اخبار لبنان - Lebanon News

إطلاق كرسي الأخوة الإنسانية في حرم جامعة الكسليك

نظمت جامعة الروح القدس – الكسليك عبر تطبيق “زوم”، طاولة مستديرة شبكية بعنوان “الأخوة الإنسانية: لإعادة صياغة تاريخ العالم”، بمناسبة اليوم الدولي للأخوة الإنسانية واحتفالا بمرور عامين على توقيع “وثيقة الأخوة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك” التي وقعها البابا فرنسيس وشيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، بدعوة من الأمير محمد بن زايد وحضوره، في أبو ظبي في 4 شباط 2019.

وشارك في الطاولة المستديرة، السفير البابوي في لبنان المطران جوزيف سبتيري، المونسنيور الدكتور خالد عكشة، الشيخ الدكتور محمد نقري، الدكتور سعود المولى ورئيس جامعة الروح القدس – الكسليك الأب الدكتور طلال هاشم الذي أعلن إطلاق “كرسي الأخوة الإنسانية” في حرم الجامعة، مشيرا الى أن “مهمته تكمن في تعزيز إعلان الأخوة الإنسانية من خلال أنشطة وفعاليات وبحوث مختلفة يقودها، جنبا إلى جنب، الجسم التعليمي والطلاب.

مكتبي
أدارت اللقاء الإعلامية ريما مكتبي التي شددت على أهمية هذه الوثيقة، مشيرة إلى أنها “انبثقت من حاجة ماسة لتعزيز قيم التسامح والحوار، ونشر ثقافة المحبة، في عالم اشتدت فيه حدة الصراعات الدينية والسياسية. واليوم أكثر من أي وقت مضى، بات من الضروري القيام بمبادرات عالمية تساهم في تعزيز الوئام بين الأديان وزيادة الوعي حول القيم المشتركة، والعمل معا من أجل مكافحة شتى أنواع التطرف والانغلاق، من أجل مصلحة الإنسانية جمعاء”.

السفير البابوي
بداية، ألقى السفير البابوي مداخلة بعنوان “التزام متجدد على طريق الحوار بين الكاثوليك والاسلام”، رحب فيها “بهذه المبادرة التي قادتها الجامعة بهدف تسليط الضوء على مفهوم الأخوة في ظل الوضع الراهن الخطير، حيث يواجه جميع سكان بلاد الأرز تحديات شاقة تسبب لهم مصاعب لا توصف”.

وقال: “في حين ولدت الأزمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية الحالية تضامنا بين المواطنين والعائلات والجمعيات الدينية. ولكن، يبدو جليا أن الإرادة السياسية الصادقة والقوية لا تزال مفقودة لتنفيذ القرارات الضرورية، بشكل عاجل، ليس لمساعدة المواطنين للتغلب على خطر الفقر فحسب، بل لإنقاذ حقيقة فريدة من نوعها، هي لبنان. ففي الواقع، ومع غياب شعور الأخوة العميق بين القادة السياسيين والدينيين، كما بين المواطنين، يظهر خطر محدق بفقدان الهوية الخاصة التي تميز لبنان والمتجسدة في الحرية والعلاقات المشتركة المتجانسة”.

أضاف: “يذكرنا اتفاق أبو ظبي بأن الأخوة تعني تبني “ثقافة الحوار كطريق، التعاون المشترك كمدونة قواعد السلوك، الفهم المتبادل كأسلوب ومعيار”، لأفعالنا كلها. فهل القادة اللبنانيون مستعدون لتجديد التزامهم بهذا التحدي؟ تكثر الأمثلة السامية عن الأخوة في لبنان إضافة إلى لحظات قاتمة من النزاعات بين الإخوة. وتبقى الأفعال الإيجابية ثمرة الحدس الذي يجب أن يصقل بصبر، وهذا ما ينطبق، بدوره، على اتفاق أبو ظبي الذي كان ثمرة سنوات طوال من الحوار”.

