The News Jadidouna

السعادة… !

كتبت آمال مخول :

مقدمة:
لقد سعى الإنسان دائما إلى السعادة، وهذا السعي ليس حكرًا على شعب واحد أو منطقة واحدة من الكرة الأرضية بل هو سعي عالمي يطال الإنسان في كل زمان ومكان. وفي سعيه إلى السعادة يبحث الإنسان عن الشعور بالاكتفاء والإشباع، كذلك يبحث عن فرح العيش وعن الحياة المتناغمة.

لكِّن الإنسان في بحثه عن سعادته إنما يبحث عنها من خلال منظور شخصي وخاص. فمنهم من يجدها في الثروة، أو في المتعة، أو في الترفيه، أو المعرفة، أو الإزدهار، أو الصحة وما إلى ذلك من أمور يعتبرها الانسان مصدرًا لسعادته. لذلك نجد أن لكل فرد تعريفه الخاص للسعادة والذي يرتبط ايضًا في كثير من الأحيان بالحب.

وبفضل هذا السعي التاريخي، ارتدت السعادة أهمية كبيرة في جميع الأعمال الأدبية، الفلسفية، النفسية، الإجتماعية والإقتصادية. وللإضاءة على أهمية هذا المفهوم وتكوين فكرة وافية عنه ودوره في إعطاء نموذج لوجودنا، يكفي الرجوع إلى الإقتباسات والأمثال التي تحدثّت عن السعادة. ومن هذه الاقتباسات والأمثال نذكر: “السعادة تجعلك أعمى” ، “السعادة تكمن فينا” ، “السعادة تصنع الكرم” ، “السعادة تقمع الشيخوخة” ، “التمتع بالسعادة سيقلل دائما من السعادة” ، “المال يصنع السعادة” ، “كونوا بسيطين واختاروا السعادة”، الخ… كل هذه الأمثال تُظهر أن سعادة الإنسان قد شغلت المؤلفين والكتّاب والفلاسفة وعلماء النفس والعلماء من كل الاتجاهات والاختصاصات. وقد احتل هذا المفهوم مكانة كبيرة في جميع الإختصاصات والمقاربات.

كيف نُعرِّف السعادة؟ كيف تناولت المقاربات المختلفة هذا الموضوع وتعاملت معه؟ ما هي العوامل المساعدة للإحساس بالسعادة وما هي أهم مظاهرها؟ سنحاول في هذا البحث الإجابة على كل هذه الأسئلة وغيرها الكثير لتحديد وفهم أكبر للسعادة.

أولا: تعريف السعادة
كلمة سعادة مشتقة من تعبير الحدث المؤاتي (الحظ السعيد) كلمة heur مشتقة من كلمة augurium اللاتينية والتي تعني “فأل”.
السعادة في اللغة الفرنسية تعني الحظ ولكن أيضا تعني حالة الوعي الكامل. (قاموس روبرت).

سنميز طبعا السعادة عن الفرح والمتعة، فالسعادة تشير إلى حالة من الرضا الدائم والعميق (الفرح ممكن أن يكون مؤقت وسريع الزوال والمتعة يمكن أن تكون سطحية)
يعرّف le petit Larousse السعادة بأنها حال من الرضا التام والإمتلاء. وترتبط بهذه الكلمة المصطلحات التالية: “سعيدة” كذلك “الفرصة” “الحظ” “الفرحة” و”المتعة”.

في اللغة العربية: يتم اشتقاقها من فعل سعد وأسعد، ومن التوابع المعجمية للسعادة السعد، والسعود، والسعودة، والسواعد هي مجاري الماء إلى النهر، والساعد ما يخرج منه اللبن من الناقة، وسعيد المزرعة هو النهر الذي يسقي المزرعة، ونلاحظ أن كل الدلالات اللغوية لكلمة السعادة تدل على أن السعادة هي نقيض البؤس والحزن والشقاء والنحس، والسعادة توحي بالخير والنماء والارتواء والإشباع، والسعادة هي تحقيق الخير عن طريق التعاون والعمل المثمر.

