع «حزب الله» بالتخلّي عن سلاحه، كما هو عاجز عن دفع إسرائيل إلى الانسحاب ووقف اعتداءاتها اليومية. ولكن، إذا وصل لبنان إلى الاستحقاق في نهاية آب، وطارت «اليونيفيل»، فالعواقب على لبنان ستكون وخيمة. إذ إن ذلك سيحول المنطقة الحدودية برميل بارود مفتوحاً، ما يثير الخوف من انهيار سريع لاتفاق وقف النار وعودة الحرب، نتيجة الأخطاء في التقدير، أو العمليات الانتقامية المتبادلة. وسيجد الجيش اللبناني نفسه وحيداً في مواجهة تحدٍ هائل، في غياب آلية التنسيق مع «اليونيفيل».

وأما في السياسة، فسيكون انسحاب «اليونيفيل» شهادة وفاة دولية لصدقية الدولة اللبنانية التي فشلت في الوفاء بالتزاماتها. وبذلك، هي ستفقد أي دعم دولي وأي موقع تفاوضي. وسيجد الرئيس عون وحكومة سلام نفسيهما محاصرين بين ضغوط داخلية وخارجية متناقضة، ما يعمّق الشلل المؤسساتي. وفي بلد يعاني انهياراً اقتصادياً غير مسبوق، سيكون أي تصعيد أمني ضربة قاضية. وللتذكير، إنّ الخسائر الاقتصادية الهائلة التي تكبّدها لبنان في حرب العام الفائت لم يعوضها أحد عليه حتى اليوم. فالجمود الاقتصادي سيفاقم الأعباء على اللبنانيين. وسيصبح النزوح الجماعي من المناطق الحدودية واقعاً مريراً، ويزيد الضغط على البنية التحتية والخدمات المنهارة.

إذاً، سيخطئ لبنان إذا تعاطى باستخفاف مع ملامح التهديد بإنهاء مهمّة «اليونيفيل». وصحيح أنّه لم يصدر حتى الآن إلاّ عن الإعلام الإسرائيلي، لكنه قد يصبح حقيقة في الشهرين المقبلين. وستظهر جدّية هذا الملف بعد المحادثات التي يُنتظر أن يجريها قريباً الموفدان الأميركي والفرنسي مع مسؤولي الحكم، الذين يتخبّطون في العجز والإرباك.

طوني عيسى – الجمهورية

زر الذهاب إلى الأعلى