
كتب الدكتور جورج كلاس:
أي مهمة للجامعات في إنقاذ لبنان ؟
~
تتكثف المبادرات الهادفة الى اطلاق مواقفَ وتحذيراتٍ و طرح رؤىً إنقاذيةً للتعليم العالي و إعادة رسم صورةِ لبنانَ الحضاريّة والفكرية في أبعادها التلاقويَّةِ والحواريّة على صعيد القِيَمِ والرسالة الإنسانية و تراكُم الثقافات ، من منظور أكاديمي حضاري يأخذ على مسؤوليته تحصين وظيفة الجامعات و يعيد الزخم الى إسهاماتها الواسعة في بناء الأوطان و تنشئة المجتمعات وتعزيز موروثها العلمي و تأهيلها معرفياً لأن تكون على مستوى المرحلة والتحديات التي تعترض الاوطان في مسيرتها التاريخية و مسارها المستقبلي.
ثَمَّةَ أَسئلة محورية تُطْرَحُ حولَ دورِ الجامعات ِ اللبنانية العريقة ، في إنقاذ ِ لبنانَ من المسار ِ الإشكاليِّ والإنحداريِّ الذي يتهدَّده على الصُعُدِ السياسية الراهنة، والقضايا الوطنية الحادًَة ، وهبوط مستويات (التعليم العالي ) وتشويه صورتِه و تسليع وظيفته وإغتيالِ دورِه…!
إنَّ واحدةً من أبرزِ المعادلات السلبية ، التي تعترض ُ مسيرةَ لبنان الدولة ، هي : الحضور ُ السليطُ للسياسيين ، مقابلَ الغيابَ الدامِسِ للمُثَقَّفينَ والإستراحةِ التقاعُسيَّةِ للأكاديميين الذينَ صمتوا على الغلط وسكتوا على الخَطأ وخرِسوا عن الانتصار للحَقِّ ، و كأنّهم أصبحوا من مُكَمِّلاتِ المجتمع بدلَ أن يكونوا في اساسيات ِ الوطن…!
ففي الوقت الذي صار فيه المجتمع اللبناني بصيغته (الفريدة) ، جماعاتٍ لبنانيةً تتلَطّى بهوياتها المذهبية وتستَظِلُّ خصوصياتِها المناطقية ، وتحتمي بتاريخها على حساب مستقبلها ، تَبرُزُ بقوَّةٍ إستقالَةُ المفَكِّرُ والمثقّفُ والأكاديمية اللبناني من دورهِ وهروبهُ من واجبه ، وترْكِ الأمورِ بكلِّ مُعضِلاتِها وشوائكها للسياسيين المُحترفين ، الذينَ وجدوا أنفسَهُمُ وحيدين ومتروكين و مطلقي التصرف بالكبيرة والصغيرة ، فغابَ دور المثقّفُ الناقِدُ الذي هو من ضرورات الحياة الديمقراطية ، وحضرَ مكانَه هُواةٌ وتُجَّارُ مواقفَ وطارئونَ على السياسةِ وأُمِّيُّو مواطنة ،. زادوا الصورة تشويها و تزويرا وتبدُّل إتحاهات. وهذه إحدى التُهَمِ التي تُصَوَّبُ بِقُوًَةٍ على كُلِّ عارِفٍ وعالمٍ قادرٍ أنْ يُقَدِّمَ مشورةّ نَقديَّةً أوْ إصلاحيّة تُسْهُمُ بردمِ هُوَّةٍ أو بناء ِ جِسْرٍ أوْ مَنْعِ إنهيارِ سَقْفٍ تَسْتَظِلُّهُ { الكياناتُ اللبنانية} بنوعيَّاتها وتنوُّعاتها الغَنِيَّة ، فكراً وتاريخاً وتراثاً ومبادراتٍ. فَهَلْ تُبادِرُ الصروح ُ والجامعاتُ اللبنانية ُ العريقةُ لِتُعْلِنَ { بيانها الوطني } وتُقَدِّمَ إمكاناتها وجهوزيَّتها لإنقاذ لبنانَ من المخاطر الداخلية والخارجية ، في زمن يصرخ فيه لبنان محذرا و مستغيثا..؟!
