خارطة البحث عن محمد المحمد والياس الحداد في أنطاكية.. هكذا تمّ العثور عليهما

مَن كان ليتخيّل أنَّ فندق أوزهان في أنطاكية سيصبح جزءاً من تاريخ لبنان الأسود. تحت رُكام هذا المبنى الضَّخم قضى لبنانيّان هما الياس الحداد ومحمد المحمد وبين أنقاضِه سَهِر أصدقاؤهما وأقرباؤهما ليالٍ في انتظار خبرٍ عنهما.
خطورةُ هيكل المبنى لم تمنَع باسل حبقوق من السير بين دهاليزه علَّه يساعد فرق الإنقاذ على الوصول إلى رفيقه الياس، وخطرُ الإنهيار لم يوقِف جعفر المحمد عن البحث في الحُفر التي خلّفها الزلزال علّه يلمحُ شعرةً لأخيه محمد.
صعوبةُ الإنتظار التي عاشتها عائلتا الحداد والمحمد في لبنان وفي تركيا توازي بقساوتها لحظات الخوف على مصيرهما منذ وقوعِ الزلزال المدمّر. مشاعرُ اختلطت بأملِ العثور عليهما أحياء على الرّغم من فداحةِ المشهد. ومع انقضاء الأيام اضمحل الأمل بالحياة وتقدّم عليه الحلمُ بالعثور عليهما ولو جثمانين لإعادتهما إلى ذويهما.
لكنّ ساعات البحث التي أمضتها الفرق التركيّة لم توصل إلى أي نتيجة كون العمليّات ركّزت على انقاذ الأحياء، وبقعةّ الفندق لم تبعث بأي إشارة حياة. فلم يجد محبّو الياس ومحمد الذين سافروا إلى تركيا خصيصاً للبحث عنهما سوى الإستغاثة عبر الإعلام بالدفاع المدني اللبناني للمساعدة، ذاكرين إسم يوسف الملّاح بالتحديد. على الفور تلقّف 13 متطوعاً على رأسهم الملّاح، النّداء، وبمبادرة شخصيّة انطلقوا من بيروت نحو انطاكية لمساعدة أبناء بلدهم.
مع وصول الفريق إلى تركيا اختار لنفسه إسمَ “الأرز” بعدما طلبت إليه هيئة الكوارث التركيّة “أفاد” التعريف عن المنظّمة أو الجهة التي يتبع لها من أجل تحديد موقعه على الخارطة. وهنا يقول أحدهم ل LebanonOn أن حضور ال 13 إلى تركيا كمتطوّعين زاد من تقديرِ الجانب التركي لهم ومن تعاون “أفاد” معهم.
كانت مهمّة الفريق محفوفةً بالمخاطر والمصاعب لكنها مثمِرة، إذ نجح خلال أقل من 48 ساعة من وصوله بالعثور على الياس وفي اليوم الرّابع عثر على محمد.
عمليّة البحث عن محمد كانت معقّدة إذ استغرقت ستة وثلاثون ساعة بعد حفرِ الأنفاق والزحف في أعماق الفندق كون غرفته التي كانت تقعُ في الطابق الأول انخفضت على مستويين تحت الأرض نتيجة الزلزال. حجمُ الدمار وخطورة الموقع صعّبا المهمّة لكنّهما لم يوقِفاها وما ضاعف الشكوك بأن محمد لم يغادر غرفته هو ردُّ شقيقه على سؤال أحد المتطوّعين له بالقول إنّ “نوم محمّد عميق وإذا نِزلت حدّو قذيفة ما بيفيق”. عندها أصرّ فريق الإنقاذ اللبناني على مواصلة أعمال الغوص في الغرفة إلى أن ظهرت معالم دماء وجنبَها يدٌ تبيّن أنها لمحمّد. لكنّ عمليّة انتشالِه لم تكن أسهَل بكثير من العثور عليه إذ استغرقت 18 ساعة بسبب حجم الردميّات.
18 ساعة، حفرَ فيها المتطوّعون اللبنانيون بأياديهم وبمعدّات بسيطة لكنّ تعقيدات المكان استدعت منهم الإستعانة بمعدّات هيدروليكية لدى “أفاد” لمتابعة الأعمال.
أمّا البحث عن إلياس فقد استغرق وقتاً أقل وخلال ثماني ساعات تمكّن الفريق من تحديدِ موقعه بعدما شكّلت الإحداثيات التي أعطاها صديقه باسل عنصراً مساعداً أساسيّاً. سؤل الأخير عن المسافة التي يعتقد أنها كانت تفصل بينه وبين الياس فقدّرها بأربعة أمتارٍ تقريباً. على هذا الأساس استُكمل البحث خلف الحفرة التي عُثر فيها على باسل إلى أن وُجدَت جثة الياس الذي استغرق انتُشالُه من تحت كميّات كبيرة من الرّدم، حوالى الساعتين.
يروي المتطوّع يوسف الملّاح بأن الفريق تلقى أكثر من تحذيرٍ لمغادرة الفندق بسبب خطورة العمل فيه وإمكانية سقوطه، ويضيف أنَّ عملية هدم إحدى وجهات الفندق كانت قد بدأت أثناء تواجدهم فيه. لكنّ الفريق أصرّ على استكمال المهمّة إلى حين تحقيق الهدف المنشود وقد عَثَر على محمد قبل بدء عملية هدم وجهةٍ أخرى من الفندق.
إذاً خلال أربعة أيامٍ تمكّن المتطوّعون من تبديدِ قلق أسبوعٍ عاشته عائلتا المحمد والحداد. مهمّة المتطوّعين ال 13 أجابت على كل التساؤلات حول أماكن تواجد محمد والياس لحظة الزلزال. هل حاولا الهروب؟ أين أمضيا لحظاتهما الأخيرة؟ هل حصلت الوفاة على الفور وما الذي تسبّب بوفاتهما؟
بإعادة الشابين اللبنانيين من تحت الرّكام في أنطاكية إلى لبنان، علّق الفريق اللبناني وسام بطولة ونخوةٍ جديدة على سجل متطوّعي الدفاع اللبناني. فبفضلهم عاد الياس ومحمد إلى وطنهما ليناما قريري العين قرب الأحبّاء الذين يرفعون لهما الصلوات كلما أشرقت الشمس والذين سيتمكّنون من زيارتهما كلّما اشتاقوا إليهما.
لارا الهاشم -lebanonon