The News Jadidouna

بيتكوين تدخل “الهالفينغ” الرابع في تاريخها.. ماذا يعني ذلك وكيف تتأثر سوق العملات الرقمية؟

شهد فجر يوم السبت الفائت، 20 نيسان، اكتمال عملية تصنيف عملة بيتكوين أو ما يصطلح على تسميته “بيتكوين هالفينغ – Bitcoin halving”، وذلك للمرة الرابعة في تاريخ هذه العملة الرقمية التي أنشئت عام 2009، وهو الحدث الذي كان ينتظره ملايين المتداولين والمستثمرين منذ 4 سنوات، لما يحمله من تأثير بعيد المدى على سوق هذه العملة وغيرها من العملات الرقمية المشفرة.

يعد الهالفينغ جزءًا أساسيًا من بروتوكول البيتكوين، بحيث يؤثر بشكل كبير على كيفية عمل النظام وحجم إصدار العملات الجديدة في الشبكة. ففيما يعمل آلاف الأشخاص حول العالم على ما يسمى التنقيب عن البيتكوين، عبر حواسيب ضخمة للتحقق من المعاملات الجارية على سلسلة الكتل المعروفة بـ “البلوكتشين”، ويكسبون مقابل ذلك عدداً من عملات بيتكوين، فإن الهالفينغ هو عبارة عن موعد تقليص حجم تلك المكافأة إلى النصف، ما يترجم في السوق انخفاضاً في إطلاق عملات البيتكوين الجديدة للتداول في السوق إلى النصف.

يحدث الهالفينغ كل 4 سنوات مرة، وهذه المرة الرابعة التي تحصل فيها هذه العملية في التاريخ. بدأت مكافأة التعدين عام 2009 بـ 50 بيتكوين لكل كتلة، وانخفضت بعد 4 سنوات إلى 25، ثم 12.5، ثم 6.25 في السنوات الماضية، ثم وصلت الآن بعد تاريخ 20 نيسان 2024 إلى 3.125 بيتكوين نتيجة التنصيف الذي حصل.

ما هو التعدين؟
يشرح الاستشاري في مجال العملات الرقمية نادر الديراني في حديثه لموقع “الحرة”، عملية “التعدين أو التنقيب” بكونها الوسيلة التي يتم بها إطلاق البيتكوين الجديد في التداول، حيث يقوم “المعدنون” بتشغيل أجهزة وبرمجيات متخصصة لحل معادلات رياضية معقدة، وذلك بهدف إيجاد رقم تشفيري يتوافق مع، أو يقل، عن الرقم الذي حددته خوارزمية شبكة البيتكوين.

وعندما يتم إجراء معاملات بين المحافظ الرقمية، يتم إدخال العناوين والمبلغ والمعلومات في كتلة على البلوكشين، ويتم وضع جميع البيانات في الكتلة من خلال خوارزمية تشفيرية تُعرف بـ”التجزئة”، يقوم المعدنون بتدوير تريليونات التجزئات كل ثانية حتى يجدوا واحدة تلبي شرطًا يُعرف بـ “الصعوبة”، يتم تعديلها مع كل 2016 كتلة بيتكوين، تحتاج بالمدة نحو أسبوعين من الزمن، للحفاظ على وقت كتلة ثابت، وهو الوقت الذي يستغرقه العثور على كل كتلة جديدة أثناء التعدين.

أول من يجد الحل للمشكلة يتلقى عملات البيتكوين كمكافأة، وتبدأ العملية من جديد. هذه المكافأة، بحسب الديراني، هي حافز العاملين في التنقيب للمساعدة في الغرض الأساسي من التعدين وهو: تسجيل المعاملات على البلوكتشين والتحقق منها وتأكيدها.

وبحسب بروتوكول بيتكوين من المتوقع أن يستمر التنصيف حتى عام 2140، مع وجود 29 تنصيفًا متبقيًا بعد عام 2024. هذا البروتوكول مبرمج مسبقاً منذ إنشاء بيتكوين وطرحها عام 2009، بحسب ما يؤكد علي كركي، الشريك المؤسس لمبادرة “تكسير” Taxir، وهو مركز بحث واستشارة وتدريب مختص بالبلوكتشين والويب الثالث.

ووفقاً لهذا البروتوكول فإن التصنيف أو “الهالفينغ”، هو أمر حتمي حصوله كل 4 سنوات، بحسب ما يشرح كركي لموقع “الحرة”، “لا أحد يقرر موعده ولا أحد يستطيع منعه أو وقفه ولا مؤسسة أو جهة ترعى ذلك”، انما هو “كود” موجود وسيبقى حتى عام 2140، يعمل وفق حسابات رياضيات حصرًا.
بعد عام 2140، الذي سيشهد الهالفينغ الأخير، لن يحصل المعدِّنون بعد على مكافآت عملات بيتكوين جديدة، بل سيعتمدون فقط على رسوم المعاملات للحصول على الإيرادات.

