featuredاقتصاد

“أزمة الثقة”.. عدوى تُهدد النظام المصرفي حول العالم

يواجه القطاع المصرفي في الولايات المتحدة الأميركية أزمة ثقة متزايدة، في ضوء التطورات الأخيرة التي عصفت بعددٍ من البنوك على جانبي الأطلسي، بدءاً من سيلكون فالي وسيغنتشر في الولايات المتحدة، وصولاً إلى كريدي سويس في سويسرا، وسط مخاوف من امتداد تلك الأزمة كعدوى تضرب العالم.

وفي وقتٍ تأثرت فيه إلى حد كبير البنوك الصغيرة والمتوسطة في الولايات المتحدة وأوروبا، بعدوى “أزمة الثقة” التي أثارتها وقائع انهيار البنوك، فإن الأزمة مُرشحة للتمدد على نطاقات أوسع، وبما يُمكن أن يقود بدوره إلى نتائج كارثية على الأسواق عموماً ترتفع معها حدة الضغوطات وحالة عدم الاستقرار الاقتصادي.

فإلى أي مدى يُمكن أن يتحقق ذلك السيناريو “الخطير”؟ وهل الإجراءات المتخذة من جانب البنوك المركزية قادرة على احتواء تلك الأزمة وتقليص فرص انفراط العقد، لمنع أزمة مالية جديدة ربما تكون في معطياتها أخطر من أزمة 2008؟

العدوى تنتقل بشكل أسرع

الخبير الاقتصادي محمد العريان، كان قد تناول “أزمة الثقة” التي تضرب القطاع المصرفي بالولايات المتحدة، وأثر “العدوى” التي يُمكن أن تنتقل بشكل أسرع، وذلك في مقال له عبر شبكة “بلومبرغ” في وقت لاحق بعد أزمة البنوك العالمية، مما جاء فيه:

يعتمد العمل المصرفي بشكل أساسي على الثقة، وبالتالي فإن أي تراجع في تلك الثقة يمكن أن يؤدي بدوره إلى نتائج غير متوقّعة أو غير محتملة”.
الانقسامات في النظام المصرفي قد تكون ذات أثر ملحوظ على الأميركيين، بسبب التهديد المستمر المتمثل في “العدوى الاقتصادية” وليس هناك الكثير مما يمكن لصانعي السياسة فعله لوقف ذلك.
هذه العدوى الاقتصادية التي ستنتشر بمرور الوقت تهدد بزيادة التحديات التي تواجه النظام الاقتصادي الذي يعاني أساساً من التضخم والمسيرة المضطربة من رفع أسعار الفائدة وانخفاض المدخرات الشخصية ونوبات من عدم الاستقرار المالي وتباطؤ الاقتصاد العالمي.

كافية، ذلك أن المخاطر موجودة وإدارتها تتطلب تدقيقاً مستمراً.
ويلفت الخبير المصرفي إلى أن “الهدوء الحالي ليس نتيجة عودة الثقة، إنما هو ناتج عن أن مصالح الأطراف كافة (الحكومات والبنوك والشركات والمتعاملين) في تهدئة الأمور، لأنه حال تفاقم الأزمة فالجميع خاسر”.

رهانات على “رسائل الطمأنة” وإجراءات البنوك المركزية

وإلى ذلك، تتحدث الخبيرة المصرفية نائبة مدير بنك مصر سابقاً، سهر الدماطي، عن أزمة الثقة حالياً في قطاع البنوك، بعد التطورات الأخيرة على جانبي المحيط الأطلسي، بالإشارة إلى الإجراءات المُتخذة للتعامل مع تلك الأزمة، بدءًا من إجراءات إنقاذ البنوك (من بينها ضخ 11 بنكاً أميركياً 30 مليون دولار في بنك فيرست ريبابليك لإنقاذه من الانهيار) فضلاً عن الإجراءات المرتبطة بالسياسة النقدية لمعالجة أثر ارتفاع أسعار الفائدة على القطاع”.
المصرفي، لكن العريان ينبّه إلى مخاطر ذلك، بقوله:

من المرجح أن تكون لدى البنوك التي تستقبل تلك الودائع ميول مختلفة للإقراض (ومن ثم تأثير على حجم الإقراض الكلي).
يمكن أن تشكل هذه الميول والتأثيرات مشكلة كبيرة للمجتمعات المحلية والمناطق والقطاعات التي تخشى أن يتقلص وصولها إلى القروض نتيجة اضطرار مصارفهم التقليدية إلى تقليص ميزانياتها العمومية بعد خسارة الودائع.
وعلى الرغم من أنه يمكن للفيدرالي والمؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع ووزارة الخزانة الأميركية تهدئة المخاوف من خلال إبداء الرغبة في استخدام مجموعة من الأدوات لحماية المستهلكين، فمن غير المرجح أن يعكس ذلك على الفور وبشكل تام تدفق الودائع الهاربة.

