اخبار لبنان - Lebanon News

أدوية مخزّنة بالأطنان… ولكن.. “لماذا اليوم”؟

النهار
أطنانٌ من الأدوية مخزنة في المستودعات، بعضها محسوب ومدعوم من أصحاب نفوذ سياسي وحزبي. لكن “بطولات” وزير الصحة حمد_حسن في المداهمات الليلية لن تكتمل فرحتها إلا بفضح الأسماء ومحاسبة المحتكرين. الصورة الشكلية لن تكفي لإخماد غضب آلاف المرضى الذين يستجدون حبة دواء واحدة، في حين أن آلاف منها موجودة في علب مصفوفة فوق بعضها في الشقق السكنية والمستودعات. كما أن الصورة لن تلغي سؤال “لماذا اليوم؟”.

أقل ما يُقال عن فضيحة الأدوية المخزنة أنها جريمة عن سابق إصرار وتصميم، إذ يتلطى المحتكرون وراء نفوذهم بغطاء سياسي- حزبي- ديني، فيما يذل المواطن من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب لإيجاد أدويته المحتكرة من فاسدين يلهثون وراء المال أو يتلطون وراء الدين والإيمان ليبيعوا صحة المواطن.

لم توقظ صرخات مرضى السرطان والأمراض المزمنة ضمائر التجار والمحتكرين. صاحب أحد هذه المستودعات كان حاضراً في مجلس عاشوراء في الصفوف الأمامية، تاركاً جريمته في إخفاء الأدوية عن المرضى مقفلاً عليها في مستودعاته. في وطني، أصبح موت المرضى لأنهم لم يأخذوا أدويتهم “قضاءً وقدراً”، أما من يسرق أرواحهم ويخفي أدويتهم فترى فيهم السلطة “لا حول ولا قوة”. دولة مجرمة تمتهن قتل شعبها بوقاحة!

لا يُخفى على أحد أن دهم وزير الصحة يحمل دلالات كثيرة، هذا التحرك في توقيته ومعانيه بدا استجابة لخطاب السيد حسن نصرالله الأخير الذي دعا فيه إلى مواجهة المحتكرين (محتكر المحروقات والدواء). تطرح هذه المداهمات التي تخرج إلى العلن بين الحين والآخر تساؤلات كثيرة، لماذا تأخر الوزير للتحرك وفضح المحتكرين والإفراج عن هذه الأدوية؟ ما مصير هذه الأدوية التي تمّ اكتشافها؟ ما مصير اصحاب المستودعات الذين تم دهمها سابقاً؟ لماذا لم يحاسبوا بعد؟ وأين ذهبت الأدوية التي تم اكتشافها في المداهمات الماضية؟

برز اسمان في هذه المداهمات: عصام خليفة صاحب مستودع أدوية Newpharm في العقيبة بالإضافة إلى امتلاكه صيدلية الغدير- الغازية، والإسم الثاني يعود إلى حسين مشموشي صاحب مستودع أدوية Newnovel. وكما بات معروفاً أن أصحاب المستودعات مدعومون من أحزاب وأصحاب نفوذ أقوياء، إلا أن القرار جاء برفع الغطاء عن “الصغار” فيما الكبار يتنصلون من مسؤولياتهم وكأن شيئاً لم يكن.

مافيات الدواء ليست بعيدة عن السياسة، وجهان لعملة واحداة. فتخزين الأدوية طمعاً بالأرباح فيما تموت الناس بأمراضها، يستحق تعليق المشانق لمحاسبة المجرمين. لكن في #لبنان ستبقى المسرحية قائمة بأبطالها حتى لو غاب المشاهدون.
يضحّي البعض بالرؤوس الصغيرة من خلال رفع الغطاء عنها حيناً قبل أن يُطمس الملف نهائياً، وملف منى بعلبكي أكبر دليل على غياب المحاسبة في أكبر فضائح الأدوية والصحة، إنه عار السلطة والقضاء!

في تغريدة لوزير الصحة حمد حسن أكد “توقيف أصحاب مستودع PSD ومصادرة الأدوية لصالح وزارة الصحة لتوزع مجاناً على المرضى، وإلزام مستودع نيوفارم في العقيبة ببيع مخزونه المدعوم للعموم وإلزام شركة Pharmanet, Picomed & Bellapharm في جدرا ببيع مخزونها المدعوم للصيدليات وتحويلهم إلى القضاء المختص”.

كما توجّه إلى المستودعات العامة التي تهرّب الآن الأدوية إلى أماكن معلومة لدى الأجهزة، قائلاً: “أنصحكم بصرف الدواء للصيدليات فنظام التتبع الإلكتروني يعمل جيداً وبدقة متناهية، ستكونون مجبورين لإبراز فواتير الصرف وفق الأصول وستعرضون أنفسكم لما لقيه المرتكبون ليل أمس”.

