سوريا الآن

سوريا ما بعد الأسد.. نهاية حكم العائلة وتحديات المستقبل

نهار أخيراً نظام الأسد بعد خمسة عقود من القبضة الحديدية لعائلة الأسد على سوريا لتدخل البلاد مرحلة تاريخية جديدة فقد شهدت سوريا تحولاً دراماتيكياً متسارعاً على يد الفصائل المسلحة المنضوية تحت هيئة تحرير الشام، التي أسقطت النظام بعد عشرة أيام من العمليات العسكرية المكثفة والتي استهدفت القضاء على حكم العائلة، المعارك تركزت في مواقع استراتيجية وأسفرت عن انهيار مفاجئ لقوات النظام، مع انسحابات غير متوقعة، وفقدان السيطرة على مدن رئيسية أبرزها دمشق.

في ظل هذه التحولات السريعة تعيش سوريا حالة من الترقب الشعبي والدولي بشأن مستقبلها بعد الأسد كما تثير هذه الأحداث تساؤلات عن واقع الأقليات سيما الكيانات والأحزاب الكردية التي تبسط نفوذها على مناطق محددة ودورها في المرحلة القادمة، كما يطرح هذا المشهد أسئلة محورية حول سبل مشاركة المعارضة في تشكيل الحكومة الجديدة وإمكانية إعادة بناء الدولة بعد سنوات من القمع والصراع.

ويقول أستاذ العلوم السياسية، عصام الفيلي، في تصريح لقناة الحرة، إن تخلي بشار الأسد عن سلطة الحكم بهذه السرعة نتيجة إدراكه بأن موقفه السياسي بات ضعيفاً إثر الأحداث التي جرت في لبنان وفقدان قدرات حزب الله وتغير موقف إيران وفصائلها مع سوريا، إضافة الى علمه بأن الجيش السوري لن يقاتل عنه.

وفي حديثه عن مرحلة ما بعد انهيار النظام السوري يعتقد الفيلي أن قائد فصائل هيئة تحرير الشام، أحمد الشرع (الملقب بالجولاني)، تعامل وفق منطوق رجل دولة خلال إجراءاته بالسماح ببقاء رئيس الوزراء السوري الذي كان في عهد الأسد كي يدير الشؤون الإدراية والسياسية للدولة، وكذلك خطابه للحكومة العراقية الذي أثنى خلاله على دور العراق بالوقوف على الحياد، كما أنه وجه الفصائل بعدم الذهاب إلى التأجيج الطائفي ولم تظهر إلى الآن أي تحركات مذهبية.

ويبيّن أن تعاطي الدول الإقليمية والأجنبية مع الجولاني مرهون بما سينتهجه في الأيام القادمة وربما سينجح نهج هيئة تحرير الشام بتحقيق تفاهمات وتقاربات تتيح تشكيل حكومة سورية جديدة وإلا قد تحصل فوضى وصدامات مسلحة في سوريا.

ويؤكد أستاذ العلوم السياسية أن هناك تحد آخر أمام الجولاني يتمثل بذهابه لقتال الأكراد في مناطق شرق سوريا بغية فرض سيطرة هيئة تحرير الشام على كامل مناطق سوريا، وهذا محتمل لأن تركيا هي من تقدم الدعم العسكري لفصائل تحرير الشام على حد تعبيره، وأكثر ما يقلق أنقرة هو وجود الكيان الكردي وتعزيز تواجده وبالتالي تركيا تتخوف من إقدام هذا الكيان على تشكيل نواة لقيام الدولة الكردية مع الذهاب إلى فرضية أن هذا الكيان ممكن أن يعقد كونفدرالية مع بقية الكيانات الكردية الموجودة في المنطقة، سيما وأن قوات سوريا الديمقراطية هي امتداد لقوات البي كي كي التي تصنفها تركيا على لائحة الإرهاب، معتقداً أن بعض الصدامات المسلحة قد تقع مع الأكراد لكن في المحصلة النهائية سيتم ترتيب هذه الأوراق برعاية دولية.

