
د. بيار الخوري، اكاديمي وخبير اقتصادي – خاص جديدنا
بعد ان غاب هم الدولار وسعر صرف الليرة ٢٧ عاماً بدأنا منذ الصيف الماضي بالعودة الى سياق في سوق الصرف كنا افترضنا انه رحل دون عودة.هناك اسباب عميقة للانخفاض الحالي في سعر صرف الليرة تجاه الدولار هي اكبر من اي حكومة وأي خطة اقتصادية واي تدخل للبنك المركزي.هي ايضاً اكبر من اي اتفاق قد يعقده لبنان مع دائني اليوروبوندز او مع صندوق النقد الدولي او مع مانحي مؤتمر سيدر.
لأن اي توازن في اسعار الصرف لا يمكن ان يكون له مفعول على المدى القصير. والحق اننا حتى الان لا نمتلك تعريفاً زمنياً واضحاً للمديين المتوسط والطويل. هل هي سنة او ثلاث او خمس سنوات او اكثر؟ لا احد قادر على صياغة جواب واضح على هذا السؤال.
الحكومة لديها خطة مع محاكاة لنموذج انقاذي تمتد مفاعيله الاليمة لخمس سنوات على الاقل. هذه الخطة تقوم على سعر صرف مرجعي يصل الى ثلاثة اضعاف السعر الرسمي حالياً والخطة ايضاً تركت هامشاً للسوق السوداء كونها (بنظر الخطة) تمثل مؤشراً لاداء الاقتصاد.
وزير المال بتحدث صراحة عن تحرير سعر الصرف وان كان يشرطه ببداية تدفق اموال صندوق النقد الى لبنان. ما يقصده الوزير ان التحرير بدون اي افق اقتصادي سيعني انهياراً على الطريقة الفنزولية وهذا خوف منطقي.
ان تراجع سعر الصرف اليوم يرتبط بفقدان اي توازن بين الطلب المرتفع والعرض الشحيح كما يرتبط بالتوقعات المستقبلية المتشائمة وتفضيل الاكتناز النقدي بعملة ثابتة.
لا يوجد حل لهذه المعضلة في الافق المنظور، حتى تدخلات البنك المركزي الجزئية والانتقائية، والتي ابرزت على اي حال سلوكيات مالية موضع تسأولات قضائية، لا يمكن ان تعكس مسيرة سعر الصرف.
جل ما يمكن ان نتوقعه من محاولات ضبط الصرافين اجراء عقابي يمنع التقلبات الحادة جداً في سوق الصرف ويخفف من تعرض الناس والتجار لجشع غير منضبط، ولكن ايضاً لا يمكن ان يؤثر على اتجاه سعر الصرف.
بأستثناء الخدمات والرسوم التي تتحكم فيها الحكومة واستثناء النفط والدواء والطحين، يجب ان ينسى اللبنانيون سعر الدولار المعادل لألف وخمسماية ليرة لبنانية والمراهنون على العودة لسعر الصرف هذا هم كمن راهنوا على عودة الدولار الى ثلاث ليرات بعد العام ١٩٨٤.
ستبقى الليرة متعرضة لأنخفاض اضافي على المدى القصير، واستقرار سعر صرف الليرة على المديين المتوسط والطويل لا يعني تثبيت سعر الصرف بل يعني العودة نظام سعر الصرف الذي كان معتمداً قبل الحرب الأهلية حيث كان سعر الصرف يعكس قوة الاقتصاد وزخم التدفقات النقدية من الخارج دون الاضطرار للدفاع عن سعر صرف ثابت كما حصل في تسعينات القرن الماضي.
علينا ان نراقب العناصر التالية لتوقع صحيح لمسار سعر الصرف :
١- ارتفاع نسبة مساهمة قطاعي الزراعة والصناعة في الناتج الوطني بشكل مضطرد لتصل الى ٥٠٪ على المدى الطويل
٢-ارتفاع الصادرات اللبنانية والسيطرة على الواردات بشكل لا يتجاوز عجز الميزان التجاري ربع الصادرات.
٣- نجاح الشباب والكفاءات اللبنانية في مجال بيع الخدمات عن بعد وعدم تعريض ايرادات هذا القطاع لسعر صرف مجحف.
٤- اعادة هيكلة القطاع المصرفي بما يعيد الثقة للمغتربين بتحويل اموالهن دون خطر ضياع هذه الاموال.
٥- عودة لبنان مقصداً سياحياً بكلفة عطلات تنافسية
٦- السيطرة على المالية وتوازن الموازنة.
٧- أخيراً والاكثر اهمية اعادة هيكلة علاقة الدولة بالنظام الزبائني ونظام نهب الدولة بما يؤول الى اعادة تعريف علاقة
الاحزاب بالقطاع العام بمعايير الحكومة الرشيدة وشفافية كل شئ في القطاع العام.
ما لم يحصل ذلك فلنكن على ثقة تامة بان لبنان سينهار عاجلاً ام اجلاً وعلينا ان لا نتفاجأ عندها اذا وصلنا يوماً الى سعر صرف ربما اسوأ من سعر صرف العملة الفنزولية.
د. بيار الخوري، اكاديمي وخبير اقتصادي – خاص جديدنا