هل سبق أن قيل لك إن لديك تشابهًا غريبًا مع شخص آخر؟ هذا يحدث من حين لآخر، وعلى الإنترنت تجد صورة أو مقطع فيديو يظهر فيه أشخاص وأشباه لهم لا يعرفونهم، أو قد يشتهر شخص ما لأنه شبيه بفنان في إحدى الدول.
وفي بعض الأحيان يكون التشابه مدهشا لدرجة تفتح التساؤل عن درجة قرابة محتملة لشخصين لا يعرفان بعضهما بعضا، هذه الفكرة كانت جوهر عديد من القصص الغريبة في الحكايات الشعبية والأدب.
خلال السنوات الأخيرة، بدأ بعض العلماء يتساءلون، وتوصلوا إلى إجابات مدعومة علميًا عن ماهية الأشخاص المتشابهين، وكيف تحولت الفكرة بمرور الوقت؟ وما احتمالات العثور على شبيه لنا؟
الأشخاص المتشابهون.. أصل الفكرة
يقول رئيس قسم أبحاث التوائم وعلم الأوبئة الوراثية بكلية كينغز لندن تيم سبيكتور للجزيرة نت إن الأشخاص المتشابهين يعرفون بأنهم هؤلاء الذين “يتشاركون في خصائص جسدية بشكل لافت للنظر، لدرجة أنه في بعض الأحيان، يمكن بسهولة اعتبارهما توأمين أو على الأقل أشقاء أو أقارب”.
ويعود أصل التسمية إلى الكلمة الألمانية “دوبلغينغر” (Doppelgänger)، التي تُرجمت حرفيًا إلى “الدوبلير” أو “البديل”، واستخدمت في البداية للإشارة إلى المتشابهين في الفولكلور والأدب الألماني، وشاع استخدامها في مجال الفن، في إشارة إلى الشخص الذي ينوب عن الممثل أو البطل في القيام بالمشاهد الخطرة.
وظهر المصطلح لأول مرة في تسعينيات القرن الـ18 في رواية “7 أجبان” للكاتب الألماني جان باول، الذي عرَّف الأشخاص المتشابهين، في حواشي كتابه بأنهم أولئك الذين “يرون أنفسهم”.
وفي الثقافة الشعبية، غالبًا ما يكون الأشخاص المتشابهون كائنات شريرة، وفي بعض القصص، يُنظر إلى كون الشخص شبيهًا لشخص آخر على أنها ظاهرة خارقة للطبيعة، مثل الأرواح والأشباح التي تظهر لأفراد معينين ولعائلاتهم وأصدقائهم.
وكان يُنظر إلى رؤية شخص آخر مشابه على أنها حدث خطير للغاية يشير إلى سوء الحظ، فقد كان ظهور شبيهك بمثابة نذير شؤم ينبئ بمآسي مستقبلية.
مع ذلك، كان ظهور بعض التوائم الغرباء يحمل تحذيرات، حيث افترضت التقاليد الألمانية والسلتية القديمة في أوروبا الغربية أن ظهور شبيه كان علامة على الهلاك الوشيك أو الموت أو المرض.
واستخدمت هوليود السيطرة التي يتمتع بها الأشخاص المتشابهون في أفلام مثل “فيرتيغو” ومسلسل “الباقون” لإظهار التناقض بين الخير والشر، وتسليط الضوء على العلاقة التكافلية بينهما.
أكثر من مجرد التشابه في الشكل
في أواخر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أثارت مسابقة لأشباه الممثل الأميركي تيموثي شالاميت حالة من الفوضى في واشنطن سكوير بارك بمدينة نيويورك، حيث حضر الآلاف ممن يظنون أنهم أشباه تيموثي، وتجادل عديد من المعلقين حول من كان يجب أن يفوز حقًا بالجائزة البالغة 50 دولارًا.
ومع وجود تشابه في ملامح كثير من المشاركين في المسابقة بالفعل، لم يكن من المستغرب أن يثبت العلم وجود مزيد من القواسم المشتركة بين الأشخاص المتشابهين أكثر مما تراه العين.