يذكر أن بروتوكول بيتكوين يحدد عدد العملات التي يمكن تعدينها وتوفرها بالسوق بـ21 مليون بيتكوين، لا أكثر ولا أقل، لا يمكن أن تزيد تحت أي ظرف، لكن يمكن أن تنقص في حال احتفاظ بمبالغ كبيرة لوقت طويل خارج سوق التداول، وهو ما يحصل مثلاً عند وفاة أشخاص يملكون بيتكوين دون اتاحة توريثها لجهة أخرى، هذه العملات تخصم من الـ21 مليون ولا يمكن حتى استبدالها أو إعادة طرحها.

حتى الآن جرى تعدين ما يقرب من 19.57 مليون بيتكوين، أي أن المتبقي أقل من مليون ونصف عملة، بحسب الديراني، بينما يقدر عدد المحافظ البيتكوين العالمية بأكثر من 200 مليون محفظة بحلول عام 2024.

ما تأثير “الهالفينغ”؟
وجاء ظهور بتكوين لأول مرة عام 2009 من خلال ورقة بحثية نشرها شخص مجهول تحت اسم “ساتوشي ناكاموتو” تحمل كامل البروتوكول الخاص بالعملة والبلوكتشين، لم تعرف هوية هذا الشخص حتى الآن، وما من دليل على وجوده سوى محفظة رقمية تحوي نحو مليون بيتكوين باسمه، تدور حول هذه الشخصية العديد من النظريات بعضها يدعي أنهم مجموعة من الهاكرز، وأخرى ترجح أن يكون ناكاموتو امرأة، فيما ادعى أشخاص في فترات متباعدة كنهم ناكاموتو دون أن يتمكنوا من اثبات ذلك.

وفقا للديراني، سعى مبتكر البيتكوين من خلال آلية الهالفينغ، لمكافحة التضخم في سوق هذه العملة، والحفاظ على قيمتها من خلال تقليل العدد المُنتَج بحيث يضمن استمرارية البيتكوين كمخزن للقيمة، ويُعزز من مبدأ الندرة الذي يُعتبر أساسيًا في قيمتها، فيؤدي إلى تباطؤ وتيرة نمو العرض الجديد للبيتكوين، ويخلق توازنًا بين العرض والطلب.

بدوره يشرح كركي أنه وبعكس باقي العملات التي يجري طباعتها من قبل المصارف المركزية بصورة أوسع مع ازدياد الحاجة في السوق، ما يؤدي إلي حصول التضخم، فإن البيتكوين تعمل بطريقة عكسية من خلال خفض العملات المتاح تعدينها، وبذلك تحقق العملة عنصر الندرة التي تساهم في استمراريتها وترفع من سعرها، وهو ما يدفع مع كل “هالفينغ” حصلت في السنوات الماضية إلى ارتفاع في سعر البيتكوين، بسبب الطفرة الناتجة عن ذلك.

هذا الواقع يدفع كركي إلى وصف البيتكوين بكونها “ذهب العملات الرقمية المشفرة”، ما يجعله كذلك هي عملية الهالفينغ بحد ذاتها، التي تجعل العملة أندر مع الوقت وتصعب من عملية تعدينها، كما هو حال الذهب الذي يكتسب قيمته من مدودية توفره على وجه الأرض.

وبمراجعة لتاريخ تقلبات أسعار بيتكوين قبل وبعد التنصيف، يظهر أنه ومع التصنيف الأول (2012) ارتفع سعر البيتكوين من حوالي 12 دولارًا إلى 1075 دولارًا خلال 12 شهرًا بعد التنصيف.
مع التنصيف الثاني (2016) ارتفع سعر البيتكوين من حوالي 650 دولارًا إلى 2560 دولارًا خلال 12 شهرًا بعد التنصيف.

مع التنصيف الثالث (2020) ارتفع سعر البيتكوين من حوالي 8727 دولارًا إلى 55847 دولارًا خلال 12 شهرًا بعد التنصيف.
وبالتالي التاريخ يُظهر أن الأسعار تميل إلى الارتفاع بعد كل تصنيف، بحسب الخبيرين، اللذين يؤكدان في الوقت نفسه أن التأثيرات الكاملة للتنصيف لا تظهر بشكل فوري وسريع، بل قد تستغرق وقتًا لتنعكس على السوق.

