featuredمقالات جان زغيب

في ظل التهديد: إمّا يسقط الإعلام أو يثبت أنه فعلاً السلطة الرابعة…

كتب جان زغيب

في عالم اليوم، لم تعد الصحافة مجرد ناقل للأحداث، بل تحوّلت إلى لاعب أساسي في تشكيل الرأي العام، والتأثير على القرار السياسي والاقتصادي. من هنا تبدأ العلاقة المعقّدة بين الإعلام والسياسة: علاقة مبنية على مصالح، صراعات، توازنات، وضغوط.

حرية الصحافة: حق أم تهديد؟

حرية الصحافة هي حق أساسي منصوص عليه في أغلب الدساتير، لكنها غالبًا ما تُعامل من قبل السياسيين كتهديد. فالإعلام الذي يفضح الفساد، يُعتبر خصمًا. والصحافي الذي يكشف المستور، يُتهم بالخيانة أو بالتحريض.

وبدل ما يكون الإعلام شريكًا في بناء الدولة، يتحوّل أحيانًا إلى ضحية في ساحة تصفية حسابات سياسية أو أداة بيد جهة نافذة تستعمله لتوجيه الرسائل أو ضرب الخصوم.

صناعة الخبر: مهنة دقيقة في ميدان ألغام

صناعة الخبر ليست مجرد كتابة. هي عملية دقيقة تبدأ من الوصول إلى المعلومة، مرورًا بالتحقّق، ثم التحرير، وأخيرًا النشر. لكن ههذه العملية تصبح معقّدة أكثر عندما يدخل فيها عامل الخوف أو التهديد أو التوجيه السياسي.

الصحافي المهدَّد لا يكتب بحرية. والصحافي المدفوع سياسيًا لا ينقل الحقيقة. وهنا يصبح الإعلام رهينة للتمويل، للنفوذ، أو للولاءات.

الضغط السياسي على الإعلام: كيف يصير؟

الضغط لا يكون دائمًا مباشر. أحيانًا يكون على شكل:

منع الإعلانات عن وسائل إعلام مستقلة.
استدعاءات قضائية متكرّرة بذرائع واهية.
حملات تشويه على السوشال ميديا.
ترويع مصادر المعلومات ومنعهم من التواصل مع الصحافيين.
اختراق غرف التحرير عبر زرع موظفين مبرمجين أو خائفين.

وفي كثير من الأحيان، الإعلام نفسه يدخل اللعبة، ويصير جزءا من ماكينة الدعاية بدلا من ان يكون سلطة رقابة ومساءلة.

خلفية الضغط: لماذا تخاف السلطة من الإعلام؟

لأن الإعلام يكسر الرواية الرسمية.
لأنه يُحرّك الناس، ويصنع رأيًا عامًا.
لأنه يفضح الاتفاقات والصفقات خلف الكواليس.
ولأنه ببساطة… لا يمكن التحكّم فيه بسهولة.

السلطة تخاف من الإعلام الحر لأنها لا تستطيع ضبطه، ولا ضمان نتائجه. لذلك، تسعى إما إلى شرائه، أو إلى إخافته، أو إلى تحطيمه معنويًا.

في القانون:

المادة 10 من قانون المطبوعات تكرّس حرية الرأي والتعبير والنشر.

وفقًا للمادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ومواثيق عديدة مثل العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، يحق للصحافي حماية مصادره وعدم كشفها، حتى أمام الجهات القضائية، ما لم يكن هناك خطر جسيم وفوري على حياة شخص ما.

خلاصة قانونية للرأي العام:

يحق للصحافي قانونيًا حماية مصدره.
لا يجوز استعمال القضاء لكشف المصادر أو الضغط على الإعلام.
استدعاء الصحافي لا يعني دائمًا عدالة… بل أحيانًا وسيلة ترهيب.
حماية الصحافي مسؤولية المجتمع، تمامًا كما حماية القاضي والمحامي والطبيب.

ختاما،
حرية الصحافة ليست شعارا … هي مقياس لمدى ديمقراطية أي نظام. وصناعة الخبر ليس مجرد نقل… هي معركة يومية لحماية
الحقيقة.
أما الضغط السياسي، فهو اختبار دائم: إمّا يسقط الإعلام، أو يثبت أنه فعلاً السلطة الرابعة.

جان زغيب
خبير في صناعة النفوذ الرقمي واستراتيجيات الاعلام الذكي
ناشر ورئيس تحرير منصات محلية

زر الذهاب إلى الأعلى