على رغم أنّ مسألة عودة النازحين السوريين الى بلدهم مرتبطة بعوامل وقرارات خارجية عدة، من مصالح الدول الإقليمية والدولية وصولاً الى الحلّ السياسي، إلّا أنّ التجاذب اللبناني الداخلي حال بدوره دون تحقيق أيّ تقدّم جدّي وفعلي في هذا الملف. وفي حين تركَّز الخلاف بين القوى السياسية المكوّنة للحكومات السابقة حول جدوى التنسيق مع سوريا لتأمين عودة أبنائها، تؤيّد المرجعيات السياسية، التي تتبع لها حكومة الرئيس حسان دياب هذا التنسيق، فيما أصبحت القوى المناوئة له خارج السلطة. فهل تُنسّق «حكومة مواجهة التحدّيات» مع دمشق لحلّ هذه القضية؟ وهل يُمكنها خرق «الفيتو» الغربي والعربي على التعامل مع نظام بشار الأسديرى فريق 8 آذار الذي يُشكّل الحكومة الحالية، أنّ التنسيق مع سوريا عموماً هو أمر ضروري، وبات ملحاً في ظلّ الأزمة الإقتصادية ـ المالية الراهنة، على أكثر من صعيد، إذ لا حدود برية «يتنفّس» منها لبنان زراعياً وتجارياً وسياحياً، إلّا مع سوريا.
كذلك تعتبر هذه القوى أنّ المدخل الأساس لإعادة النازحين السوريين الى قراهم وبلداتهم هو التنسيق والتواصل مع دمشق.
ويُؤيّد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون و«التيار الوطني الحر» وجهة النظر هذه. وسبق أن لوّح عون للمجتمع الدولي بورقة التنسيق مع الأسد، من على منبر الأمم المتحدة. إلّا أنّ هذا «التلويح» لم يتظهّر الى الآن، لا بتنسيق لبناني رسمي مع سوريا، ولا بتبدّل الموقف الغربي تجاه هذه العودة التي يربطها بالحل السياسي الشامل.
ويعتبر عون، أنّ تكلفة وجود النازحين في لبنان من الأسباب التي أدّت الى الأزمة الراهنة، وقال في مقابلة لمجلة Valeurs actuelles الفرنسية، خلال الشهر الماضي، «إنّنا لسنا في حاجة الى مساعدة استثنائية، بمقدار ما لنا الحق في أن نستعيد من الدول التي اشعلت الحرب في سوريا، جزءاً من الـ25 مليار دولار التي تكبّدها لبنان من جرّاء هذه الحرب والنزوح السوري اليه».
ويؤكّد مطلعون على موقف عون، إنّه يراعي كلّ النواحي الإنسانية للنازحين، إلّا أنّ هناك معاناة إنسانية أيضاً لدى اللبنانيين، ويفرض الواجب الوطني حلّ هذا الملف. ويؤكّدون أنّ التشديد على العودة لا يشمل النازحين لأسبابٍ سياسية، مشيرين إلى أنّ هناك 4 أنواع من النازحين:
– نازحون لأسباب سياسية، هم مضطهدون من النظام ويخافون العودة.
– نازحون لأسبابٍ إقتصادية، يأتون كلّ شهر الى لبنان يحصلون على المساعدات ويعودون الى بلدهم ويعملون.
– نازحون مُهرِّبون للبضائع.
– نوع رابع من «النازحين» برز أخيراً، حيث يتوجّه سوريون من بلدهم نحو المعابر الشرعية، وحين يصلون الى الحدود السورية ـ اللبنانية، يمزقون أوراقهم الرسمية وباسبوراتهم ويقولون: «نحن نازحون».
ويوضح المطلعون على موقف عون، أنّ «هذا الملف وصل الى مستويات خطيرة، وأنّ الأعداد الهائلة من السوريين الموجودين في لبنان، وتقارب المليونين، يستهلكون المياه والكهرباء والخبز (المدعوم من الدولة)، فضلاً عن البنى التحتية… وانطلاقاً من هذا التأثير السلبي الكبير للنزوح على لبنان، يأتي إصرار عون وفريقه السياسي على العودة، وليس من أيّ منطلق عنصري أو سياسي، مثلما يقول المستفيدون من هذا النزوح والذين يتاجرون به سياسياً». كذلك ينطلق موقف عون، من «الإستهتار» الدولي بمعاناة لبنان، إن لجهة حجب المساعدات وإن لجهة عدم دعم العودة وتشجيعها.