ثانيًا: السعادة وفقا للمقاربات المختلفة
السعادة وفقًا لمقاربة نفسية: علم النفس والتحليل النفسي:

لقد قام علماء النفس بالاهتمام بدراسة السعادة وتأثيرها على النفس البشرية، وهذا العلم يسمى بعلم النفس الإيجابي، وعلم النفس الإيجابي يساعد على رفع مستوى أداء الفرد النفسي والوظيفي بشكل كبير وعميق، والسعادة تظهر في رضا الإنسان العام عن الحياة، وأنه يستطيع تحقيق أهدافه كما يريد، ويصل إلى الطموحات التي يريد أن يصل إليها، فنجد أن علم النفس يرى أن السعادة من الجانب الانفعالي تتمثل باعتدال كل من المزاج والحالة النفسية، أما من الجانب التأملي المعرفي فهي تتمثل بالوصول إلى مرحلة الإحساس بالرضا.

بينما يدعونا التحليل النفسي إلى التفكير في الإنسان على أنه انسان عصابي، أي أنه يتعرض للإحباطات وايضًا للمعاناة النفسية المرتبطة أساسًا بالطفولة. وهي حالة طبيعية مرتبطة بآلية الرغبات والدوافع، التي من المفروض أن نتعلم إشباعها ضمن القيود التي يفرضها المجتمع وذلك بدءًا العائلة. وقد كتب فرويد في العام 1930 : ” يتطلّع الناس إلى السعادة، هم يريدون أن يصبحوا سعداء وأن يظلوا سعداء، هذا التطلع لديه جانبين أو هدفين، الأول ايجابي والثاني سلبي، فمن ناحية يتطلع الإنسان إلى غياب المعاناة والاستياء ومن ناحية ثانية تجربة وعيش مشاعر المتعة القوية.

يؤكد علماء النفس، وأبرزهم رايش، كارل غوستاف، يونغ، بيرلز، فروم وماسلو، بأن السعادة هي الشعور الطبيعي الذي تختبره النفس البشرية عندما تزدهر بطريقة متكاملة، مما يعني شكلا من أشكال الثقافة القائمة على الحب والكينونة بدلا من الخوف والتملك.

السعادة وفقًا لمقاربة فلسفية:
يميز أبيقور ثلاثة أنواع من الرغبات وعلاقتها بالسعادة :
– الرغبات الطبيعية الضرورية (الشرب، الأكل، النوم، الحد الأدنى من الراحة للحفاظ على صحة الجسم والروح ، تبني فلسفة معينة لاستبعاد المتاعب والقلق).

– الرغبات الطبيعية التي ليست ضرورية تماما ولكن يجب إشباعها قدر الإمكان لأنها مدرجة في طبيعتنا (الصداقة ، الجنس ، الإختلافات في الأحاسيس ، الفن…)
– الرغبات “الباطلة” أي المصطنعة والتي يستحيل إشباعها بشكل كافٍ، والتي تقود إلى التوتر الدائم وبالتالي إلى غياب الرضا ومن أهم هذه الرغبات، المجد، الثروة، الخلود، الرفاهية والسلطة.

فلو اكتفى الإنسان بالرغبات الطبيعية لاستطاع أن يصبح سعيدًا لأنه سيكون راضيًا ومكتفيًا. ولكن الإنسان يجد صعوبة بالغة في الرضا عما لديه، او ما يمكنه الحصول عليه بسهولة… هذه الصعوبة مصدرها بحسب ابيقور، أنَّ الإنسان يصبح قلقًا عندما يكتشف أنه فانٍ. ومن هنا “هروبه” إلى أهداف بعيدة دائمًا وذلك كتعويض عن ضعفه وكرفض لفنائه فيبحث عن هذا التعويض بالحيازة وبالسعي إلى الاعتراف به من قبل الآخرين لذلك نراه في سعي مستمر ومستميت إلى المجد والثروة والسلطة.

يكمن سر سعادتنا إذًا في فهم سبب معاناتنا التي تدفعنا إلى الرغبة بما يتجاوز قدراتنا على إرضائها، فالإنسان الذي يتوقف عن الخوف من الموت سيكون قادرًا على أن يكون سعيدًا. حيث أن السعادة ليست مسألة حظ حتى لو تدخل الحظ فيها، ولكنها مسألة فهم، أي أن نعرف كيف نكون سعداء، ونعرف كيف نثبت فينا شروط هذا الهدوء الأساسي (ataraxia) للنفس الذي تتكون منه السعادة.
يرى أرسطو أن السعادة مرتبطة بتحقيق الخير، حيث أن هناك لذة في تحقيق الخير، والسعادة هي مسألة جماعية وليست فردية، كما أن أرسطو يرى أن السعادة أنواع وهي: السعادة التي ترتبط باللذة الحسية، وهناك نوع آخر وهي السعادة التي تقام على أساس التأمل.