ويشير إلى أن مشاركة الكيانات الكردية في الحكومة السورية الجديدة ستأتي وفق رغبة دولية في محاولة لخلق توازن قوى في الحكومة القادمة.

خطر الحرب الأهلية
الحرية تليق بالشعب السوري وهذه نهاية ديكتاتورية نظام الأسد، بهذه الكلمات بدأ ممثل حزب الاتحاد الديمقراطي في إقليم كردستان العراق والمقرب من قوات سوريا الديمقراطية، جاويدان كمال، حديثه لقناة الحرة، مبيناً أن مطالبهم تتمثل في الوصول إلى “سوريا جديدة ديمقراطية، لامركزية ” حسب شكل التفاهمات القادمة “مع الأخذ بعين الاعتبار الإدارة الذاتية الموجودة حالياً، لضمان أن يحظى الجميع بالحرية وحقوقهم كاملة”.

وأكد كمال أن الوضع في سوريا لا يزال ضبابياً، فمستقبل البلاد غير واضح حتى الآن، رغم أن الأجندة التي أسقطت نظام الأسد، قدمت رسائل اطمئنان للشعب السوري وحافظت على شكل الدولة. وأضاف أن الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا مستعدة كما كانت سابقاً لتقديم مبادرات لإيجاد مخرج سلمي للأزمة السورية، وجاهزة للتواصل مع الأطراف الدولية ومكونات الشعب السوري كافة، لوضع البلاد على مسارات سليمة.

وأشار إلى مخاوفه من نشوب حرب أهلية جديدة في سوريا، وهو ما قد يعيد تنظيم داعش إلى الظهور أو يقوي من وجوده، مما يشكل تهديداً للشعب السوري وأمن المنطقة، كما أبدى قلقه من استمرار دعم الدولة التركية للمجموعات والفصائل المسلحة، التي تستخدمها لتحقيق مآربها في الملف السوري، وأكد أن العملية العسكرية التركية الأخيرة، التي استهدفت منطقة الشهباء التي يقطنها مهجرون من عفرين وطرد السكان منها، تأتي ضمن محاولات تركيا لإنهاء تجربة الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا وأضاف أن هذه الفصائل المدعومة من أنقرة هاجمت مؤخراً منطقة منبج بدعم جوي تركي.

وأكد كمال أن تركيا تسعى لإنهاء الوجود الكردي في سوريا ولا تريد لهذا المكون أن يحصل على حقوقه في سوريا، وفي حال كانت الفصائل المدعومة من تركيا مستعدة للحوار مع جميع الأطراف السورية تحت رعاية دولية فإن الإدارة الذاتية ستكون مستعدة للجلوس مع الجميع على طاولة المفاوضات. أما إذا كانت هذه الفصائل تسعى لتطبيق الأجندات التركية بتهميش مكون على حساب آخر فإن ذلك سيدخل سوريا في نفق مظلم وسيجّرها إلى حرب أهلية جديدة.

وذكر أن الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا نجحت في الحفاظ على الأمن ومحاربة تنظيم داعش، وقدمت تضحيات كبيرة، وأوضح أن مناطق شمال وشرق سوريا لا تضم الأكراد فقط، بل تضم أيضاً العرب والسريان والآشوريين والتركمان، وأن الإدارة الذاتية قامت على جهود الجميع، وأشار إلى أن الطموح هو الحفاظ على الوضع القائم في هذه المناطق، مؤكداً أن هذا هو مطلب شعبي لأهالي تلك المناطق.

وتحدث عن أن طرح مشروع الإدارة الذاتية أو المطالبة بالفيدرالية يأتي في إطار الحفاظ على الحقوق، وأضاف أن قوات سوريا الديمقراطية تسيطر على حوالي 40 في المئة من مساحة سوريا، وتشمل مناطق الحسكة والرقة ودير الزور، ولكن منطقة عفرين والشهباء كانت جزءاً من الإدارة الذاتية قبل أن تحتلها المجموعات المسلحة المدعومة من تركيا، وطالب بضرورة استعادة هذه المناطق من الاحتلال التركي وفقاً لتعبيره.