في عام 2022، سعى فريق من العلماء الباحثين بقيادة مانيل إستيلر، عالم الوراثة في معهد أبحاث اللوكيميا في برشلونة، إلى معرفة إذا ما كان هناك أساس علمي لوجود تشابه بين أشخاص ليس بينهم أي صلة قرابة على الإطلاق، وإذا ما كان ذلك يرجع إلى الحمض النووي الخاص بهم أو عوامل بيئية أخرى.
ووفقًا للبحث المنشور في مجلة “سل ريبورتس”، الذي أُجري على 32 زوجًا من الأشخاص المتشابهين للغاية، فإن 16 زوجا من هؤلاء الأشخاص لديهم سمات أكثر تشابهًا، ويتشاركون أيضًا في العديد من نفس الجينات وسمات نمط الحياة أكثر من النصف الآخر الذين لديهم سمات أقل تشابهًا.
لفهم ما يحدث على المستوى الجيني بين الأشخاص المتشابهين، تعاون العلماء مع المصور الكندي فرانسوا برونيل، الذي كان يسافر حول العالم لتوثيق وتصوير أكبر عدد ممكن من الأشخاص الذين يبدون متشابهين بشكل ملحوظ.
على مدار أكثر من عقدين من الزمان، جمع برونيل مجموعة ضخمة تضم أكثر من 250 صورة لأشخاص متشابهين من أكثر من 30 مدينة حول العالم، وتوج كل هذه السنوات من العمل الجاد في مشروع بعنوان “أنا لست متشابهًا!”.
وللتعرف على إذا ما كانت أوجه التشابه التي اختبرها برونيل تمتد إلى ما هو أبعد من الوجه، اختبر الباحثون بعد ذلك الحمض النووي للمشاركين، ووجدوا أن 9 أزواج من أصل 16 من المتشابهين الذين تم تصويرهم في مشروع برونيل يشتركون بالفعل في الحمض النووي، وهذا يعني أن لديهم سمات وراثية مماثلة، على الرغم من عدم وجود صلة بيولوجية.
من حيث معايير نمط الحياة المختلفة، تمكن الباحثون من العثور على مزيد من أوجه التشابه بين الأشخاص المتشابهين -بخلاف الحمض النووي المشترك- مقارنة ببقية مجموعة الدراسة، كما وجدوا أوجه تشابه في المعايير الحيوية مثل الحالة العائلية والنظام الغذائي وما إلى ذلك.
كما كان هؤلاء الأشخاص الذين لديهم توافق عالٍ في الخوارزميات والقواسم المشتركة الجينية لا يشتركون في الوجه فحسب، بل وأيضًا في سمات أخرى، مثل الخصائص الأنثروبومترية مثل الطول والوزن، وبعض سمات سلوكهم التي قد تشمل العادات الشائعة مثل إدمان التبغ والتعليم، والتي يمكن أن ترتبط بمعامل الذكاء.
ويرى تيم سبيكتور -الذي لم يشارك في الدراسة- أن تشابه جينات وسمات شخصين غير مرتبطين يمكن أن تكون له آثار طبية مهمة في المستقبل، وقد يوفر الأساس لتشخيص الأمراض الوراثية والنادرة باستخدام التعرف على الوجه، مثل مرض السكري أو الزهايمر، ويسمح للمحققين الجنائيين باستخدام عينة من الحمض النووي في مسرح الجريمة للتنبؤ بملامح وجه شخص ما، لكن هذا يحتاج إلى مزيد من الدراسات للتحقق من صحة النتائج.
“شبيهي الذي يبلغ عمره 2000 عام”
إلى جانب هذه الدراسة، كان مشروع برونيل المستوحى من تشابهه مع شخصية الممثل الإنجليزي روان أتكينسون، أساسًا لتحقيق علمي أجرته نانسي سيغال، أستاذة علم النفس والمتخصصة في دراسات التوائم بجامعة ولاية كاليفورنيا فوليرتون، التي كانت من بين العلماء الآخرين الذين استخدموا أشخاصا متشابهين في مشروع برونيل لتسوية نقاش علمي صغير، لكنه صاخب.
وخلصت الدراسة التي قادتها إلى أن الأشخاص المتشابهين غير المرتبطين ليس لديهم أي احتمالات لمشاركة “السمات الخمس الكبرى للشخصية” (الانفتاح على التجارب والضمير والانبساط والعصابية والاستقرار)، مقارنة بمجموعات مختلفة من التوائم، بما في ذلك التوائم الذين نشؤوا منفصلين بعيدًا عن بعضهما بعضا، والذين كانت لديهم فرصة إحصائية أكبر لمشاركة هذه السمات، كما لم يتشابهوا ببعضهم بعضا عند قياس تقديرهم لذواتهم.
