الرئيس المقبل للجمهوريّة اللبنانيّة: جولة على الاحتمالات الجديّة

كتب فارس خشان في “النهار”
ترك تحريك العملية الدستورية في العراق بعد “تجميد” طويل آثاره الايجابية في “بورصة” الانتخابات الرئاسية في لبنان، انطلاقًا من تأثّر البلدين بعوامل متشابهة أقلّه لجهة المرجعيات الاقليميّة والدوليّة التي تتدخّل في صناعة القرار السياسي، ونظرًا لتزامن “المفاجأة” العراقية مع سحب الولايات المتحدة الاميركية كل العوائق التي كادت تعرقل اتفاق الترسيم الحدودي البحري مع إسرائيل.
واذا كان مستحيلًا الاعتقاد بأنّ ما حصل في العراق لم يكن نتاج تفاهم خارجي مع ايران، فإنّ هذه الاستحالة تسحب نفسها على اتفاق الترسيم الذي ما كان ممكنًا لولا اعطاء الضوء الاخضر الايراني ل”حزب الله”، على أساس أنّ اتفاق الترسيم يحمل في طيّاته أبعادًا أمنية وعسكريّة لها انعكاسات طويلة المدى على “جبهة الابتزاز الاقليمي” التي طالما تمركزت في الجنوب اللبناني.
لكنّ الآمال بانفتاح الأفق السياسية اللبنانية على انتخاب رئيس للجمهورية يخلف الرئيس الحالي ميشال عون الذي تنتهي ولايته في الساعة صفر من الحادي والثلاثين من تشرين الأوّل/ اكتوبر الجاري، لن ينزل “بردًا وسلامًا” على القوى التي ترفض وصول رئيس “توافقي” الى القصر الجمهوري، لأنّ المعايير التي تتحكّم في المنطقة، في هذه المرحلة، تأخذ في الاعتبار كلمة “أذرع ايران” التي أعادت تموضع نفسها، اذ انتقلت من موقع المواجهة الى منطق المقايضة.
ولهذا، فإنّ الرئيس المحتمل للجمهوريّة اللبنانيّة، ومهما ارتفعت حدّة التصدّي، لن يستطيع العبور الى قصر بعبدا، من دون عباءة “حزب الله” الذي لن يرضى، بدوره، أن يتجاوز مصالح حليفه “التيّار الوطنيّ الحر” الذي أعطاه، خلال سنوات طوال، الكثير على المستوى الاستراتيجي، متيحًا أمامه كلّ ما كان يحتاجه من فرص لترسيخ هيمنته على البلاد.
وعليه من يمكن ان يكون الرئيس المقبل للجمهوريّة؟
حتى تاريخه لا يوجد مرشّح جدّي معلن سوى النائب ميشال معوّض. منافسوه مجرّد “افتراضات” ويحاولون تعزيز حظوظهم بحراك نشط يتولونه في الكواليس، بعيدًا عن “الأضواء الحارقة”.
لكن من الواضح أنّه، طالما هناك، في ضوء التطورات الأخيرة، تعزيز للخلل الحاصل في ميزان القوى، لن تكون لمعوّض، حتى لو ثابرت الأطراف التي تتبنّاه على دعمه، حظوظ حقيقية في الفوز برئاسة الجمهوريّة، اذ إنّ الأطراف التي ترفض وصوله، ويقودها “حزب الله”، قادرة على فرض ارادتها.
في المقابل، فإنّ المرشّح “المكتفي بالتلميح” سليمان فرنجية الذي يعتبر منافسًا سياسيًا ومناطقيًا لميشال معوّض، ولو كان الأقرب سياسيًا الى “حزب الله”، يعاني من “فيتو” رفعه في وجهه “التيّار الوطني الحر” الذي لا يريد “حزب الله”، حتى تاريخه، أن يخسره.
وهذا يعني أنّ فرنجية لا يتمتّع، حتى ضمن الفريق الأقرب إليه، بصفة التوافقية، ليتم تقديمه لسائر اللبنانيين على أنّه “مرشّح التسوية” الذي يرفع “حزب الله” لواءه.
من يبقى في الميدان؟
اذا أريد للرئيس المقبل أن يكون ذا وجه مالي- اقتصادي كما هي عليه طبيعة الكارثة التي يعيش فيها اللبنانيون، فهناك اسمان يتقدّمان، وهما:المصرفي الدولي سمير عسّاف، صديق الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، ووزير الماليّة السابق جهاد أزعور، صاحب الباع الطويل في صندوق النقد الدولي الذي سيكون “رفيق” لبنان “الاضطراري” في المرحلة المقبلة.
