Jadidouna the News

فضيحة التحقيق في كارثة المرفأ: أين الوزراء؟

كتبت جنى الدهيبي في “المدن”:

مع مضي أسبوعين على الانفجار الكبير الذي عصف مرفأ بيروت ومعه العاصمة، في 4 آب 2020، تسعى السلطة القضائية أن تعطي انطباعًا ولو شكليًا، أنّها تسير على السكّة الصحيحة في مجريات التحقيق بهذه الجريمة المرّوعة، التي أودت بحياة أكثر من 177 شخصًا وأصابت آلاف الجرحى، وخلّفت عشرات المفقودين. فهل سينطبق الأمر على مضمون التحقيقات التي يستعين فيها لبنان بخبرات محققين دوليين؟

الخلل الأول
بعد تعيين القاضي فادي صوان محققًا عدليًا في الملف، وما سبق هذا التعيين من سجالٍ وخلافات قبل وقوع الخيار على اسمه، تسلّم صوان من النائب العام التمييزي في لبنان القاضي فادي صوان الادعاء على 25 شخصًا، من بينهم 19 موقوفًا، وفي طليعة المدعى عليهم مدير مرفأ بيروت حسن قريطم، ومديرا عام الجمارك الحالي بدري ضاهر، والسابق شفيق مرعي. ومع بدء صوان الاستجوابات يوم الاثنين 17 آب، أصدر مذكرة توقيف وجاهية بحقّ بدري الضاهر، بعد التحقيق معه على مدار 4 ساعات ونصف الساعة، بحضور وكيل الدفاع عنه المحاميين منيف حمدان و​جورج خوري.
ورغم أنّ توقيف الضاهر يأتي في السياق الطبيعي للتحقيقات، إلا أنّ “الخلل” الأكبر قبل يومين، تجلى في إرجاء الجلسة التي كانت مقررة للاستماع إلى رؤساء ووزراء الأشغال والمالية والعدل المتعاقبين منذ 2013، باعتبار أنّ “حصانتهم” تمنع التحقيق معهم أمام القضاء العدلي، وأنّ مساءلتهم لا تكون إلا أمام “المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء”!
اللافت فور هذا الإرجاء، كان البيان الصادر عن “نادي القضاة في لبنان” تحت عنوان “لا حصانة للوزراء في جرائمهم العادية أمام المحقق العدلي”. ذكّر نادي القضاة بالاجتهاد الصادر بتاريخ 27/10/2000 تحت الرقم 7/2000 عن الهيئة العامة لمحكمة التمييز، والذي حفظ اختصاص القضاء العدلي لملاحقة الوزراء. باعتبار أنّ “قتل المواطنين العزّل أو التسبب بقتلهم لا يمكن أن يدخلا بأي شكل من الأشكال ضمن نطاق الأعمال الوظيفية للوزراء، فكل منهما جرم عادي. ولأن القضاء الجزائي العادي، المحقق العدلي، هو المرجع الصالح لملاحقة الوزراء والتحقيق معهم في حالة الجرائم العادية”.

لكن، ما فكرة هذا الاجتهاد القضائي؟
يشير مرجع قضائي لـ”المدن” أنّ الفكرة من هذا الاجتهاد الصادر قبل 20 عامًا، هو أنه من أعلى مرجع قضائي، ما يعني أن يشكل منارة أساسية للقضاة في عملهم. وقد فرق الاجتهاد بين نوعين من الأعمال التي يقوم بها الوزراء، نوع يخضع الوزير للمحاسبة أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، ونوع آخر من الأعمال لا يخضع لهذا المجلس، وإنما تكون محاسبته أمام القضاء العادي. لكن أي أعمال تخضع للمجلس الأعلى وأي أعمال تخضع للقضاء العادي؟
جاء اجتهاد الهيئة العامة لمحكمة التمييز، وفق المصدر، ليقول: “حين يقوم الوزير بعمل يمارس من خلاله صلاحياته الدستورية أو الوظيفية أو الوزارية، يكون متمتعاً بحصانة ولا يمكن ملاحقته إلا أمام هذا المجلس الذي خصص لمحاكمة الرؤساء والوزراء. أمّا إذا ارتكب الوزير فعلًا عاديًا لا يتعلق بوظيفته ولا بسلطاته الدستورية، ولا يرتبط مباشرة بمهامه الوزارية، هنا لا يلاحق أمام المجلس الأعلى، وإنما يمكن للقضاء العادي أن يلاحقه”.
هذا الاجتهاد المرجعي، يضع علامات استفهام تشكك بمدى شفافية التحقيقات الجارية في ملف انفجار المرفأ، ولا يبرر إرجاء جلسة الاستماع للوزراء المتعاقبين، في قضية وطنية تسببت بمجزرة جماعية بهذا الحجم. فهل ستأتي حجة “الحصانات”، كما جرت العادة، للهروب من العدالة والمحاسبة التي ينتظرها جميع اللبنانيين؟
وللتذكير، حتّى ذلك المجلس الأعلى بتركيبته الهجينة، ليس صالحًا لمساءلة الوزراء المتعاقبين، لا سيما أنّ هيئته تتداخل فيها السلطتين التشريعية والقضائية. ودستوريًا، يقوم المجلس النيابي عادة بتعيين أعضاء المجلس الأعلى المؤلف من 7 نواب و8 قضاة. كما أنّ إحالة الاتهام إليه، تتطلب إجماعًا من مجلس النواب بأكثرية الثلثين. فهل من السهل تحقيق هذا الشرط؟
وبما يخصّ انفجار المرفأ، يشير المصدر القضائي أنّ هناك ما يسمى بـ”القصد الاحتمالي”، أي عندما يكون المسؤول على معرفة بتداعيات ما سمح به أو تغاضى عنه، ما يعني أن محاكمته تنطلق أن ما قام به كان “قتلًا قصديًا”.
ويخشى المصدر القضائي أن تكون “الحصانات” سببًا لعرقلة التحقيق، بينما نحن أمام جرم مشهود يسقط جميع الحصانات. وبعد 8 أيام يحتاج المحقق العدلي لإذن بالملاحقة. أمّا ما يثير القلق حول التحقيقات، وفقه، فـ”هو التدخل السياسي، لا سيما أنّ جميع السياسيين في لبنان يعتبرون أنفسهم فوق القانون وأن مصلحتهم الشخصية تأتي قبل مصلحة الدولة والشعب”.

زر الذهاب إلى الأعلى