The News Jadidouna

معهد واشنطن: لبنان بين الانتحار والتفلت من التبعية لأيران‎

في دراسة للباحث حسن منيمنة نشرها معهد واشنطن للشرق الادنى، اعتبر ان الوضع القائم في لبنان تعرّض لتحديات ملموسة مع انتهاج الولايات المتحدة لسياسة «الضغط الأقصى» إزاء إيران التي اضطرت إلى الطلب من حزب الله أن يرفع من اعتماده على الموارد المحلية. فضاعف ذلك من الضغوط على نظام كان مستنزفاً لتوّه.

وقد وضعت إيران وحزب الله موضع التنفيذ إجراءات احترازية لمواجهة حالة الضغط القصوى الحالية، بانتظار تبديل في الرئاسة الأميركية بعد انتخابات تشرين الثاني المقبل، أو على الأقل تبديل المنحى السياسي المعتمد إزاء إيران أميركياً. طموحهما هنا هو العودة بلبنان إلى الترتيب السابق، حيث تنتصب طبقة سياسية ناهبة، بتمويل خارجي، كواجهة تخفي خلفها تحكم إيراني كامل. غير أن الأوان قد فات لعودة من هذا القبيل. حتى فرنسا، والتي سعت إلى تجنب الانهيار الكامل للبنان في أعقاب الانفجار الكارثي في مرفأ بيروت يوم الرابع من آب الماضي، ودعت للعودة إلى الصيغة المجربة والفاشلة للإصلاح من الداخل، كان لا بد لها من الإقرار بالهيمنة الكاملة لإيران، من خلال حزب الله، على لبنان الواقع فعلياً تحت الاحتلال.

هي حقيقة وصيغة وتركيبة أصبحت جلية عالمياً. ودون الأموال الممتنعة بالتالي من صندوق النقد الدولي ودول الخليج والغرب، فإن الترتيب المصلحي للطغمة الحاكمة، تواطؤ السلاح والفساد، لم يعد ممكناً. يترك ذلك لبنان أمام أحد مسارين، كلاهما مظلم. أما أن بتآكل ويتلاشى نتيجة رحيل متواصل لموارده البشرية وتضاؤل طبقته الوسطى المتعبة، أو أن يتعرّض، نتيجة قرار متعمد أو خطأ في التقدير، لحرب قاضية مع إسرائيل، تحقيقاً لمآل فائض العسكرة التي ألزمه بها حزب الله.

وظيفة العداء لإسرائيل

حتى دون اعتبار التأثير الإيراني، فإن التوصل إلى اتفاق سلام بين لبنان وإسرائيل لن يكون أمراً سهلاً تلقائياً. بل سوف يتطلب إعادة اعتبار ونظر وتفكيك لتاريخ مؤلم. هي عملية شاقة، ولكنها ليست مستحيلة. على أن العداء الواسع النطاق والحاد لإسرائيل في الخطاب العام في لبنان ليس نتيجة هذا التاريخ بقدر ما هو انعكاس للمجهود الإعلامي الإيراني في لبنان، وهو بدوره وريث السرديات القومية واليسارية والإسلامية، والتي فشلت في أن تكتسب التأييد الفعلي في المجتمع السياسي اللبناني.

آلة حزب الله الإعلامية تستدعي في إشهارها العداء لإسرائيل المبدأ، والدعاية، والنمطية. ذاكرة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي اللبنانية، حين اقترفت إسرائيل البطش والقمع والوحشية بفائض قوتها، تبقى حية في الفضاء العام اللبناني من خلال إغراق الإعلام بتفاصيلها، مع إبراز حزب الله بموقع المنتصر. مضمون الرسالة الإعلامية هنا هي قوة حزب الله أكثر منه إسرائيل.

على أن هذا المجهود الإعلامي يتجاهل بالكامل احتلالاً آخر، كان أكثر بطشاً وأكثر انتهاجاً للقمع والوحشية، وطال أمده أكثر، وكان انتشاره أوسع على مدى المكان اللبناني، وكان أسلوبه في العقاب الجماعي أكثر إيلاماً، أي الاحتلال السوري. بل يحتفل هذا المجهود بإرسال مقاتلي حزب الله إلى سوريا لنصرة نظام الطغيان الذي احتل لبنان، بما يبيّن بمطلق الوضوح مدى استقرار القوة لدى حزب الله ومرشديه الإيرانيين في لبنان.

هذه القوة تؤسس لمعادلة استفاد منها العديد في أوساط الطائفة الشيعية، سواء من خلال عائدات مادية مباشرة من حزب الله، أو من خلال الاعتزاز المعنوي بفائض القوة لطائفتهم. ولكنها معادلة قد أوشكت صلاحيتها على الانتهاء.

عواقب هذه التطورات هي أن لبنان معرض اليوم لما هو فعلاً خطراً وجودياً، وعليه بالتالي مواجهة اختيار فائق الصعوبة. هل تتمكن القيادة العقائدية لحزب الله من إرغام الطائفة الشيعية، ومعها كل لبنان، للالتزام بالعقد المميت للتبعية لإيران، بما يؤدي فعلياً إلى انتحار للطائفة والوطن؟ أو هل تبرز المواقف في عموم لبنان، ولا سيما ضمن الطائفة الشيعية، بأن العودة إلى الوضع السابق، تواطؤ السلاح والفساد، لم يعد ممكناً، وليس مقبولاً على أي حال، وأن السبيل للازدهار، دون تفريط بالكرامة أو القناعة، هو من خلال التخلي المنهجي عن منطق المواجهات الدامية والحروب العقيمة؟

This website uses cookies to improve your experience. We'll assume you're ok with this, but you can opt-out if you wish. Accept Read More

Privacy & Cookies Policy