ولكنّ المشكلة في هذا الطرح لا تكمن في أنّ”حزب الله” بعدم فتح ذراعيه لأزعور، يُعزّز حظوظ عسّاف المقرّب من الرئيس الفرنسي الأكثر “جرأة” في التعامل مع الحزب، بل في أنّ هذا الحزب لا يرتاح مطلقًا الى قادة يريدون تسخير السياسة لمصلحة المال والاقتصاد، لأنّه صاحب نهج طالما استخدم الاقتصاد في خدمة السياسة.
وعليه، فإنّ العيون تشخص نحو مرشّحَيْن مضمرَين آخرَين، وهما: قائد الجيش العماد جوزف عون والوزير السابق زياد بارود.
بالنسبة للعماد عون لم تقدّم سنوات خدمته واقعة جدّية واحدة تبيّن أنّ هناك مشكلة بينه وبين “حزب الله”.
وقد سبق أن رفع حظوظه ليكون مرشّحًا توافقيًا اعلان رئيس “حزب القوات اللبنانيّة” سمير جعجع، صاحب القوّة النيابيّة المسيحيّة، استعداده لانتخابه.
لكنّ مشكلة عون تكمن في أنّ “التيّار الوطني الحر” لا يرتاح الى خياره، وقد دخل رئيس هذا التيّار في مواجهة “مضبوطة” أكثر من مرّة مع قيادة عون ووجّه لها انتقادات.
وليس خفيًّا على أحد أنّ عون كان قد احتضن أشخاصًا انفصلوا عن “التيّار الوطني الحر” أو جرى فصلهم منه.
وفي حال لم تجسر المصالح الهوّة التي تفصل “التيّار الوطنيّ الحر” عن العماد عون، فإنّ حظوظه في الوصول الى رئاسة الجمهورية، تهبط الى ما دون مستوى النجاح.
ويريد “حزب الله” ان يكون هذا التيّار شريكًا مسيحيًّا قويًّا في العهد المقبل، أقلّه في الحقبة الأولى من هذا العهد.
ولن يكون استبعاد قائد الجيش من السباق صعبًا، لأنّ انتخابه، من دون تعديل الدستور، وعملًا بالاجتهاد الذي سمح بوصول العماد ميشال سليمان الى رئاسة الجمهورية، في العام ٢٠٠٨، يحتاج الى امتداد الشغور الرئاسي لمدّة أدناها ستة أشهر.
وهنا نصل الى الوزير السابق زياد بارود.
في الكواليس السياسيّة اللبنانية يتعاطون، بجدّية، مع إمكان أن يصل هذا “التوافقي المحتمل” الى القصر الجمهوري.
مشكلته تكمن في مدى قدرته على اجتراح معادلة تعينه على التوفيق بين مصالح خصمين في البيئة السياسية المسيحية: “التيّار الوطني الحر” و”حزب القوات اللبنانية”.
من دون شك، يعرف بارود أنّ حجمه السلطوي لن يكون كبيرًا، ولكن التسليم بحجمه المحدود لا يحلّ المشكلة، اذ إنّ “حزب القوات اللبنانية” سيقف في وجهه اذا مال ل”التيّار الوطني الحر”، و”التيّار” لن يتحمّس له اذا لم يتعهّد بأن يوفّر له استمراريّة مكاسب العهد الذي دخل في اسبوعيه الأخيرين.
ولهذا، فإنّ الكلمة الفصل سوف تكون للضغوط الخارجية، فمن سوف يتبنّى “الغرب” من الشخصيات التي تحظى ببركة “حزب الله” ليعمل على “تمريره”؟
الأيّام القليلة المقبلة من شأنها توضيح الصورة أكثر، أمّا تشخيص الحال، وفق معطيات هذه اللحظة، فتظهر الآتي: إذا كانت هناك، كما تنطق الألسن الغربيةّ، عجلة لانتخاب خلف لميشال عون فحظوظ قائد الجيش تتدنّى، لترتفع حظوظ زياد بارود الذي قد يخشى على نفسه من تفاهم جديد بين فرنسا و”حزب الله”، شبيه بصفقة تسليم مرفأ بيروت، على الرغم من شدّة المنافسة،الى باريس التي تتولّى هي أيضًا مهمّة التنقيب عن الغاز، وتلعب الدور الأبرز في “اليونيفيل” التي حظيت، بموجب قرار مجلس الامن الأخير، بحريّة حركة مطلقة.