ثم قدم لمحة تاريخية عن مراحل الحوار بين المسلمين والمسيحيين حيث “دفعت الحرب العالمية الأولى والثانية جهات عدة إلى العمل على تعزيز حقوق الإنسان الأساسية وحرياته العامة. في الستينيات، برزت الحاجة الملحة للحوار بين الأديان، وهذا ما بدأ مع البابا يوحنا الثالث والعشرين من خلال المجمع الفاتيكاني الثاني الذي صدر عنه إعلان عن علاقة الكنيسة مع الديانات غير المسيحية. واستكملت المسيرة مع البابا بولس السادس الذي وضع تصورا لكنيسة تكون في حوار دائم مع أبنائها ومع الديانات الأخرى والمجتمع العلماني، وصولا إلى البابا يوحنا بولس الثاني الذي دعا الكنيسة لتكون مدرسة شركة في خدمة الإنسانية جمعاء. أما البابا فرنسيس، فكان على يقين مع الشيخ أحمد الطيب، بأن الأعمال العسكرية وحدها لا تكفي لاحتواء مختلف أشكال التطرف، لا سيما الديني، بل وحدها ثقافة الأخوة المدعمة بحوار متواصل وتربية ومشاركة قادرة على مساعدة الإنسانية لتنمو بسلام، انطلاقا من إيمان الطرفين بأن المؤمنين من جميع الأديان وذوي النية الحسنة لا يؤيدون العنف ولا التطرف بل يعترفون “بالقاعدة الذهبية” لاحترام الآخر”.

عكشة
ثم تحدث عكشة من المجلس البابوي للحوار بين الأديان – قسم الحوار مع المسلمين، عن “الأخوة والمساواة والعدل: بين الطموحات والواقع”، معتبرا أن “وثيقة الأخوة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك” تؤكد على أمور أساسية، من المفروض أن تكون من البديهيات، كالمساواة بين الناس في الخلق والحقوق والواجبات، ولكن الواقع غير هذا. فما هي مظاهر الداء وما هو الدواء؟ الأخوة الإنسانية بلسم للكثير من الجراح”.

وقال: “إذا كنا متفقين على تساوي الناس في الكرامة والحقوق المتأتية عنها، فإننا نلاحظ، ليس فقط كثيرا من التفاوت بين الناس، بل غياب العدل في كثير من الأحيان. فقلة من البشر تستأثر بمعظم ثروات الأرض. وهناك من ينعم بالأمان والدفء، بينما يعيش آخرون في الخوف والقلق ومخيمات اللاجئين حيث ينقصهم الكثير مما يلزم لعيش كريم. وهناك من يتنعم بحقوق تضاف اليها امتيازات بسبب العرق أو الدين أو الطائفة، وغيرهم ممن يعاني من الظلم والتهميش والاضطهاد بسبب عرقه أو دينه أو طائفته. ولا ننسى صانعي الاسلحة وتجارها ومهربيها، الذين يصفهم البابا فرنسيس بأنهم يغمسون لقمتهم في دماء اخوتهم”.

أضاف: “من أين يأتي غياب العدل، وبالتالي عدم المساواة بين الناس الذين خلقهم الله إخوة وأخوات؟ الخير كما الشر مصدره قلب الانسان، الأنانية، والجشع، وقسوة القلب -قلب الحجر، بحسب تعبير حزقيال النبي- قلة الرحمة أو غيابها، ما يعني خلع الحس الانساني الذي كرمنا الله به. وإذا كان هذا الداء، فما هو الدواء؟ وبالتالي يجب إيقاظ الضمائر النائمة واحياء تلك التي ماتت، الاقتناع بأنه لا يمكن أن يستتب السلام دون مساواة فعلية وعدل، اكتشاف فرح العطاء، فقد أكد السيد المسيح على أن “السعادة الكبرى هي في العطاء لا في الأخذ”، الاعتبار بما ورد في التعاليم الدينية عن تذكر الآخرة والعواقب -سيكال لنا بما كنا قد كلنا به- والدعوة الى التصرف كالسامري الشفيق، أن نكون حكماء في وعي تغير الأحوال وعدم دوامها، أن نعمل على دعم المبادرات والتشريعات الهادفة الى سن قوانين عادلة تعمل على ترسيخ مفهوم المواطنة المتساوية والكاملة لكل مكونات المجتمع، بصرف النظر عن العرق والدين والثقافة”.

وتابع: “من المؤكد أن الدولة المدنية التي تفصل بين الدين والدولة أقرب الى المساواة والعدل من تلك التي تزاوج بين ما هو لله وما هو لقيصر. وكما صرح الرئيس التونسي قيس سعيد، والمعروف بتمسكه بأهداب الدين، فإن الدولة هيئة اعتبارية لا دين لها، أن نحترم الأخوة العابرة لكل الحدود وأن نحتفل بها، وأن نربي أبناءنا وبناتنا على الأخوة تجاه جميع الناس”.

