The News Jadidouna

عَشرةُ أسباب بينَ وُجهَتَي نَظَر في مسألةِ دورِ الجيش في السياسة اللبنانية – بقلم البروفيسور بيار الخوري

كتب البروفسور بيار الخوري لـ”أسواق العرب” و “الملف الاستراتيجي” :

في الأول من آب (أغسطس)، وإذ نتوجَّهُ بالتهنئة وبكلِّ مشاعرِ التعاطفِ والتقديرِ إلى مؤسّسة الجيش اللبناني في عيدها، ونتمنّى لهذه العائلة-النسيج التي أمسكت بزمامِ الخطر وقانونِ لَعنَةِ الموقع والتركيبةِ اللبنانية بأيدي أبنائها، شُهداءً وأحياءً، ان تستعيدَ قدرتها على التماسك الاجتماعي الذي لا حياةَ لبلدٍ مُستقرٍّ ومُزدَهرٍ بدونه في أيِّ مُستقبَلٍ مُتوَقَّع.

أعودُ إلى سببِ هذه المقالة وهو الإضاءة على الإشكاليةِ المُتعلِّقة بدور الجيش في المسؤولية السياسية في إطارِ حلِّ أزمةِ استعصاءِ انتخابِ رئيسٍ جديدٍ للجمهورية في لبنان بعد انتهاءِ ولاية الرئيس السابق العماد ميشال عون.

أوّلًا: لعب وصول قائد الجيش إلى سدّة الرئاسة في مراحل مختلفة من تطور لبنان السياسي دورًا في الفصل بين توازناتٍ محلّية وإقليمية كان يُمكِنُ أن تأخذَ التركيبة اللبنانية إلى نهاياتٍ مُبكِرة خصوصًا مع وصول الجنرال (الرئيس) فؤاد شهاب إلى السلطة في حمأةِ الصراع بين القومية العربية وحلف بغداد.

ثانيًا: فشلَ لبنان منذ خمسة وعشرين عامًا حتى اليوم في إيصالِ رئيس من خارج النخبة العسكرية إلى قصر بعبدا: قائدان للجيش وسياسي قائد سابق. وهذا يؤشّر إلى عجز الطبقة السياسية عن إدارة شؤونها بنفسها بغضِّ النظر عن ملابسات الظرف التي حكمت وصول كل رئيسٍّ منهم.

ثالثًا: إنَّ استمرارَ طرح اسم قائد الجيش الحالي، العماد جوزيف عون، للرئاسة يؤكّدُ هذا العجز خصوصًا بعد انهيار العام 2019 وما تلاه من تفكّكٍ لأوصالِ الدولة والمؤسّسات والمجتمع، وهو ظرفٌ مثاليٌّ للنخبةِ العسكرية للتدخّلِ كمُنقذٍ تبعًا لمعظم تجارب هذا التدخّل منذ الثورة الفرنسية (1789 -1799) حتى اليوم.

رابعًا: هناك خصوصية للواقع اللبناني الحالي تُبرّرُ وجودَ سلطةٍ تمارسُ الاستبدادَ العادل وإعادةَ فَرضِ هيبة الدولة بعد أن تطاولت مجموعات المصالح الخاصة على حقوقِ الأخيرة بالجُملة والمفرّق. إنَّ حضورَ الهَيبة ليس مُمكنًا بدون ثورةٍ سياسية، باتت بعيدة، وبين حضورٍ عسكري على الطريقة البونابرتية.

خامسًا: إنَّ للهَيبةِ اليوم معنى استثنائي في استعادة الانتظام القانوني بدل شلل القضاء، ووقف تسلّط السياسيين على عمله، الذي بات بدوره شرطًا لاستعادة المؤسّسات.

سادسًا: إن ثُلاثيةَ الهَيبة والقانون والمؤسّسات لا تقلُّ أهميةً عن ثُلاثية حماية لبنان من الأطماع الصهيونية، بل إنها قد تُشكّلُ شرطًا لإستدامة تلك الثلاثية الأخيرة.

سابعًا: إن الثنائية العسكرية التي شكلت قاعدة التوازن بعد الحرب قد أصبحت مختلّة في غير مصلحة القوى العسكرية النظامية في ظلِّ الأزمة المالية الخانقة التي تُعاني منها المؤسسة.

ثامنًا: رُغمَ القناعة الواسعة بأنَّ رفضَ (أو عدم حماس) القوى السياسية الطائفية لوصول قائد الجيش إلى سدّة الرئاسة، مدفوع بالخوف على الامتيازات التي حصدها ممثلو الطوائف بعد عام 2005 وبعد اتفاق الدوحة، كما بالخوف على شعبية هذه القوى، إلّا أنَّ هناك مبرّرات قد تكون أكثر عُمقًا من هذه الفرضية رُغمَ قوّتها.

تاسعًا: لم يحظَ لبنان بعد العام 1958 بفرصةٍ ثانية لحُكمِ نفسه بنفسه من قبل قواه السياسية على تناقضاتها. فحتى “نزع الشهابية” بعد انتخابات 1968 قد تداخلَ مع مفاعيل القضية الفلسطينية واتفاق القاهرة، ثم الحرب الأهلية والتدخّل السوري والاحتلال الإسرائيلي.

عاشرًا: لبنان يعيش في تجربةٍ مختلفة منذ ما بعد العام 2005، هي حُكمُ الطوائف لأنفسها بأنفسها، وهي تجربةٌ لم نرَ من نتائجها حتى اليوم سوى المرارة وطحن المجتمع. ولكن… هل تكون هذه التجربة ممرًّا ضروريًا من أجلِ إعادةِ تَشكيلِ لبنان قائمٍ على نهاية لعبة اختبار الحدود والخروج إلى لبنان أكثر تسامحًا وأكثر اعترافًا بمكوّناته بدون استعلاءٍ على هذه الطائفة وتخوين تلك؟ وانتهاء لعبة اختبار الحدود بينها؟ تبعًا لهذا المنطق، فإنَّ تجاربَ العيشِ بين جماعاتٍ مختلفة لم يكن مُمكنًا إلّا بعد مرارةٍ طويلة وتجارب أليمة ودماء كثيرة سمحت بنشوءِ أوطانٍ جميلة بعد ذلك.

الجيوش دائمًا هي ضحايا فَشَل السياسيين في المجتمعات غير المُستقرّة حتى حين تنتصر وتُكتَب لها السلطة، فالجيشُ هو دائمًا مشروعٌ سياسي مؤقت.

This website uses cookies to improve your experience. We'll assume you're ok with this, but you can opt-out if you wish. Accept Read More

Privacy & Cookies Policy