هذه الخطوة وإن كانت تخفي وراءها حسابات سياسية، إلا أنها أفضل من لا شيء. ملفات كثيرة ما زالت نائمة في أدراج القضاء دون محاكمة، واكتمال المشهد اليوم يكون بتوزيع هذه الأدوية على المرضى الذين يستغيثون من دون أن يُحرك أحد ساكناً.

يقرأ رئيس “اللقاء الأكاديمي الصحي” الدكتور اسماعيل سكرية عمليات الدهم التي حصلت بالأمس “على أنها خطوة جيدة بالشكل ولكنها ليست حلاً لمسألة الأدوية. في وزارة الصحة جهاز التفتيش المركزي الذي يملك خبرة طويلة ويتمثل دوره في مداهمة الصيدليات والمستودعات وختمها بالشمع الأحمر ومصادرة الأدوية. وبالتالي ليست وظيفة الوزير أن ينزل بنفسه ويداهم ويبحث عن تخزين الأدوية كما شاهدنا بالأمس، وهذا ما يكشف أول ثغرة أو نقطة ضعف عن دور التفتيش المركزي المنخور إما بالفساد أو لا ثقة فيه”.

يعرف سكرية أن “جهاز التفتيش المركزي منخور بالفساد، هو الذي يتابع ويعمل في هذا المجال منذ أكثر من 20 عاماً. حتى المستودعات التي تخزن الأدوية المفقودة في السوق مدعومة إما مباشرة من جهات معينة أو مدعومة بطريقة غير مباشرة من أصحاب نفوذ. نحن أمام نوعين من الدعم، فالشركات الكبرى تلمك نفوذاً كبيراً وهي متشابكة مع السياسة وبالتالي قرارها ونفوذها قويان في البلد. وعليه شركات الأدوية تعتبر قوية بالقرار السياسي، في حين هناك دعم آخر مغطى مباشرة سياسياً أو حزبياً حسب موقعها وانتمائها. وأكبر دليل على ذلك أن المستودعات المكشوفة بالأمس أحدها مغطى تغطية مباشرة وآخر تغطية غير مباشرة”.

التوقيت في دهم الوزير ليس بريئاً، قد يكون له علاقة باحتمالات غير واضحة المعالم مثل التغيير الوزاري وإثبات وجود وتسجيل انجازات. يصف سكرية أن “هذه الخطوة جيدة إلا أنّ عمليات الدهم بين الحين والآخر ليست الحل، نحتاج إلى تفعيل التفتيش المركزي ومحاسبة المحتكرين وفضح أسماء الكبار والداعمين الذين يؤمنون هذه التغطية والدعم السياسي”.

يضطر الوزير إلى أن يجري حساباته السياسية وفق الخطوط الحمر، لذلك يجب على الوزير تسليم دفة عمليات الدهم ومراقبة المستودعات إلى التفتيش المركزي وتحريك الأجهزة الأمنية لتقوم بهذه المهمة. برأي سكرية إنّ “هناك عشرات المستودعات المخزنة بالأدوية وفضحها وإطلاع الرأي العام بكل الحقيقة ومحاسبة المحتكرين أمور ضرورية”.

ورأى نقيب الصيادلة غسان الأمين في حديثه لـ”النهار” أنّ “القانون يفرض أن تكون الصيدلية ملك صيدلي، أما المستودع فليس شرطاً أن يكون صاحبه صيدلياً لكنه يجب ان يكون معه شريك صيدلي حتى بنسبة 1%. وبالتالي الجميع يتحمل مسؤولية هذا الاحتكار سواء الصيدلي الشريك في المستودع أو صاحب المستودع نفسه. وفي النهاية، يقوم وزير الصحة بالتنسيق مع المدعي العام المالي الذي سيصدر قراراً وعليه يتم التنفيذ وتطبيقه سواء بتوزيع هذه الأدوية مجاناً أو توزيعها إلى الصيدليات لبيعها إلى المواطنين”.

وفي رأيه، أن “التخزين مستمر منذ بداية الأزمة، ولكن منذ 3 أشهر لم نستورد أي حبة دواء، وفي ظل عدم الاستيراد ونفاد الكميات المخزنة نسعى إلى إيجاد حلول لهذه الأزمة كالاستيراد الطارئ للدواء أو المداهمات التي تقوم بها الوزارة للحدّ من الاحتكار وتلبية حاجات المواطنين الذين يبحثون عن حبة دواء”.

زر الذهاب إلى الأعلى