يعتبر الفارابي أن السعادة تتمثل في السعادة الجماعية، فنجد أنه يبحث في الأشياء التي تقوم بتحقيق السعادة لأهل المدن، والسعادة هي غاية في ذاتها، ويلاحظ الفارابي أن السعادة لا توجد في عالم الحس وأننا لا نولد سعداء، ولكن السعادة تأتي بالتأمل والقدرة على التميز بين الصحيح والخطأ، والسعادة لا تتحقق في إسعاد الشخص بل في إسعاد الجماعة.

أما الفلسفة البوذية فتؤكد أن على المرء الذي يريد الوصول إلى السعادة، أن يتجنب الرغبة لأنه بخلاف ذلك فإن حياته سوف تتأرجح بين المتعة والاستياء. فالسعادة إذًا هي بالبحث أكثر عن حالة الوعي بوجود المرء لذاته وبالانتماء إلى العالم. فعلى الإنسان أن يصل إلى مرحلة من عدم التعلق مع الإبقاء على شيء من التعاطف، حيث أن الانفعالات هي التي تشكل عوامل الاضطراب بينما تشكل السعادة الهدوء والوئام. النيرفانا هي التعبير الأسمى عن السعادة التي لن يستطيع أحدًا أن يصفها لأنها ستكون خارج مفهوم الوقت والسببية.

يضع التقليد الفلسفي الغربي المتفائلين، الذين يجدون ان السعادة التي هي حالة من الرضا التام ممكنة وحتى سهلة، ومن هؤلاء الفلاسفة سبينوزا، مونتين، ديدرو، في مقابل المتشائمين الذين يجدون أن السعادة شيء يصعب الوصول إليه (روسو وباسكال) بل حتى يستحيل الوصول إليه (شوبنهاور، فرويد). ويعارض آخرون مثل كانط، السعي وراء السعادة وتحقيق القانون الأخلاقي فبالنسبة لكانط لا يمكن للمرء أن يسعى لأن يكون سعيدًا ويتبع القانون الأخلاقي. ومع ذلك لا يمكننا إدانة السعي وراء السعادة، التي ينتقدها نيتشيه ويعتقد أنها هروب من مأساة الواقع، مفضِّلًا تجربة “الفرح” على السعادة.
السعادة وفقًا لمقاربة سياسيّة:

في نهاية القرن الثامن عشر ظهرت الفكرة التي تقول بأنّ السعادة هي هدف سياسي. وقد أخذت البعد المؤسساتي في الولايات المتحدة حيث تكررت هذه الصيغة في إعلان استقلالها في العام (1776 أيضًا) الذي ينص على ما يلي: إننا نعتبر الحقائق التالية حقائق بديهية، يولد جميع الناس متساوين وقد وُهبوا من قبل الخالق بعض الحقوق غير القابلة للتصرف بها؛ ومن بين هذه الحقوق الحياة والحرية والسعي إلى السعادة. لم يتخذ مفهوم السعادة معنًى سياسيًّا في أوروبا إلا بعد عشريتن عامًا، تحديدًا في ظل الثورة الفرنسية. حيث تفترض المادة الأولى من دستور 1793 صراحة أن “هدف المجتمع هو السعادة المشتركة”.

ولم تكتفِ الدول بإدخال مفهوم السعادة في دساتيرها والإبقاء عليه حبرا على ورق مسجونا داخل الكتب فقط، بل انتقلت بعض هذه الدول ومنها مثلا دولة الإمارات العربية المتحدة وخاصة مدينة دبي إلى العمل الجدي بإنشاء وزارة للسعادة حيث تعمل هذه الدولة جاهدة لإرساء قواعد وأسس السعادة لكل مواطنيها والمقيمين على أراضيها. كما أنه اصبح للسعادة مقياس علمي مبني على مؤشرات علمية تسعى مراكز الأبحاث لقياس مستوى السعادة في كل دول العالم وتصنيفها وفقًا لمعايير محددة وواضحة وقابلة للقياس العلمي.

