The News Jadidouna

شباب لبنان ضحية الصدمات المتتالية… وناشطون يحاربون دفاعاً عن الصحة النفسية

كتبت ريتا فريد في منصة جَديدُنا

صدمة تلو الأخرى تتدحرج فوق رؤوس شباب لبنان. أزمات متتالية انهالت عليهم بشكل مفاجىء، وفرضت عليهم حصاراً من اليأس، أمام مستقبل مجهول وحاضر قاسٍ وأحلام منهوبة. فالأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي ألقت بثقلها على الصحة النفسية للشباب اللبناني، ولّدت إحباطاً هائلاً أسفر عن أفكار سوداء وصلت بالبعض الى الانتحار.

وبالرغم من ارتفاع نسبة الوعي حول أهمية الصحة النفسية في الفترة الأخيرة، إلا أنّ تكلفة العلاج النفسي بدورها باتت مرتفعة جداً، بحيث يعجز القسم الأكبر من اللبنانيين عن تغطيتها. لكن في المقابل، هناك متطوّعون وناشطون وجمعيات لا تزال تحارب دفاعاً عن الصحة النفسية، في محاولة منها للتخفيف قدر الإمكان من الأضرار.

ميا عطوي: جروح غير مرئية من الصعب مداواتها

المعالجة النفسية والعضو المؤسّس في جمعية Embrace ميا عطوي، أشارت الى أنّ “شبابنا اليوم يخوضون حرباً خفية. حرب لا نراها ولا نستطيع حتى أن نفهمها. سلاحهم الوحيد تألقهم وابتكاراتهم وقدرتهم الجسدية والنفسية على التحمّل، وهي اليوم كلّها في خطر. لأنّ هذه الحرب تؤثّر سلباً على عقولنا وأجسادنا، وتترك جروحاً غير مرئية، ومن الصعب جداً مداواتها”.

عطوي شبّهت ما نمرّ به اليوم كشباب لبناني، بالذي مرّ به أهلنا قبل 40 عاماً، باستثناء القصف والاختباء في الملاجئ. وقالت: “شباب لبنان يستيقظون على المسؤوليات والمخاوف التي ليس من المفترض أن يتحمّلوها. إنهم يشعرون الآن بالمسؤولية عن أنفسهم وعن آبائهم وعن الأجيال المقبلة. حتى أنهم يشعرون بالذنب إن قصّروا في مكان ما، وخصوصاً في موضوع رعاية والديهم الذين عملوا طوال حياتهم وخسروا القسم الأكبر من مدّخراتهم”.

وفي وقت يسعى قسم كبير من الشباب اللبناني لمغادرة البلاد بحثاً عن حياة أفضل، يلجأ البعض إلى آليات أخرى للتكيّف مع هذه الأزمة مثل تعاطي المخدّرات والكحول. وتقول عطوي في هذا الإطار: “يأتي الكثير من المرضى الشباب الذين يزورون عيادتنا لتلقي العلاج لأنهم يجدون صعوبة في التحكم في تناول المخدرات أو الكحول، حيث أنّ العادات الصحية التي اعتادوا ممارستها قبل الأزمة مثل الخروج مع الأصدقاء والذهاب إلى رؤية عائلاتهم التي تعيش خارج المدينة، أو حتى الذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية أصبحت مكلفة جداً. كما أنهم يكافحون من أجل تغطية الإيجار، ويعيشون قلقاً مستمراً بشأن تكلفة تعليمهم أو حتى مرضهم أو مرض والديهم، لأنّ الرعاية الصحية وتكلفة الأدوية، وخاصة أدوية السرطان، لم تعد في متناول الجميع”. وتابعت ميا: “بدلاً من بناء حياتهم المهنية المستقبلية، يجد الشباب أنفسهم يكافحون لتغطية نفقاتهم الأساسية للبقاء على قيد الحياة”.

الرعاية الصحية النفسية حقّ وليست إمتيازاً

بالعودة الى ارتفاع تكلفة خدمات الصحة النفسية في لبنان، بحيث يمتنع الكثيرون عن زيارة الاختصاصيين لمتابعة العلاج النفسي، لا بدّ من الإشارة الى أنّ خطّ الحياة (1564) في جمعية Embrace بات متاحاً 24 ساعة في اليوم، بحيث يمكن للجميع أن يتّصل في أي وقت لتلقّي الدعم النفسي من المتطوّعين.

هذا وتدير جمعية “إمبرايس” اليوم عيادةً “مجانيةً” للصحّة النفسية، وتشهد إقبالاً هائلاً من الفئة الشبابية على طلب تلقّي خدمات الصحة النفسية، لا سيّما أنّ هذه الخدمات اليوم تقدّم مجاناً في عدد قليل من المنظّمات غير الحكومية في لبنان، التي تكافح بمعظمها للاستمرار.
وتقول عطوي في هذا الإطار: “اليوم لدينا طبيبان نفسيان و 3 علماء نفس بدوام جزئي. و 11 متدرباً في علم النفس يقدّمون خدمات الصحة النفسية في عياداتنا. لكن للأسف لا يزال لدينا قائمة انتظار طويلة من أشخاص يرغبون بتلقي هذه الخدمات النفسية. ولسوء الحظّ يتعيّن علينا إحالتهم إلى خدمات أخرى. وهو أمر محبط لأن الخدمات المجانية الأخرى تعاني أيضاً”.

هذا ويعدّ المركز أيضاً من بين المراكز القليلة التي تساعد في تغطية تكلفة العلاج النفسي للمرضى الذين يحتاجون إلى المستشفى. وبهدف الاستمرار في إدارة عيادتها المجانية، أطلقت الجمعية منذ فترة خدمة للمغتربين اللبنانيين الذين يعيشون خارج لبنان فقط، حيث تقدم عيادة One for One خدمات الصحة النفسية للأشخاص الذين يعيشون في الخارج و 80٪ من تكلفة هذه الاستشارة تذهب إلى Embrace Mental Health Center للمساعدة في تغطية نفقاتها لمواصلة تقديم الخدمات النفسية المجانية في لبنان .
وتؤكّد عطوي في الختام على أنّ “الهدف الأساسي أن تصبح الرعاية الصحية النفسية في متناول الجميع، فهي حقّ وليست امتيازاً”.

وبالتالي، أمام كل الظروف الصعبة التي يعاني منها المجتمع اللبناني بأكمله، وأمام كل هذا الموت الذي يتربّص بأحلام الشباب، هناك من لا يزال يقاتل في الصفوف الأمامية دفاعاً عن الحياة.

فالإنتحار هو نوع من الموت الذي يمكن تفاديه. وهناك أبطال يعملون لمنع هذا الموت. فالمتطوّعون والعاملون في Embrace هم تماماً كالجسم الطبي، يتصدّرون الصفوف الأمامية دفاعاً عن الصحة النفسية. يحاربون الإحباط، ويساعدون الشباب على التمسّك بالحياة، وعلى محاولة ترميم خيباتهم قدر الإمكان من أجل بناء علاقة جديدة مع الأمل.

This website uses cookies to improve your experience. We'll assume you're ok with this, but you can opt-out if you wish. Accept Read More

Privacy & Cookies Policy