
على رغم كل الإنجازات الداخلية التي تحققت خلال الأشهر الأولى من عمر العهد والحكومة الجديدين، لا تزال ملفات أخرى كبرى كملف السلاح وعودة النازحين السوريين وترتيب العلاقات بشكل نهائي مع سوريا، معلّقة على حبال تطورات الوضع الإقليمي ومسار الحلول فيه، من معالجة وضع الجنوب الى دمشق وطهران مروراً بغزة فلسطين.
وجاءت المواقف الداخلية من بعض الحكومة والقوى السياسية حول هذه الملفات الكبرى ولا سيما ملف السلاح، لتواكب مسار الوضع الإقليمي ومتطلباته التصعيدية حيناً والتهويدية حيناً آخر، من مفاوضات وقف الحرب على غزة والملف النووي الإيراني والتسوية الأميركية مع اليمن، وصولا الى الزخم الإقليمي والدولي المنفتح على سوريا والذي بات أولوية الدول العربية والغربية، بعد استجابة السلطات السورية الموقتة لكل المطالب والشروط، وهو أمر لا قدرة للبنان على تحقيقه بسبب التنوّع السياسي فيه والخلافات والانقسامات والتباينات واختلاف الأولويات، حتى بين أركان الحكم.. فكيف بين القوى السياسية؟
ولا شك ان الاهتمام العربي بترتيب أوضاع سوريا يأتي على حساب الاهتمام بإقفال ملفات لبنان الساخنة، وأولها وأخطرها إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لبعض النقاط والمناطق في الجنوب، وهو الأمر الذي بات بيد الإدارة الأميركية وحدها برغم محاولات الدول الأخرى العربية وفرنسا المساهمة في تعجيل الانسحاب الإسرائيلي وتنفيذ آلية وقف إطلاق النار ونشر الجيش اللبناني في كامل منطقة الجنوب بعد إخلائها من مواقع وأسلحة حزب الله جنوبي نهر الليطاني.
كما انه لا شك في ان إنهاء الاحتلال مرتبط بشروط غير قابلة للتنفيذ لا من قبل لبنان ولا من قبل كيان الاحتلال، فلكل طرف مطالبه وشروطه وهي مطالب مرتبطة بمسار الوضع الإقليمي المتجه نحو إبرام تسويات وحلول سلمية لكن بشروط ومطالب مختلفة في الشكل والجوهر تعيق التنفيذ. فلبنان مطلبه الأول إنهاء الاحتلال، والكيان الإسرائيلي مطلبه إنهاء المقاومة ونزع سلاحها نهائياً، ومن ثم التوجه نحو مفاوضات لتطبيع العلاقات حيث أمكن وعلى أي مستوى، بينما لبنان متمسّك فقط بتنفيذ اتفاق الهدنة بينه وبين الكيان المحتل لتحقيق الاستقرار الأمني عند الحدود الجنوبية.
لكن تبدّى من توسيع الاحتلال لمناطق سيطرته في جنوب سوريا ومواصلة الاعتداءات على مناطق سورية عديدة، ورفض الانسحاب من لبنان ومواصلة الغارات اليومية وعمليات القتل، ان أي تسوية لإنهاء الأعمال العسكرية والعدائية مع لبنان وسوريا ليست قريبة، بإنتظار ما ستقرره الإدارة الأميركية في الإقليم وحسب أولوياتها هي وما يمكن أن تفرضه لاحقاً على الكيان الإسرائيلي بعد تبريد جبهة اليمن ضد السفن الأميركية والتجارية في الخليج والبحر الأحمر. وأولوية أميركا الآن هي إيران ثم سوريا القابلة ولو على مضض بالتوجه سريعا نحو اتفاقات التطبيع.
من هنا ترى مصادر متابعة ان لا حلولَ قريبة لموضوع سلاح حزب الله، وقد تتأخّر معالجة سلاح المخيمات الفلسطينية نتيجة الانقسام الفلسطيني بغياب أي ضمانات للبنان بعدم تجدّد العمليات العدائية الإسرائيلية، ولعدم تعرّض المخيمات لأي اعتداء أو مشكلات أمنية كبرى، فيما شواهد الاعتداءات اليومية الإسرائيلية على لبنان قائمة يومياً من دون أن تتحرك الدول المعنية الراعية لوقف إطلاق النار، وذكرى مجازر صبرا وشاتيلا لا زالت ماثلة في عقول الفلسطينيين ووجدانهم، عدا وجود تنظيمات أصولية خارجة عن الإجماع الفلسطيني. وأقصى ما يمكن أن يتحقق بموضوع السلاح الفلسطيني هو شكليات معالجته في المخيمات الهادئة في بيروت والبقاع.
وبرغم الكلام «الإيجابي» اللبناني والفلسطيني الرسمي في موضوع سلاح المخيمات، لم نسمع أي كلام إيجابي في موضوع سلاح المقاومة اللبنانية حتى الآن، سوى توجه رئيس الجمهورية جوزاف عون للحوار مع حزب الله، وموافقة الحزب على هذا الحوار لكن في الوقت المضبوط على الساعة الإقليمية والدولية إذا تحققت انفراجات في الضغط على كيان الاحتلال لتنفيذ المطالب اللبنانية المحقّة، وأهمها ضمانات حقيقة تنفيذية بوقف العدوان الإسرائيلي الذي باتت أهدافه محصورة فقط في الضغط على لبنان لتحقيق مطالب سياسية صعبة التحقيق.
غاصب المختار – اللواء