السعادة وفقًا لمقاربة إقتصادية:
لقد دخل هذا المفهوم المجال الإقتصادي من بابه العريض، فالمؤسسات الدولية المسؤولة عن إصدار توصيات السياسة الإقتصادية مهتمة حاليًّا بسعادة سكان البلدان الأعضاء فيها. فالبيانات المتعلقة بالرضا عن الأمن الوظيفي، على سبيل المثال، تلعب دورا حاسمًا في مناقشة “الأمن المرن”.

ومن المهم جدّا توضيح الفكرة القائلة بأنَّ اقتصاد السعادة هو أدب تجريبي، يعتمد على مفاهيم وتطور اقتصاد الرفاهية، والتي تعرَّف بالمعنى الواسع بأنها نظرية اقتصادية تعمل في تقييم الحالات الإجتماعية وصنع القرارات العامة.

ففي مجال اقتصاد السعادة يقف الاقتصاديون وعلماء النفس حاليًّا جنبًا إلى جنب، حيث يتحدثون عن السعادة في المجلات الاقتصادية المرموقة أو في المجلات المتعددة الاختصاصات المخصصة في هذا الموضوع مثل مجلة “دراسات السعادة”.

فالنجاح الأخير لمفاهيم السعادة والرضا، ولو كان مفاجئًا في البداية، إلا أنه في الواقع يتماشى بشكل جيد مع الاقتصاد الحديث، الذي جعل من الفائدة أحد أهم أسسه.
ثالثًا: العوامل التي تساهم في الشعور بالسعادة

العامل النفسي:
أن وجود أم “جيدة كفاية” كما أسماها وينيكوت يزيد من فرص السعادة لدى الأطفال وبالتالي يساعد على خلق أشخاص متأقلمين في محيطهم وسعداء لأن الأم الجيدة التي تستطيع أن تحب طفلها بشكل غير مشروط تساعده على تقدير ذاته تقديرا جيدا وعلى أن يمتلك الثقة بالحياة. فالأم الحنونة والمتفهمة والمتسامحة تشكا عامل استقرار وأمان لطفلها وبدون هاتين السمتين لا يمكن للإنسان أن يدرك السعادة.
العوامل الإقتصادية:

لقد أظهرت الأبحاث والدراسات أن الأشخاص الذين يتمتعون بالإستقلال الاقتصادي هم أكثر سعادة من الأشخاص غير المستقلين اقتصاديًّا. وأكدت تلك الدراسات على العلاقة الوثيقة بين الثروة والسعادة على الرغم من أن الثروة ليست العنصر الأساسي والوحيد للسعادة. فقد تم الاكتشاف أن الرفاه مرتبط بالتحديات، بالتحفيزات وبالأمور المستجدة. من هنا جاء البحث عن اقتصاد السعادة الذي يأخذ في الإعتبار كل ميول الفرد هذه.

لقد أعطى ريتشارد ايسترلين اسمه لعمل طبق بأسلوب أصبح مشهورا حيث صرّح الناس الأكثر غنى عمومًا في نفس البلد بأنهم أكثر سعادة من الأقل ثراءّ. لكن الثروة والسعادة لا يرتبطان على المستوى الجماعي : فالزيادة في الثروة خلال الستينات في الولايات المتحدة لم تترجم بزيادة متوسط الرضا.

العوامل والظروف الخارجية:
الشخص العاطل عن العمل يكون أقل سعادة من الشخص العامل.

من الممكن كذلك أن يلعب العمر أيضا دورا في السعادة. فالأشخاص الذين بلغوا سنًّا معينة واكتسبوا النضج العاطفي والعقلي وطريقة التفكير الإيجابية هم أكثر سعادة من غيرهم.
العوامل الفردية والشخصية:
هذه العوامل نسبية ، فهي متعلقة بالبنية الشخصية للفرد، بسماته وطبائعه الشخصية، بردود أفعاله على أحداث حياته ، وبمواقفه التي يتخذها خلال الأحداث ، كما أنها متعلقة بنهجه في الحياة والوجود وبنظرته للسعادة.

المساواة:
في عام 2007، رسم عالم النفس البريطاني أدريان وايت من جامعة ليستر خريطة سعادة عالمية تستند إلى خمسة معايير: الصحة، والثروة، والتعليم، والهوية الوطنية، والجمال الخلاب. في عام 2008 ، تصدرت الدنمارك الترتيب.