وأشار إلى أنه من الصعب العودة إلى النظام المركزي السابق في سوريا وأن أي محاولة للرجوع إلى هذا النظام ستضر بالبلاد، ودعا إلى حماية الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا وحماية قوات سوريا الديمقراطية، مشدداً على أن هذه القوات تسعى للسلام، وليس لديها نية لمهاجمة أي فصيل أو مجموعة، لكنها ستدافع عن نفسها إذا تعرضت لأي هجمات
داعياً إلى أهمية الإسراع في العملية السياسية تحت إشراف دولي، وأكد أن التوجه حالياً هو الحفاظ على مناطق الإدارة الذاتية، لافتاً إلى أن قوات سوريا الديمقراطية قامت مؤخراً بتحرير بعض المناطق القريبة من حوض الفرات لمنع تنظيم داعش من الوصول إليها. كما طالب بضرورة استعادة مناطق الشمال السوري، مثل عفرين ورأس العين وتل أبيض، من السيطرة التركية عبر الحلول السلمية الدولية، وليس من خلال الحرب مستبعداً في هذه المرحلة أن تنفذ فصائل هيئة تحرير الشام هجمات ضد قوات سوريا الديمقراطية، متمنياً أن تحتكم جميع الأطراف إلى لغة العقل والحوار.

تنافس دولي وإقليمي
يعتقد الخبير الأمني، صفاء الأعسم، أن قوى دولية وأخرى إقليمية ساهمت وسارعت بالانهيار السريع لحكم عائلة الأسد وفلسفة هذه المتغيرات الجديدة ما تزال مبهمة وظهور ملامحها يرجع إلى تفاهمات الدول العظمى، وفي إطار التغيير الجديد بعد سقوط نظام بشار الأسد الذي خلف فراغاً عسكرياً في بعض المناطق والمدن، يرى الأعسم أن هناك دولاً كبرى لديها مصالح في سوريا وهي متناقضة مع دول أخرى ولكل منها فصائل مسلحة على أرض الميدان والأيام القادمة ستكشف ما ستؤول إليه مخرجات سقوط نظام الأسد.

وفي الحديث عن التنظيمات الكردية فإن قوات قسد تضع أعينها على مناطق أخرى لبسط نفوذها فيها لكنها تعتمد على استراتيجية معينة قد تكون بطيئة في توسيع سيطرتها تحت مزاعم ملاحقة تنظيم داعش.

ويشير الخبير الأمني إلى أن هناك احتمالية كبيرة بحصول صدامات مسلحة بين الفصائل المنضوية تحت هيئة تحرير الشام وبعض الأحزاب والفصائل الكردية ومنها قوات قسد كون الأخيرة تبتعد في رؤيتها عن خيار تقسيم الخارطة السورية، كما أن هيئة تحرير الشام تضم أجنحة كثيرة بضمنها تنظيمات إرهابية على حد قوله، كانت تعمل لسنوات طويلة ضد قوات قسد التي تحارب تلك التنظيمات على رأسها داعش، بالإضافة إلى أن قوات قسد اعتقلت سابقاً أعدادا كبيرة من أفراد هذه الجماعات، التي كانت تضم فصائل عدة انخرطت الآن تحت إمرة هيئة تحرير الشام وفقاً لقوله.

ويؤكد الأعسم أنه إن لم يحدث اتفاق بين الفصائل المسلحة التابعة لهيئة تحرير الشام وقوات قسد فإن المواجهة المسلحة بينهما ستكون وشيكة، خاصة وأن هيئة تحرير الشام وبعد أن أكملت مهمتها الأساسية في إسقاط نظام الأسد ستسعى إلى إطلاق سراح المعتقلين لدى قسد من أفراد الجماعات التي تعمل تحت مظلتها، وأوضح أن قوات قسد تطمح لتوسعة مناطق نفوذها لكنها بالتأكيد لا تميل إلى السيطرة على مناطق مشتركة أو قريبة من حزب العمال الكردستاني ” بي كي كي ” لأنها ستدخل في مشاكل عميقة سيما أن هذا الحزب لديه أذرع في سوريا والعراق وتركيا، وهذا المثلث سيفتح جبهات على قسد ويشكل مخاطر حقيقية عليها.