ودحضت سيغال، وهي مؤلفة كتاب “منقسمون عن عمد”، الانتقادات القائلة بأن “تشابه شخصية التوائم المتطابقين لا يرجع إلى تشابههم الجيني، بل يرجع إلى حقيقة أن مظهرهم المتطابق يدعو إلى معاملة مماثلة من قبل الآخرين”، وبدلاً من ذلك، فإن التفسير الأكثر حكمة هو الارتباط التفاعلي بين النمط الجيني والبيئة.
على الرغم من أن سيغال أثبتت أن السمات بين الأشخاص المتشابهين أكثر اختلافًا من الشخصيات بين التوائم، فإن “التوأمين الغريبين” في دراسة إستيلر وفريقه يشتركان في أكثر من مجرد وجوه متشابهة، وبفضل الجينات التي تتحكم في طول عظامهم، فقد تكون لديهم مشية متشابهة.
أكثر من ذلك، تجاوز البعض تعريف الشبيه على أنه نسخة طبق الأصل من شخص حي إلى الربط بين الشخص وشبيهه المتوفي، فبفضل الإنترنت، أصبح من السهل على الباحثين تعقب ودراسة الأشخاص المتشابهين في أزمنة مختلفة، وإن كان أحدهما مجرد تمثال في متحف.
ففي عام 2017، سأل متحف الحضارة في مدينة كيبيك بكندا أفرادًا من عامة الناس عما إذا كانوا يعتقدون أنهم يشبهون الإلهة أفروديت أو الإله أبولو أو أي من المنحوتات اليونانية الرومانية والمصرية التي يعود تاريخها إلى حوالي 2000 عام.
استجاب أكثر من 100 ألف شخص من جميع أنحاء العالم لدعوتهم، ورفعوا صورا شخصية إلى قاعدة بيانات، واختار المتحف من بينهم أفضل المشاركات باستخدام برنامج التعرف على الوجه.
أصبح أكثر من 20 اختيارًا نهائيًا جزءًا من المعرض الذي أُطلق عليه “شبيهي الذي يبلغ عمره 2000 عام”، لكن مديرة البرمجة بالمتحف، اعتبرت 5 أو 6 صور فقط “مطابقة”، أي أنها صور تشبه تمثالًا بدقة لا تقل عن 95%.
احتمالات العثور على شبيهك
بخلاف التوائم المتطابقة الذين يشتركون في نفس الجينات تقريبًا، هل لدينا جميعًا شبيه في مكان ما؟ وما احتمالات أن تجد هذا الشخص الذي يشبهك في مكان ما حول العالم؟ لسنوات عديدة، بحث العلماء عن إجابات ولم يحالفهم الحظ.
استنادًا إلى عدد السكان المتزايد، يتوقع سبيكتور أن يكون لدينا شبيه واحد على الأقل في مكان من العالم، وربما لكل واحد منا نسخ متعددة من شكله، ويضيف: “وجود مجموعة واسعة من الخصائص والسمات بين البشر يزيد من احتمال تكرارها بأكثر من طريقة، وتشكل في النهاية نمطا متشابها، لكن المشكلة تكمن في نسبة التشابه بين الأشخاص، فكل شخصين متشابهين بنسب معينة”.
في حين تبدو الاحتمالات العلمية لا حصر لها في هذا الشأن، لا يبدو الأمر بهذه البساطة بالنسبة لعلماء آخرين. على سبيل المثال، عام 2015، أجرت عالمة الأنثروبولوجيا في جامعة أديليد في أستراليا، تيجان لوكاس، دراسة لتقييم وجوه ما يقرب من 4 آلاف شخص لا تربطهم صلة قرابة، لتحديد المسافات بين ملامح الوجه واحتمالات أن تكون هذه المسافات مشتركة على نطاق واسع.