وفي حين أعلن مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، أمس، عن أنّ الاتحاد سيستضيف مؤتمراً للمانحين حول سوريا في بروكسل في 29 و30 حزيران المقبل، لم يترك هذا الخبر تفاؤلاً لدى أكثر من جهة معنية. إذ إنّ مؤتمرات بروكسل السابقة لم تأتِ بالنتائج المرجوة لبنانياً، حيث لا يزال لبنان يرزح تحت وطأة النزوح منذ 2011 بلا أي مساعدات مؤثرة.
انطلاقاً من عدم الفاعلية الخارجية، يسعى عون وجهات عدة الى العمل داخلياً ومع السوريين لتحقيق العودة.
وأتت الخطوة الوزارية الأولى في الحكومة الحالية، في إطار ملف النازحين، من وزير الشؤون الإجتماعية والسياحة رمزي مشرفية، الذي زار سوريا خلال الأسبوع الجاري، والتقى عدداً من الوزراء السوريين، ومنهم وزير الإدارة المحلية والبيئة حسين مخلوف المكلّف ملف النازحين.
هذه الزيارة لم تُحدث الضجة التي أحدثتها زيارة الوزير السابق صالح الغريب لسوريا مباشرة بعد تأليف حكومة «الى العمل». آنذاك اشتعل السجال والأخذ والردّ بين القوى السياسية حول ما إذا تمّت زيارة وزير الدولة لشؤون النّازحين بمعرفة رئيس الحكومة حينها سعد الحريري وموافقته أم لا. وعلى رغم من تشديد الغريب بعد تلك الزيارة، على إيجابيتها، واعداً بأنّ لبنان سيقطف ثمارها، إلّا أنّ مفاعيل الزيارة زالت مع توقّف الجدل السياسي حولها.
فهل يحقّق مشرفية ما لم يتمكّن رفيقه في «الحزب الديموقراطي» من تحقيقه؟ وهل زار دمشق بقرار فردي أم بتكليف حكومي رسمي؟
تقول مصادر مطلعة على زيارة مشرفية سوريا، إنّ «الظروف السياسية الآن مختلفة، فلم يعد هناك «نقير ونقار» في مجلس الوزراء». وتضيف: «رئيس الحكومة الحالية، الذي استقبل السفير السوري في السراي الحكومي، ليس مُحرجاً مثل سلفه من زيارة أيّ وزير لدمشق».
وفي حين يرى مطلعون على هذا الملف، «أن لا فائدة من هذه الزيارات، وأنّ الأسد لا يريد إعادة النازحين، وإلّا كان حقق هذه العودة، ولما حاول مقايضتها بتنسيق رسمي مع الحكومة اللبنانية»، يؤكّد زوار دمشق أنّ «الإمكانات التي وضعتها سوريا ومنذ فترة لتحقيق هذه العودة، كبيرة وجدّية لدرجة صادمة».
ويقولون، إنّ «المدخل لتحقيق عودة النازحين، هو التنسيق مع الدولة الأم، لضمان أن تكون عودتهم آمنة وكريمة». وإذ لفت الوجود الكثيف والفاعل للأمم المتحدة في سوريا زوارها، يقول أحد الزائرين، إنّ «منظمات الأمم المتحدة يمكنها متابعة السوريين العائدين ومراقبتهم مثلما تفعل في لبنان».
وفي حين تؤكّد مصادر وزارية حالية، أنّ «الإنجاز على هذا الصعيد ممكن، على رغم أنّ الخلافات السياسية زرعت اليأس في نفوس الناس من معالجة أي قضية تشهد تجاذباً»، تقول مصادر وزارية سابقة عاملة على هذا الملف: «بغض النظر عن الموافقة على زيارة سوريا أو معارضتها، لكن حتى حكومة «اللون الواحد» لن تتمكّن من كسر «الفيتو» الدولي والتنسيق مع الأسد، وإذا فعلت ستُخلّص لبنان من مشكلة لتُدخِله في مشكلة أكبر، هذا إذا أمّن التنسيق العودة».
راكيل عتيق-الجمهورية