فكيفَ لوطنٍ أنْ ينهضَ من كبواتِهِ و عثراته من دونِ جامعات تحمي مواقفه وتدافعَ عن قضاياه ؟
وكيف لمجتمعٍ أن بستعيدَ عافيته وليس َ عِندَه قاموسُ مُصطَلحاتٍ ومفاهيم مُوَحَّد أوْ واحِد حول ( العدو، الكيان ، الاستقلال، التحالفات، المقاومة،السيادة ،الكرامة ، الديمقراطية والحرية…. ) ؟
كيفَ لشعْبٍ أنْ يتقاربَ ويَتَّحِدَ ويتقوّى بنفٍسِهِ وليس عندهُ (عقيدة ٌ وطنية ٌ) نعتنقها وندافعُ عنها و نلتقي حولها ونفاخِرُ بها ؟
نحنُ أمسَيْنا شعباً بلا عقيدة ، تَبَعِيّاً مَرّةً و مَغْزِيَّاً مراتٍ كثيرة !
في الأمس العربي واللبناني ، كانت الجامعات العريقة ، منارات فِكْرِيِّة أضاءت النهضة الفكرية العربية وحَدَّثَتِ المفاهيم وقرّبت بينَ الثقافات ، وطوَّرت نظرةَ الحُكْمِ وحَسَّنت أَحوالَ رعايا الكثير من أبناء البلدان ، ودافعت عن اللغة العربية لُغَةً وحضارة ً وديناً وتراثاً وتاريخاً ووجوداً مُستَقْبلِيّاً …!
واليومَ من الواجب أن نسأل : أليسَ من حقِّ لبنان َ على كلٍ الجامعات العريقة و الرصينة، أن تُبادرَ الى رسم ِ خُطّةٍ للخروجِ من الضائقة التي تَشُدُّ على أعناق الوطن ؟ وأنْ تطرحَ هذه الصروحُ رؤيتها لِمُستقبلِ لبنان ، في زمن يكثر فيه الحديث عن مشاريع ترسيم كيانات وإعادة تصحيح حدود و محاولة تركيب موزاييك جديدة لشعوب المنطقة ؟
و مع غياب الثقافة النقدية ، وَجدَتْ الأكاديميا نفسها في وَضعٍ سياسي مأزوم ، فعجزت عن طرح أسئلة و تقديم إجابات ٍ وعناوينَ صَلْبةً تُشكِّلُ بخطوطها وتفصيلاتها وهمومها ، مَدْخلاً إلى فَهْمٍ أَعْمَقَ للمشاكل والتحديات التي تواجِهُ التعليم العالي اللبناني بكيانيّته ودورِه وإنتظاراته…!
والمأمولُ أن تُشكّلَ أفكارُ المسؤولين الاكاديميين وطروحاتُهم ، باقةَ مُقترحاتٍ بنْيَويّةً ، برَسمِ النهوض ِ بالأكاديميا و تفعيل ِ دور الجامعات في إعادة بناء الثقة بلبنان…!
إنّ ما يتطلبه لبنان في هذه المرحلة الدقيقة من وجوده هو أن يتداعى الأكاديميون والمفكرون الى إعلان ( مانيفستو لبناني )، يُبنى عليه لتكون الجامعات ، مُستشارَ الجمهوريّة و ضميرَها ورأسَها المرفوعِ أبداً.
و مع كلّ الاحترام والتقدير للجامعات الجديدة الرصينة ، فإنني أُمَيِّزُ جِدّاً بين { جامعات التفكير والتثقيف} ودورها التفاعلي، و { معاهد التلقين والتخَصُّص } ووظيفتها العمليّة. فلكل صرح موقعه و مسؤولياته ، ولكل جامعة دورها ، في صياغة بنود هذا المانيفستىو الذي ، لَوْ أُعلِنَ فسيكون مُسَوَّدة مشروع #لبلاغرقمواحد عنوانه ( إنقاذ لبنان )..!
الدكتور جورج كلاّس
رئيس لجنة الإعتراف بالدراسات ومعادلة الشهادات