الدراسة التي نُشرت في “جورنال أوف ليغال ميديسن”، تحت عنوان “هل الوجوه البشرية فريدة من نوعها؟”، قارنت بين هؤلاء الأشخاص من حيث 8 قياسات للوجه، و8 قياسات للجسم، لترى مدى تشابههم حقًا. وتضمنت بعض قياسات الوجه والرأس الدقيقة للغاية التي تشير إليها الدراسة طول الأذن ومحيط الرأس والمسافة بين مركزي الحدقتين اليمنى واليسرى.
بقياس مسافات الوجه بدقة، تبين أن فرصة التطابق التام لأبعاد الوجوه معدومة تمامًا، إذ وجد الباحثون أن احتمال مشاركة 4 قياسات مع شخص آخر كان أقل من واحد في المليون، في حين كان احتمال مشاركة 8 قياسات أقل من واحد في تريليون، مما يقلل من احتمال وجود ثنائي من الأشخاص المتشابهين مع اختلافات طفيفة.
تقول لوكاس التي قادت الدراسة، في تصريحات للجزيرة، “حتى إذا أخذت شيئًا بسيطًا مثل الأذن، فإن الأذن فريدة من نوعها بين كل فرد وهناك خصائص تشريحية كافية في الأذن، بحيث يمكننا التعرف على شخص ما من خلال الأذن”، وتضيف: “كانت لدي حالات مثل هذه. قام شخص ما بسرقة بنك وكان يرتدي قناعًا، وكانت أذنه بارزة، وقمنا بمقارنتهما”.
بالنظر إلى قياسات بقية الجسم، وجد الباحثون أن احتمالات وجود توأمين غريبين كانت أكثر قتامة، وبناءً على 8 قياسات، فإن الفرصة تكون أقل من 1 في كوينتيليون (مليون تريليون)، هذا لأن هذه القياسات أكبر، وبالتالي يكون نطاقها أكبر، مما يعني أن هناك فرصة أقل لمطابقة الأشخاص مع بعضهم البعض.
ووفقًا للوكاس، “كلما أخذت في الاعتبار مزيدا من القياسات، قل احتمال تطابق شخص ما مع آخر بنسبة 100% في طريقة التشابه الحقيقية”، وتضيف: “قد يبدو شخصان متشابهين للغاية للعين المجردة، ولكن عندما تبدأ في القياس، لن يتطابقا مع بعضهما بعضا، وهذا ما يجعل استدعاء أحد الشهود للتعرف على وجه أحد المشتبه بهم غير موثوق به للغاية”.
كيف تجد شبيهك؟
لحسن الحظ، بالنسبة لأولئك الذين يشعرون بالخوف من رؤية أشباههم، تقول النتائج التي خلصت إليها دراسة لوكاس وفريقها إن فرص وجود شبيه لك يشترك معك في نفس مظهر الوجه والجسم تكاد تكون مستحيلة.
لكن إذا كنت ممن يتساءلون عما إذا كانوا قد يتمكنون من العثور على شبيه لهم بين أكثر من 8 مليارات شخص حول العالم، فلا داعي لليأس. هناك كثير من الخيارات المتاحة أمامك لمعرفة الشخص الذي يتطابق معك، هذا إذا كان هناك بالفعل شبيه يمكنك العثور عليه.
هذا الشغف الدائم بالأشخاص المتشابهين جعل المواقع والتطبيقات التي تدعي مطابقة المستخدمين مع أشباههم عبر الإنترنت تحظى بشعبية واسعة النطاق، بما في ذلك “توين سترينجرز” و”آي لوك لايك يو” و”صب ريديت دوبلغينغر”.
تعلن هذه المجموعة من المنصات عبر الإنترنت عن قدرتها على اكتشاف الأشخاص المتشابهين ضمن مجموعات المستخدمين الخاصة بها، وهناك مواقع أخرى تدلك على توأمك من المشاهير.
كل ما عليك فعله هو تحميل صورة لنفسك على برنامج التعرف على الوجه، وسيظهر توأمك الغريب، لكن كثيرا ممن فعلوا ذلك أُصيبوا بخيبة الأمل، لأن مجرد التشابه مع شخص ما لا يعني أنك ستكون متشابهًا، لذلك كن حذرًا، فربما لا يروقك مدى اختلاف الشخصية مع شبيهك، وقبل كل ذلك، توخ الحذر، فقد تشارك معلومات شخصية يمكن أن تعرض هويتك للخطر.
الجزيرة