نقري
وكانت مداخلة للشيخ نقري، وهو قاض في محكمة بيروت الشرعية السنية والمدير العام لدار الفتوى سابقا، بعنوان “الرحمة والتسامح والأخوة الإنسانية”، فند فيها الوثيقة بدءا من عنوانها الذي “يشير الى طابعها العالمي الشمولي فهي لا تتوجه فقط إلى “كل من يحملون في قلوبهم إيمانا بالله” وإنما أيضا إلى “الذين يحملون إيمانا بالأخوة الإنسانية”. وقال: “في ثنايا الوثيقة نجد عبارات تتردد وتتكرر لتخاطب باسم الأخوة الإنسانية التي تجمع البشر جميعا، وتوحدهم وتسوي بينهم، وباسم الحرية التي وهبها الله لكل البشر، وباسم الأيتام والأرامل والمهجرين دون إقصاء أو تمييز. من مبادىء هذه الوثيقة أن تسمع بين أسطرها تراتيل قرآن وترانيم إنجيل فتأخذك عباراتها الى إمام يقف في محرابه يقرأ القرآن وكاهنا يكرز مذكرا بكلام الإنجيل”.

أضاف: “بعد توجيه الوثيقة كلماتها الى الجهات المرسل إليها العابرة للحدود وللمعتقدات الدينية والعرقية يأتي تحديد الجهة المرسلة من قبل قمة الهرم في الكنيسة الكاثوليكية ومن حولها الكاثوليك من الشرق والغرب مع حاضرة الأزهر الشريف ومن حوله من المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها. فكان خطاب الوثيقة الموجه من المرسلين إلى المرسل اليهم بكل عبارات الإنفتاح على سائر بني البشر تجاوزا لحصرية تمثيلهما للسنة والكاثوليك لتشمل كافة معتنقي الأديان والمنتمين الى المعتقدات والفلسفات والأفكار. من منطلق هذه المسؤولية الدينية الملقاة على كاهل القمتين الدينيتين الكبيرتين، جاءت الوثيقة لتطالب ابتداء من ذاتهما، قادة العالم وصناع السياسات الدولية والإقتصادية العالمية بالعمل جديا على نشر ثقافة التسامح والتعايش والسلام والتدخل فورا لإيقاف سيل الدماء البريئة ووقف ما يشهده العالم من حروب وصراعات وانحدارات ثقافية وحضارية وتعد على البيئة والطبيعة”.

وختم: “دعونا نتعانق، دعونا ننبذ الفتنة وهتافاتها وشعاراتها المقيتة، دعونا نتفق ولا نختلف وإذا اختلفنا أن نعلم بأن اختلافنا رحمة ونعمة وليس نقمة، دعونا مع شركائنا في الوطن نبني لأبنائنا لبنان المستقبل الواعد، لبنان الأمل والتغيير، لبنان المقاوم بجيشه الأبي وبسواعد أبنائه كل أبنائه المخلصين، دعوا أطفالنا يلعبون ويضحكون في ملاعب الصبا والبراءة، دعوا المساجد والحسينيات والخلوات والكنائس تهتف بالسلام والتآخي، دعونا نصلي معا من أجل لبنان ومن أجل كافة أبنائه حتى يكون رسالة السلام الى شعوب العالم”.

المولى
أما المولى، وهو أستاذ جامعي وباحث وكاتب، من مؤسسي المؤتمر الدائم للحوار اللبناني، والفريق العربي للحوار الإسلامي المسيحي، فتحدث عن العدل في العيش المشترك. وقال: “تقوم وثيقة الأخوة الإنسانية في عموم معانيها ومبانيها على أن الإسلام والمسيحية ينطويان على قيم أخلاقية إنسانية عامة تصلح لبناء حياة الإنسان وسعادته في هذه الدنيا، وأن المطلوب منا جميعا اكتشاف المساحات المشتركة التي توحد بين أهل الديانتين، لا بل بين الناس أجمعين، في قضايا الإنسان والمجتمع. والحال أن تعاليم الأديان تدعونا إلى التمسك بقيم السلام والمحبة وإعلاء قيم التعاون والتكافل والأخوة الإنسانية والعيش الواحد، وحماية الأجيال الجديدة من السياسات القائمة على قانون القوة لا على قوة القانون. والمبنى الأساس في ذلك هو العدل. ما يلقي على عاتقنا جميعا واجب استنباط صيغ جديدة في الإدارة والتنظيم السياسي والمجتمعي ووسائل جديدة في الثقافة والاقتصاد والإنتاج، على المستويات المحلية والإقليمية والدولية، تجعل الإنسان يحتفظ بالتقدم المادي الذي بلغه ويستعيد في الآن نفسه ذاته وإنسانيته، ما يحقق عالما أفضل”.