انفراط العقد وتأثير الدومينو

رئيس مركز العاصمة للدراسات والأبحاث الاقتصادية، الدكتور خالد الشافعي، يقول لـ “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، خالد الشافعي، إن الأزمة المصرفية الراهنة التي عززت حالة من عدم الثقة يُمكن أن تكون لها ظلال واسعة حول العالم، مشدداً على أن تأثير انفراط حبّات العقد وبما يُشكل بداية انهيار لبنوك عديدة في المرحلة المقبلة لا يزال أمراً محتملاً في ضوء التطورات الحالية، وبما يفاقم أزمة الثقة.

ويشير الشافعي إلى أن هذا التأثير يتوقف على “الحلول” التي تعتمدها البنوك المركزية حول العالم لتحصين البنوك، ووقف هذا النزيف (أو تأثير الدومينو) ومنع امتداده لبنوك أخرى حول العالم.. ومن خلال تلك الإجراءات يُمكن تقييم ما إذا كان العقد سيواصل الانفراط وتنتقل العدوى لبنك تلو الأخرى من عدمه.

ويرى الخبير الاقتصادي أن “التهديدات لا تزال قائمة في ضوء الانهيارات الأخيرة والتي دفعت إلى حالة من فقدان المصداقية بالقطاع، وحدوث أزمة جديدة مرتبطة بقطاع البنوك في ضوء المؤشرات الحالية ربما تكون أسوأ من أزمة عام 2008″، مسلطاً الضوء على اتجاهات المودعين والمستثمرين بعد الأزمة لجهة هروب الودائع في ظل حالة عدم الثقة.

انخفض إجمالي الودائع المصرفية في الولايات المتحدة بنسبة 3.3 بالمئة منذ أن بدأ بنك الاحتياطي الفيدرالي برفع أسعار الفائدة العام الماضي، إذ سعى المدخرون إلى إيجاد بدائل ذات عائد أعلى للفائدة التي تقدمها العديد من البنوك الأميركية.
تسارع ذلك الاتجاه في وقت قريب من أزمة سيلكون فالي وسيغنتشر، لتنخفض الودائع في البنوك الأميركية بأكبر قدر في عام تقريباً بعد الأزمة وحتى 15 مارس.
في منطقة اليورو، سحب المودعون 214 مليار يورو خلال الأشهر الخمسة الماضية (1.5 بالمئة من إجمالي الودائع)، وفقاً لبيانات البنك المركزي الأوروبي.
أزمات متزامنة تهدد الأسواق بمزيدٍ من الارتباك

ويشير رئيس مركز العاصمة للدراسات والأبحاث الاقتصادية، في معرض حديثه مع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إلى تفاقم التهديدات المرتبطة بتلك الأزمة، بالنظر كذلك إلى عددٍ من العوامل الأخرى ذات الارتباط، من بينها اضطراب العملات، وخاصة الدولار الأميركي (الذي تشير التوقعات إلى تراجعه بنسبة من 10 إلى 15 بالمئة خلال الـ 18 شهراً المقبلين)، موضحاً في الوقت نفسه أنه “لا رابح من تلك الأزمة، باستثناء الذهب الذي يُمكن وصفه بأنه سيد العملات، والملاذ في الوقت القريب، سواء تعرض النظام المصرفي لانهيارات أوسع أو لم يتعرض، في ضوء الاضطرابات الاقتصادية حول العالم (بالنظر للذهب كوسيلة تحوط)”.

ويختتم الشافعي تصريحاته بالإشارة إلى أن الإجراءات التي تم اتخاذها من قبل البنوك المركزية، وإجراءات الفيدرالي الأميركي بعد انهيار سيلكون فالي وسيغنتشر، نجحت في السيطرة على الأزمة، لكنها لم تعد في الوقت نفسه الثقة للمستثمرين والمودعين في القطاع المصرفي الذين يتخوفون من تكرار وامتداد الانهيارات، مقللاً من قيمة التصريحات “التطمينية” التي يبعث بها المسؤولون في الولايات المتحدة ما لم تقترن بإجراءات عملية تؤمن الودائع بنسبة كاملة”.

سكاي نيوز عربية

زر الذهاب إلى الأعلى