موقف “المجلس الوطني الكردي”
يؤكد المجلس الوطني الكردي وهو ائتلاف سياسي مكون من ستة عشر تنظيماً سياسياً بالإضافة إلى مستقلين من مختلف المناطق الكردية في محافظة الحسكة وكوباني وعفرين، أن سقوط نظام الأسد يعد نهاية لحكم الاستبداد ويشدد على ضرورة أن يعمل السوريون جميعاً، بمن فيهم المكون الكردي على بناء سوريا المستقبل لضمان حقوق مكوناتها.

وفي تصريح لقناة الحرة، أكد عضو المجلس، فيصل يوسف، على أهمية الانتقال السلمي للسلطة والمحافظة على السلم الأهلي في سوريا، مع ضرورة الحفاظ على مؤسسات الدولة بعيداً عن أي تدخلات، وأضاف يوسف أن سوريا تمر حالياً بمرحلة انتقالية، معرباً عن قلقه من حدوث فوضى وصراعات قد تجر إلى اقتتال داخلي.

وشدد يوسف على أهمية مشاركة كافة أطياف الشعب السوري في بناء سوريا الجديدة كما أبدى المجلس رغبة في تمثيل سياسي في الحكومة القادمة لضمان حقوق الشعب الكردي،
وأكد على مطلبه بالفيدرالية كحل أمثل يحافظ على وحدة سوريا، داعياً دول الجوار والدول الإقليمية إلى تقديم الدعم اللازم لتحقيق أهداف الشعب السوري وضمان حقوق مكوناته كافة، مع التأكيد على ضرورة عدم تدخل الأطراف الخارجية، كتركيا وغيرها في الشأن الداخلي السوري.

مستقبل النفوذ وتوازنات القوى
يؤكد الخبير الاستراتيجي، مخلد حازم، لقناة الحرة أن الوضع السوري الجديد يندرج تحت صراع الأقطاب الدولية، وانهيار نظام الأسد يعد بوابة لتقسيم النفوذ بين تلك الأقطاب التي سترسم خارطة جديدة لسوريا، مبيناً أن تقسيمات مناطق نفوذ الفصائل والأحزاب في سوريا من بينها قوات سوريا الديمقراطية ترتهن بمخرجات الاتفاقات بين الدول العظمى، وفي الوقت الراهن سيما بعد انهيار النظام السوري لا يمكن التكهن فيما إذا ستمتد قوات ” قسد” بسيطرتها على مناطق أخرى من عدمه وسيكون الأمر مرهون بشكل التفاهمات القادمة، سيما وأن الدعم الكبير المقدم من تركيا لفصائل هيئة تحرير الشام حسب قوله يأتي لغايات معينة من بينها ما تعتزمه أنقرة من خلق منطقة نفوذ عازلة بعيداً عن التواجد الكردي الذي تتصوره متآلف مع حزب العمال الكردستاني ” البي كي كي ” المتواجد في سوريا والعراق.

بالتالي توسع قوات قسد إلى مناطق قد تشكل خطرا على الجانب التركي، هذا سيفتح أبواب التفاوض بين واشنطن التي تدعم قوات قسد حسب قوله وأنقرة، وهناك رؤى جديدة ستتبلور بين الأقطاب الرئيسة في سوريا بعيداً عن أي تضارب لمصالحها لأنها متفقة مسبقاً على تغيير الواقع السوري القديم.

كما استبعد الخبير الاستراتيجي، أن تقع مواجهات مسلحة بين فصائل هيئة تحرير الشام وقوات سوريا الديمقراطية مستشهداً بما حصل في عدد من أحياء محافظة حلب التي تشهد تواجد قوات كردية وتم الاتفاق على خروجها دون أي صدام مسلح لافتاً إلى أن الموضوع متفق عليه مسبقاً وهناك رؤية لا تريد الذهاب صوب إسالة الدماء بإعادة ما صنعه تنظيم داعش في السابق.

الحرة

زر الذهاب إلى الأعلى