إن الدخل المرتفع لا يزيد بالضرورة من السعادة، فقد أظهر الباحثون في دراسة استقصائية أجريت على أكثر من 1,100 أمريكي أن زيادة الرواتب لا تتوافق مع زيادة كبيرة في السعادة، بينما أظهرت دراسات كثيرة إلى أي مدى يعتبر عدم المساواة أو الشعور بالظلم عاملا من عوامل عدم الرضا”، فالدنمارك، التي حلت الأولى في ترتيب عام 2008 للدول الأكثر سعادة ، هي بالتالي واحدة من أكثر المجتمعات مساواة في العالم.

رابعًا: مظاهر السعادة
وفقًا لملاحظاتها وأبحاثها، أظهرت عالمة النفس “بولا ديفيس لاك” أنَّ هناك عشرة أشياء يفعلها الأشخاص السعداء بشكل مختلف عن الآخرين:
1- يحيطون أنفسهم بنسيج إجتماعي قوي. وتعتبر هذه الإتصالات والعلاقات بمثابة حاجز متين ضد الإكتئاب.

2- يمارسون أنشطة تناسب نقاط قوتهم وقيمهم وطريقة حياتهم. ويتصرفون وفقًا لأهدافهم العاطفية ولمشاعرهم.

3- يعبرون عن امتنانهم، إذ أن الامتنان يعتبر مفيداً للجسم، حيث يساعدك على إدارة التوتر والصدمات بشكل أفضل ، ويحسن الشعور بحب الذات وتقديرها عندما تدرك مقدار ما أنجزته بالفعل ،

وغالبا ما يساعد في طرد المشاعر السلبية.
4- يتعاملون مع الحياة بطريقة متفائلة ، ويركزون وقتهم وطاقتهم على ما يمكنهم التحكم فيه. إنهم يعرفون كيفية المضي قدما إذا لم تنجح بعض الاستراتيجيات، فهم يدركون أن “هذا أيضا سيمر”.

5- يعرفون أنَّ فعل الخيرهو أمرٌ جيد ومفيد، حيث نجد أنَّ الأشخاص السعداء يساعدون الآخرين من خلال التطوع والأعمال الخيِّرة.

6- يعلم الأشخاص السعداء أن الثروة المادية لا تشغل سوى جزء صغير من المعادلة. هم ينظرون بطريقة صحية إلى الفرح الذي يمكن أن تجلبه لهم الممتلكات المادية.

7- لقد طور هؤلاء الأشخاص استراتيجيات سليمة لإدارة تقلبات الحياة. هم يواجهون بالتأكيد أوقاتًا مرهقة في حياتهم لكنهم تدربوا على تطوير استراتيجيات مربحة للتغلب عليها.

8- يركّز الأشخاص السعداء على الصحة. فهم يعتنون بأجسادهم وعقولهم ويعرفون كيفية إدارة ضغوطاتهم. أنهم يتصرفون واقعيًّا كأشخاص سعداء، هم يبتسمون ويستثمرون في الأشياء ويجلبون أعلى مستوى من الطاقة والحماس لما يفعلونه.
9- ينموّن مشاعرهم الروحية. وفقًا ليوبوميرسكي، يشير المزيد من الباحثين إلى أن الأشخاص المؤمنين هم أكثر سعادة وصحة ويتعافون بسهولة أكبر من الصدمات مقارنة بالعلمانيين.

10- هم أناس يعرفون إلى أين يذهبون. يُعدّ المضي قدمًا بهدف الحصول على حياة ذات معنى أحد أهم الاستراتيجيات التي يستخدمها الأشخاص السعداء.