وبعدما قدم شرحا مسهبا عن مبدأ العدل، أكد أنه “على المستوى العالمي فإن العدل يتطلب تلاقي الإسلام والمسيحية في التعاون البناء في مواجهة نظام عالمي يقوم على القوة المادية المتسلطة والعمياء، وفي مواجهة البؤس والفاقة والجوع والأوبئة وسوء التغذية وسوء التعليم وشح المياه وكل أشكال التعدي على البيئة وعلى الطبيعة”. وقال: “لا بد من قيام كتلة إنسانية موحدة، في سعي خلاق لبناء عالم أفضل تسوده قيم الحق والعدل والأخوة بين الناس. وأول ما يسيء وينقض مبدأ العدل والأخوة هو التعصب المذموم ووصم دين من الأديان وتصنيف أهله وفق قوالب نمطية فاسدة. إن الوصم يؤدي إلى تعميم الخوف من بعض الأديان وفي هذا موت للانسان وللحق والعدل”.

أضاف: “ما أحوجنا إلى إعادة التأكيد على أنه لا يستقيم أي لقاء أو دعوة للتعاون والأخوة من دون الذود عن خصوصيات ومقدسات كل واحد. ويعني هذا أن نقف جميعنا ومعا ضد أي امتهان لمقدسات أي منا، إذ لا يجوز أن يساء إلى الإنسان بسبب عقيدته أو قناعاته، ولا بسبب دينه أو مذهبه أو جنسه أو لونه”.

وختم: “إن هذا وهذا وحده، ينبغي أن يكون هدف كل أعمالنا لتحقيق الأخوة الإنسانية كما حددتها الوثيقة المجيدة التي أعلنها قبل عامين قداسة البابا فرنسيس والشيخ الإمام أحمد الطيب. لهما منا كل التحية والمحبة والدعاء، ولكل من عمل ويعمل في هذا السبيل”.

هاشم
من جهته، أعرب رئيس جامعة الروح القدس – الكسليك عن فخره “الشخصي وفخر الجامعة التي تسير وفق تعاليم الرهبانية اللبنانية المارونية وعلى رأسها قدس الأب العام الأباتي نعمة الله الهاشم، هذا الفخر النابع من التمسك بالأخوة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك والاحتفال بتوقيع هذه الوثيقة التاريخية التي تعطي للأخوة الإنسانية المكانة التي تستحقها في حياتنا”.

وقال: “نظرا إلى الأوضاع الراهنة التي تشهدها الساحة العالمية والإقليمية والمحلية، التي، وللأسف، “تجعلنا جيرانا وليس أخوة”، يقع على عاتقنا أن نثبت أننا قد تعلمنا درسا وأن العيش المشترك، الذي يشكل جوهر لبنان الرسالة وعموده الفقري، هو مصدر غنى لنا جميعا، وأنه من خلال نشر ثقافة العيش المشترك فحسب، نستطيع أن ننمو ونزدهر ونصل إلى الملاذ الآمن”.

أضاف: لقد نظمت جامعة الروح القدس – الكسليك هذا الحدث، لأن تعزيز السلام ونشر ثقافته ليس بجديد في جامعتنا، إنما ينبع، في الواقع، من تقليد متجذر في رسالتنا. واليوم، ما هو أفضل من وضع كل ما أنجز، على مر السنين، في خدمة قضية عظمى، وما هو أفضل من تكييف الأنشطة الأكاديمية والعلمية لتناسب هدفا أسمى، ألا وهو الأخوة البشرية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك”.

وأعلن “إطلاق كرسي الأخوة الإنسانية في حرم الجامعة الذي تكمن مهمته في تعزيز إعلان الأخوة الإنسانية من خلال أنشطة وفعاليات وبحوث مختلفة يقودها، جنبا إلى جنب، الجسم التعليمي والطلاب بغية تلبية النداء المنصوص عليه في الوثيقة “لنشر ثقافة التسامح والعيش معا بسلام” ولنعيش أخويتنا الإنسانية”، آملا أن “يرتقي عمل هذا الكرسي إلى النوايا الكامنة وراء توقيع الوثيقة التاريخية هذه وأن يميز رسالتها كل يوم أكثر من يوم”.

زر الذهاب إلى الأعلى