كأنّ الكورة الخضراء لا تكفيها مشكلاتها البيئيّة المستجدّة وقد تكّدست على طرقاتها النفايات. وكأنّ بلدة بزيزا لا يكفيها ما عانته لسنوات من معمل الجفت الذي كان ينفث سمومه في سماء المنطقة، لتكابد منذ نيسان الماضي ما هو فوق قدرة الانسان على الاحتمال جرّاء روائح كريهة قاتلة وسامة تفوح من كل جانب، وتكاثر الذباب والبرغش والحشرات في عزّ موسم الحرّ، من مزرعة بقر في السهل المجاور للمنطقة السكنيّة.
إزاء هذا الواقع الوخيم، وجّه الأهالي عدّة نداءات استغاثة وإلى الآن ليس من مجيب، فطفح كيلهم وقد حرموا كباراً وأطفالاً من إمكانيّة فتح نوافذهم ولو ليلاً لاستنشاق نسمة هواء عليل ونقيّ. وقد باتوا محاصرين وقد أحكموا إقفال كل منفذ ليتّقوا شرّ الروائح وهم الذين لطالما تعوّدوا فتح أبوابهم والنوم على السطوح.
المزرعة الواقعة في العقار رقم ٦٥٠ جنوب غرب بزيزا، سبق أن استحصلت على رخصة بشأن إدرار الحليب وإنتاج مشتقاته لتتحوّل لاحقاً بسحر ساحر إلى تربية العجول، في تجاوز لأبسط المعايير العامة للسلامة البيئيّة التي تؤدي إلى نتائج بيئيّة وصحيّة غير سليمة. ورغم فتح باب الحوار مع صاحب المزرعة ومن بعدها رفع الشكاوى، لا زالت الامور على حالها.
في هذا الاطار، يذكر انّ الأهالي وقّعوا على عريضة مهرها المختار وفق الأصول رفعت إلى قائمقام الكورة، استتبعت بملاحقة من المجلس البلديّ وبشكوى من قبل أحد المواطنين أودعها محافظة لبنان الشمالي، بغية إيقاف انبعاثات السموم الحاملة للأوبئة والأمراض، دون أي جدوى.
وها أنّ أهل البلدة التي ترتاح فيها النواويس الأثريّة والمطاحن المائيّة العتيقة، يخشون من ازدياد نسبة الإصابة بالأمراض واضطراب الأعصاب، بالإضافة إلى أمراض الجهّاز التنفسيّ والعقم، وهي تنتج من التلوّث المستفحل في الهواء.
وهم اليوم يناشدون المعنيين في اتحاد البلديّات في قضاء الكورة، والقائمقام، ومحافظ الشمال، ويخصّون ابنة الشمال وزيرة الداخليّة والبلديّات، ووزارات الصناعة والزراعة والبيئة والسياحة والصحّة، التدخل الفوريّ لرفع الضرر ووقفه، فأهلها غير راغبين بالهجرة وبيع منازلهم.
المفارقة أنّ البلدة التي تلوّثها هذه المزرعة، سبق للدولة اللبنانيّة أن أصدرت طابعاً بريدياًّ حمّلته رسم معبدها الروماني الذي استقطب، ولا يزال، الكثير من السياح وعلماء الآثار والمستشرقين والرسّامين الأجانب، منهم أرنست رينان، ولابورد الذي رسم الهيكل الأثري بحجارته الضخمة وأعمدته المتعالية.
المفارقة الأدهى أنها بلدة سياحيّة وأثريّة، لدرجة أنّ أيّ رخصة سكنيّة تتطلّب كشفاً ميدانيّاً مسبقاً وخاصّاً من دائرة الآثار في وزارة الثقافة.