خامسًا: مفهوم ” الإمتلاك أو الكينونة” avoir ou être وبناء السعادة
أمتلك أو أكون؟ هذه المعضلة التي طرحها إريك فروم ليست جديدة. لكن بالنسبة للمؤلف ، فإن الاختيار الذي ستقوم به البشرية بين هذين النمطين من الوجود يعتمد على بقائها ذاته. لأن عالمنا يهيمن عليه بشكل متزايد شغف “الإمتلاك”، فهو يركز على الاستحواذ، والقوة المادية ، والعدوانية ، في حين أن طريقة الوجود، القائمة على الحب، والإشباع الروحي، ومتعة مشاركة الأنشطة الهادفة والمثمرة، هي فقط التي ستنقذ البشريّة. إذا لم يدرك الإنسان خطورة هذا الاختيار، فإنه ذاهب بسرعة كبيرة نحو كارثة نفسية وبيئية غير مسبوقة … »

إنَّ الأشخاص الخائفين والمترددين الذين هم من النوع الذي يفضل الإمتلاك avoir، يحبون الأمان، لكنهم يعيشون في حالة من انعدام الأمان. أنهم يعتمدون على ما لديهم: المال، الهيبة، أنفسهم، بعبارة أخرى يعتمدون على شيء خارج عنهم. إذا كنت ما لدي أو ما أملك، واذا فقدت ما لدي أو ما أملك، فمن أنا؟ أنا لا شيء سوى شاهد مهزوم ومتضائل ومثير للشفقة بطريقة حياة خاطئة. ولأنني من الممكن أن أفقد ما لدي، فأنا قلق باستمرار من أن أفقد ما لدي.

ففي حين أن نمط الإمتلاك يعتمد على الأشياء التي تتضاءل جراء الاستعمال، فإن نمط الكينونة “أن اكون” ينمو بالممارسة، حيث تزداد القوى العقلية، قوة الحب، قوة الإبداع الفني والفكري من خلال المسار الذي تعبر عنه كل هذه القوى. ما يتم إنفاقه في حالة الكينونة، لا يضيع، بل على العكس من ذلك تمامًا، نفقد ما يتم الإحتفاظ به. في النمط “الكينوني” فإن أماني النفسي لا يتعرض للتهديد إلا من الداخل: أي بسبب عدم ثقتي بالحياة، أو عدم أيماني بقدرتي الإنتاجية، بسبب ميولي المرجعية، بسبب كسلي الداخلي وبسبب رؤية الآخرين يسيطرون ويستولون على حياتي. ولكن هذه الأخطار ليست متأصلة في النمط الكينوني”etre”، لأن خطر الخسارة الحقيقية يظهر في النمط التملكي « avoir ».

لكننا لا يمكن أن ننكر أهمية الإمتلاك « avoir » في حياة الفرد لأننا بالغريزة، نحن نملك جسدًا، عقلاً، روحًا كما نملك أبوين. لذلك لا يمكن للإنسان إلا أن “يملك”، إن إظهار أن “الإمتلاك” هو شر وشيء سيء لا يعكس الواقع بشكل حقيقي، لأن الإنسان بحاجة للإمتلاك كي يكون سعيدا، فقط الأبطال والقديسون هم الذين تركوا كل شيء، أهلهم، ممتلكاتهم، وكل الأشياء المادية، كي يعيشوا قناعاتهم ومعتقداتهم واختاروا النضال لتحقيق السعادة. الإمتلاك بحد ذاته إذًا ليس بالشيء السيء ولكن ما يضر بسعادة الإنسان هو الشعور الدائم بأنه لا يمكنه تلبية حاجاته وتطلعه الدائم لإشباعها. تكمن الخطورة إذا بالإحساس القوي بالنقص الناتج عن عدم إشباع هذه الحاجات. ولكن الإنسان المتوازن يستطيع أن يوائم ويحقق التوازن بين “الإمتلاك” و “الكينونة” وحتى “الصيرورة”، وبهذه الطريقة يتمكن من تحقيق درجة معينة من السعادة المستقرة والدائمة.

الخاتمة:
السعادة إذا ليست غياب الصعوبات. إنَّ الأساطير والحكايات تشرح هذه المقولة بأكثر الطرق وضوحًا حيث تعتبر أن السعادة ليست في الجنة، بل هي في الوعي الذي يشكل الحالة البشرية، ومن خلال هذا الوعي، مواجهة العبثية. فالوجود ليس له معنًى خارج نفسه ونكران الذات هو المبدأ الأول لعدم الإغتراب الذاتي، والسعادة ليست أبدا في “الأنا” بل في ال “نحن”، نسعى إليها في اعماق قلوبنا وعقولنا وأرواحنا.

This website uses cookies to improve your experience. We'll assume you're ok with this, but you can opt-out if you wish. Accept Read More

Privacy & Cookies Policy