
المصدر: العربية
ينمو نبات القنب في كل مكان في قرية زراعية لبنانية ذات تربة صخرية وفيلات حجرية، وبحسب تحقيق موسع نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، “تملأ الحقول المزروعة بالقنب قرية اليمونة وخطوط الطرق المجاورة لها، حيث يقيم الجيش اللبناني نقاط التفتيش”.
ووفق التحقيق، فإنّ “القنب ينبت في البقع العشبية بين المنازل وتختلط مع أزهار ملونة أخرى من أسرة الزهور، ويوجد أيضًا محصول من القنب بالقرب من المسجد، وعلى الطريق بالقرب من علم أصفر ضخم تابع لإحدى مقار حزب الله”.
جمال الشريف، رئيس قرية اليمونة، أشاد بالقنب بإعتباره “شجيرة مباركة” لما سمّاه بخصائصها العديدة وسهولة زراعتها.
ولفت التحقيق، إلى أنّه “لكن للمرة الأولى منذ أن بدأ زراعة الحشيش قبل عقدين من الزمن، لم يقم الشريف بزراعة القنب هذا العام لأن سلسلة من الأحداث قضت على معظم الأرباح التي كانت تأتي مع المنتج الرئيسي للقرية، وهو الحشيش المستخرج من النبات، وبدلاً من القنب والحشيش بات يركز على التفاح”.
وأشار إلى إن “السبب الحقيقي للأزمة هو واقعي أكثر، حيث فقدت الليرة اللبنانية 80% من قيمتها مقابل الدولار الأميركي منذ الخريف الماضي، وتضرر المزارعون. وارتفعت تكاليف استيراد الوقود والأسمدة اللازمة لزراعة محصول القنب، في حين انخفضت قيمة الليرة اللبنانية التي يكسبها المزارعون من بيع الحشيش أكثر فأكثر”.
وأضاف، “كما أدت الأزمة المالية في لبنان إلى تقويض السوق المحلية للمخدرات، وأدت الحرب في سوريا إلى تعقيد طرق التهريب، مما جعل من الصعب على الوسطاء الوصول إلى الأسواق الخارجية”.
وترتب على تلك التداعيات اتخاذ خيارات مؤلمة في اليمونة، وهي قرية صغيرة خلابة في جيب مهمل من لبنان حيث تلتقي المخدرات والفقر والجمال الطبيعي المذهل بطرق غير متوقعة.
إن الحشيش المستخرج من النبتة وبيعه للمهربين الذين يخرجونه من البلاد قد ساعد أكثر من أي محصول آخر في خروج سكان القرية من الفقر المدقع. لقد وفرت المخدرات دخلاً موثوقًا لا توفره محاصيلهم القانونية الأكثر تقلبًا، مثل التفاح والبطاطس، ومولت توسعات المنازل وشراء الشاحنات وتعليم الأطفال.
أما اليوم فإن أرباح تجارة الحشيش أصبحت قليلة للغاية لدرجة أن بعض المزارعين في اليمونة يشكون من جدوى زراعته وإنتاجه.
الشريف قال: “لقد انتهى الأمر.. الآن زراعة الحشيش هواية.”
ووفقًا لتقارير صادرة عن الأمم المتحدة فإن إنتاج الحشيش في اليمونة، بالإضافة إلى مجتمعات أخرى جعل لبنان ثالث أكبر مورد للحشيش في العالم، بعد المغرب وأفغانستان.
وعلى الرغم من أن الحشيش، وهو مخدر يحتوي على مستويات عالية من THC أو رباعي هيدروكانابينول، غير قانوني ويحظر إنتاجه وحيازته وبيعه في لبنان، فقد أصدرت الحكومة في وقت سابق من هذا العام قانونًا يُشرع بعض زراعة القنب للأغراض الطبية. ولكن لم يتم تطبيق القانون بعد، ولا يزال القنب المزروع في اليمونة غير قانوني.
ويشير التحقيق، إلى أنّ “الأزمة الاقتصادية في لبنان الآن تهدد بفعل ما لم تفعله سنوات من الغارات العسكرية وجهود الحكومة لمكافحة المخدرات وهو خفض إنتاج الحشيش”.
فبينما يتذكر المزارعون بإعتزاز الأيام التي كان فيها كيلوغرام من الحشيش يجلب بسهولة بين 500 دولار و800 دولار – والسنوات القليلة التي ارتفع فيها السعر فوق 1000 دولار – يخشى المزارعون من أن أرباح منتج هذا العام قد تنخفض إلى حوالي 100 دولار لكل كيلو غرام، أو حوالي 45 دولارا للرطل.
وذكر التحقيق، بأنّ “الأشهر الماضية، شهدت قيام العشرات من اللاجئين السوريين بالعمل في جني نباتات القنب وتعبئة السيقان المقطوعة في بالات كبيرة. فمعظم اللاجئين السوريين من القُصّر، الذين لم تزد أعمار بعضهم عن 9 سنوات، وقالوا إنهم خرجوا للعمل بعدما تم إغلاق مدارسهم بسبب جائحة فيروس كورونا”.
وأضافوا أن كلا منهم حصل على حوالي 2.50 دولار عن يوم طويل في الشمس.
ووفق التحقيق، “يبلغ عدد سكان اليمونة نحو 5000 نسمة، في قاعدة جبل في سهل البقاع، وهم من الشيعة. ويحمل الجميع تقريبًا نفس الاسم الأخير وهو الشريف. كما استقر حوالي 1200 سوري في المنطقة للبحث عن عمل والهروب من الحرب عبر الحدود”.
أشار طلال الشريف، رئيس البلدية ورئيس المجلس القروي المنتخب، إلى الأيام الخوالي عندما حاولت الحكومة اللبنانية، بتمويل من الولايات المتحدة، القضاء على زراعات القنب وتجارة الحشيش، وأرسلت جنودًا لحرق الحقول، مما أدى لاندلاع اشتباكات مع المزارعين المسلحين. لكن تلك الجهود شهدت إهمالا رسميا منذ حوالي عقد من الزمان.
واستطرد الشريف شارحًا موقف السلطات اللبنانية قائلًا: “لقد وصل الأمر إلى حالة أدركوا فيها، أن الفقر هو السبب وراء ممارسة تلك الأنشطة وأنهم ربما قالوا: دعونا نترك هؤلاء الناس وشأنهم ونتصرف وكأننا لا نراهم”.
المصدر: العربية