The News Jadidouna

أسرار أوراق ترامب – بوتين في هلسنكي!

هل ان ما يعيشه العالم حالياً، من مشاكل جيوسياسية، وجيواستراتيجية، واقتصادية، و”طاقوية”، وعسكرية… تنعكس على أدقّ تفاصيل الحياة اليومية للإنسان العالمي، هو نتيجة لقمة هلسنكي التي عُقِدَت بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في تموز عام 2018؟

فبعض المراقبين والمحلّلين والمطلّعين يؤكدون أن ترامب سلّم العالم لبوتين في ذلك الاجتماع، وأنه تحدّث مع الرئيس الروسي في شؤون العالم بشكل أقرب الى اسمه الشخصي، وليس بإسم ما تريده “المؤسّسة الأميركية” بشكل تام. فكان ضعيفاً في ملفات تتعلّق بالأمن القومي الأميركي، وبتقاسُم النّفوذ والمصالح في كل المناطق والأقاليم، وصولاً الى الملف الأوكراني، وضرورة الدفاع عن سياسة “الأبواب المفتوحة” لحلف “الناتو”، وتأكيد إصرار واشنطن عليها، وأنه لا يمكن مُقايضة شبه جزيرة القرم وأوكرانيا ومصالح حلف “شمال الأطلسي” ووحدة “العالم الحر”، بأي مكاسب شكليّة تؤكد خضوع روسيا لهيمنة الدولار الأميركي. كما كان (ترامب) ضعيفاً في تأكيد التشديد الأميركي على ضرورة إنهاء زمن إمساك الدول النفطية باقتصادات دول العالم، وعلى أنه لا يُمكن مُقايضة ذلك بعسل الوعود الروسية لواشنطن بشأن أمن إسرائيل في الشرق الأوسط، على شكل لَجْم الوجود الإيراني في سوريا.

شدّدت مصادر واسعة الاطلاع على أن “من يبتّ بالقرارات في الولايات المتحدة الأميركية هي “اللوبيات العسكرية” وأجهزة الاستخبارات، وليس الرئيس الأميركي. ولقد وصلت الحالة هناك الى حدّ السعي لمحاولة الدمج بين عمل الأجهزة الاستخباراتية من جهة، والسياسة الخارجية لأميركا، من جهة أخرى، خصوصاً في الملف الروسي. وهذا متغيّر جديد لا بدّ من أخذه في الاعتبار”.

وأكدت في حديث لوكالة “أخبار اليوم” أن “ما فجّر الحرب في أوكرانيا ليس ترامب، ولا السياسة التي اعتمدها تجاه روسيا خلال حقبة حكمه، بل المجمّع العسكري الأميركي. فلدى هذا المجمّع مصلحة في إنتاج وبَيْع الأسلحة، ليس لأوكرانيا وحدها، بل لكل الدول الخائفة من روسيا، سواء في أوروبا الشرقية، أو في سواها”.

وشرحت أن “أجهزة الاستخبارات الأميركية تعمل على إضعاف روسيا في مدى طويل، ومنذ زمن بعيد. ولكن شكّلت الأزمة في أوكرانيا فرصة للإسراع في إضعاف موسكو، وهو ما يمكنه أن يشكل درساً للعالم كلّه، وذلك رغم علم الجميع بأن أوكرانيا لن تنتصر في الحرب. ولكن الهدف هو إضعاف موسكو بأقصى حدّ ممكن، قبل أن تنجح في الاستيلاء على الأراضي الأوكرانية”.

في سياق متّصل، يؤكّد مُطّلعون أن ترامب أرسل إشارات شخصية لا أميركية لروسيا، خلال قمة هلسنكي في عام 2018، حول “نهاية الناتو”، والاستعداد للتخلّي عن أوكرانيا تحت ستار مقايضة كييف بمكاسب توقف حروب بوتين على الدولار الأميركي، وتحدّ من تحالفه مع الصين. فضلاً عن الاستعداد لضمان العمل على تأجيل خطط أميركية كثيرة تتعلّق بتخفيض الطلب العالمي على النفط، مقابل مكاسب تضمنها روسيا لصالح إسرائيل بوجه إيران في الشرق الأوسط.

وفي هذا الإطار، تقارب ترامب مع السعودية وروسيا خلال ولايته الرئاسية، بإسم مصالحه الشخصية لا المصلحة الأميركية، وتحت عناوين السخرية من مؤتمرات وتقارير التغيُّر المناخي، وذلك لإطالة عُمر زمن النّفط، وتغطية استعماله كسلاح في أي وقت كان لا سيّما بوجه المصالح الأوروبية، وذلك من جانب موسكو والرياض. وهذا كان سبباً رئيسياً للحديث عن “أوروبا الجديدة” في الشرق الأوسط، وهو تبشير بنهاية العصر الأوروبي، بتوافق بين ترامب، وبوتين، والقوّة النّفطية الأقوى في الشرق الأوسط.

كما أن إعادة إغراق ترامب إيران بالعقوبات في عام 2018، وخروجه من الاتّفاق النووي الموقّع عام 2015، كان لإرضاء السعودية بإسمه الشخصي، لا بإسم المصلحة الأميركية، وبشكل يؤسّس لجعل إيران تحت رحمة روسيا في سوريا والشرق الأوسط، من خلال تلك الخطوة، وذلك بإسم مصالحه الشخصية (ترامب) مع بوتين، وليس بما ينسجم مع المصالح الأميركية.

وهذا ما ساعد على بَدْء استخدام النفط كسلاح، وزيادة نِسَب التضخّم العالمي، منذ ما قبل أشهر من إطلاق روسيا حربها على أوكرانيا، أي بعد أشهر قليلة من خروج ترامب من “البيت الأبيض” في عام 2021.

ومن هذا المُنطَلَق، نرى “استقتال” طهران على مستوى إرسال الأسلحة للجيش الروسي، في خطوة احترازية من أي إدارة أميركية “ترامبية”، أو بهيئة “ترامبية” في “البيت الأبيض” مستقبلاً. فإيران تضمن من خلال مسيّراتها ومساعداتها العسكرية لروسيا في حربها على أوكرانيا، (تضمن) ولاء موسكو التام لها، وعدم قدرة الروس على وضع خطوط حمراء لها في أي مكان مستقبلاً، لا بسوريا، ولا في آسيا، ولا بأي مكان آخر.

قد يكون ترامب الرئيس اللّغز في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية، بالنّسبة الى البعض. ولكنّه في رأي عدد لا بأس به من المراقبين، السبب الأول والأخير للمشاكل التي تعصف بالعالم حالياً.

فهو الرئيس الذي سلّم أميركا والعالم لروسيا، من حيث المبدأ. ولكنه الرئيس الذي لم يتوفّر ملموساً مباشراً يمكّن من عزله، خلال تولّيه منصب الرئيس في أميركا. فالأسرار كلّها موجودة في ثواني ودقائق وساعات 16 تموز 2018، وفي هلسنكي التي انتقلت من ضفّة الحياد بين الغرب وموسكو الى الانضمام لحلف “الناتو”، والى زيادة حدود الحلف مع روسيا، بعد أقلّ من خمس سنوات على قمة ترامب – بوتين فيها.

أنطون الفتى – وكالة “أخبار اليوم”

This website uses cookies to improve your experience. We'll assume you're ok with this, but you can opt-out if you wish. Accept Read More

Privacy & Cookies Policy