عام مختلف
إلا أن الوضع هذا العام مختلف عما كان في الأعوام السابقة بحسب كركي، “بسبب الاحتضان المؤسساتي للعملة الرقمية مؤخراً”، وذلك بعد موافقة هيئة الأوراق المالية والبورصة الأميركية في يناير 2024، على السماح بإنشاء صناديق مؤشرات تداول بيتكوين في الولايات المتحدة، وهي خطوة منحت المستثمرين العاديين إمكانية الوصول إلى العملة المشفرة، واتاحت للشركات والمؤسسات الكبيرة فرصة الدخول إلى هذه السوق، وشراء العملة بكميات كبيرة وبمليارات الدولارات، ما ترك تأثيرا واضحاً في السوق خلال الأشهر الماضية ورفع من سعر العملة إلى أعلى مستوى في تاريخها حتى قبل الوصول إلى الهالفينغ “التي من شأنها الآن أن ترفع السعر بشكل أكبر أيضاً في المرحلة المقبلة”.

كذلك شهد نيسان الجاري حدثاً مهماً على هذا الصعيد، حيث أعطت هونغ كونغ موافقات مبدئية لبعض شركات إدارة الأصول لإطلاق صناديق متداولة فورية لعملتي بيتكوين والإيثريوم، وهو ما من شأنه أن ينعكس إيجاباً أيضاً على سوق العملات المشفرة، لتدخل بذلك إلى نادي الدول والمدن الصديقة للعملات الرقمية، مثل دبي وسنغافورا والسيلفادور والولايات المتحدة.

المختلف هذا العام أيضاً، وفقاً لكركي، أن المؤسسات والشركات الكبرى التي دخلت على خط شراء البيتكوين، تسعي لتثبيت أصولها من العملات الرقمية، وبالتالي من غير المتوقع أن تعمد لبيع العملات عند ارتفاع سعرها لتحقيق أرباح، كما يفعل الأفراد الذين يستثمرون، وهو ما قد يكون له بدوره تأثير مختلف عن السنوات الماضية على سوق العرض.

وبينما كان يتم قبل التصنيف إنتاج نحو 900 عملة يومياً تضاف إلى الأسواق، سينخفض هذا الرقم إلى نحو 450 عملة بتكوين في اليوم خلال السنوات الـ 4 المقبلة. وهو ما من شأنه على المقلب الآخر أن يؤدي إلى تراجع في إيرادات شركات التعدين بمليارات الدولارات، وسيدفع إلى خروج شركات تعدين كثيرة من المنافسة وخفض الحماسة على عملية التنقيب، بسبب ارتفاع تكاليف الطاقة اللازمة للعملية، وانخفاض العائدات، الأمر الذي من شأنه أيضاً أن ينعكس على الأسواق وعلى البلوكتشين أيضاً لناحية إبطاء عملية التحقق والتسجيل.

مع ذلك تبقى التوقعات في هذه السوق غير ممكنة بشكل حاسم، بحسب كركي، وإنما أشبه بالتنجيم بسبب صعوبة التنبؤ بالاتجاه الذي ستسلكه السوق وتفاعل الناس والمستثمرين معها في النهاية.

يذكر أنه رغم اكتمال الهالفينغ، فإن سعر بيتكوين لم يسجل بعد قفزات كبيرة صعوداً أو نزولاً، وعلى مدى يومين لم يسجل سوى ارتفاعاً طفيفاً بمقدار نحو 3 في المئة بحيث بلغ سعرها 66.721 ألف دولار حتى موعد إعداد هذا التقرير.

أما بالنسبة لتأثير ذلك على سوق باقي العملات الرقمية، غير البيتكوين، أو ما يعرف بالعملات الرديفة (آلتيرناتيف كوينز)، يتوقع كركي أيضاً أن تشهد بدورها ارتفاعاً في سعرها، بناء على السوابق في التجارب الماضية، وذلك “لأن الناس التي تحقق ارباحاً من البيتكوين تبدأ باستثمارها في سوق العملات الرديفة، ما يزيد من الطلب ويرفع السعر، وهو أشبه بهجرة رؤوس الأموال من عملة إلى أخرى”.

ويختم كركي بنصائح عامة للتعامل مع المرحلة المقبلة، على رأسها “النصيحة الدائمة في عالم العملات الرقمية” وهي “عدم البيع” بل الشراء والاحتفاظ بها طالما أن ذلك ممكنا، “ولا بأس بخيارات البيع إذا كان هناك حاجة لربح المال، ولكن على المدى البعيد الاحتفاظ هو الاستثمار الأنجح”.
ويلفت النظر إلى أنه عند شراء العملات لحفظها، “الأفضل هو عدم تركهم على منصات التداول بل الاحتفاظ بهم في محافظ رقمية خاصة غير مربوطة بالإنترنت، للاستفادة الأمثل من حصرية ملكيتهم، حيث أن وضعهم على منصات التداول هو أشبه بوضع الأموال في المصرف، بينما الاحتفاظ بهم على ما يسمى “كولد والت” (المحفظة الباردة) يجعلهم في يد مالكهم حصرا وكأنهم في خزنة المنزل. (الحرة)

This website uses cookies to improve your experience. We'll assume you're ok with this, but you can opt-out if you wish. Accept Read More

Privacy & Cookies Policy