الخوري : القطاع الصناعي يشهد منذ بداية الأزمة نموًّا فاق كلّ التّوقعات

تحدّث الأكاديمي والخبير الاقتصادي د. بيار الخوري إلى هنا لبنان بشأن تجاوز القطاع الصّناعي أزماته ووقعه خلال 2022، نستعرض أدناه أهم ما جاء في الحديث :
يرى الخبير الاقتصادي البروفيسور بيار الخوري أنّ القطاع الصناعي يشهد منذ بداية الأزمة عام 2019 نموًّا فاق كلّ التّوقعات، ومن غير المنطقيّ أن يشهد هذا الاتّجاه تراجعًا في المستقبل لأيّ سببٍ كان، لبنان يعاني من مشكلةٍ جذريّةٍ في توفّر العملات الأجنبية التي كانت تؤدّي إلى تفضيل اختيار السّلع المستوردة في السابق، وساعدت الأزمة الحاليّة في تجاوز مفاعيل القانون الجمركيّ للعام 2000 والذي قضى بتخفيض الرسوم الجمركيّة على كافّة البضائع المستوردة بشكلٍ جذريٍّ، ما أدّى إلى تدمير 80% من الصّناعيين اللّبنانيين.
ويتابع الخوري، “العام 2022 سوف يعطي بعدًا أكبر للقطاع الصناعي إذا ما تمّ تعديل ورفع تسعير الدولار الجمركي بما يؤدّي إلى غلاءٍ إضافيٍّ في البضائع المستوردة. الملاحظ أنّ القطاع الصناعيّ قد تميّز خلال الأزمة بمرونةٍ واسعةٍ سمحت له بتلبيةٍ سريعةٍ لحاجات السوق المحليّة، بما يتلاءم مع مستوى الدّخل المنخفض الذي عانى منه المستهلك اللّبناني والمقيم وما زال”.
ويضيف، “صحيحٌ أنّ هذا القطاع فيه تشوّهاتٌ كبيرةٌ وربّما سببها الأساس المصانع غير الرّسمية وأيضًا التّعرّض للتّهريب، لكنّ ذلك لم يمنع هذا القطاع من النّموّ لأنّ فيه استثماراتٍ وخبراتٍ متراكمة سمحت بمقارنة جودة السّلع المحليّة التي لا تقلّ عن السّلع المستوردة، خصوصًا في المصانع العريقة أو ذات الاستثمارات الكبرى. كما أنّه من الملاحظ أنّ المصانع اللّبنانية اليوم تبرم اتّفاقاتٍ مع شركاتٍ دوليّة لتصنيع الماركات الدوليّة في لبنان وهذا أيضًا سيفتح آفاقًا كبيرة أمام هذه الصناعة، وسيوسّع خيارات المستهلك اللّبناني عند مستوى الدّخل الجديد المنخفض”.
وفيما لو تنوي بعض المصانع هجرة لبنان تمامًا كما فعلت “الأدمغة”، يقول: “ليس هناك أسبابٌ جوهريةٌ تدفع هذا القطاع للهجرة. لقد انتظر القطاع الصناعيّ أكثر من 20 عامًا هذه الفرصة لخدمة البلد ولتوفير جزءٍ عزيزٍ ممّا كان ينفقه اللّبنانيون على الاستيراد والحفاظ عليه في لبنان وخلق فرص عملٍ للبنانيين.
صحيحٌ أن لا أحد كان يتمنى أن تحصل الأمور بهذه الطريقة، أي أن يكون نموّ القطاع الصّناعي على حساب الانهيار الاقتصادي، ولكن بسبب سوء السّياسات هذا ما حصل. ولو قدّر لهذا القطاع أن يتمّ احتضانه من خلال استراتيجيّةٍ وطنيّةٍ للنّموّ، لكنّا رأينا القطاع ينتج 40% من الناتج المحلي الإجمالي في لبنان، أي أكثر ممّا كان ينتجه قبل الحرب الأهلية.
بإمكان هذا القطاع أن يتوسّع إلى الخارج ولكنّ هذا لا يعني بالضرورة الهجرة، ومؤخّرًا حصلت زيارةٌ لغرفه التجارة وجمعية الصّناعيين إلى دولة عمان، وهناك تمّ توقيع اتّفاقاتٍ تسمح للصّناعيين اللّبنانيين بتوسيع صناعاتهم إلى تلك الدّولة الشّقيقة، وفي الوقت نفسه تسمح بتصدير البضائع المصنّعة محليًا.
ويشير إلى أنّ المشكلتين الأساسيتين اللتين تواجهان القطاع اليوم هما، المشكلة الأولى، هي العلاقة المتوتّرة مع المملكة العربية السعودية وضرورة إيجاد حلٍّ لموضوع التصدير إلى تلك السوق الكبيرة، ولكن في الوقت نفسه يستفيد القطاع دائمًا من توسّع السوق الداخلية ومن الميزة التّنافسية له في التّصدير إلى مختلف أسواق العالم بما في ذلك أسواق لم يكن متاحًا الدخول إليها بتاتًا قبل الأزمة بسبب ارتفاع الكلفة.
والمشكلة الثانية التي تحتاج إلى حلٍّ هي كلفة الطاقة، وهي أيضًا أحد العوائق في سبيل منافسة أوسع لهذا القطاع. اليوم هناك مشاريع للتّحول نحو الطّاقة النّظيفة في القطاع الصّناعي، وهذا سيخفّض بشكلٍ جذريٍّ كلفة الصّادرات اللّبنانية.
وشدّد الخوري على أنّه حتى الآن ما من معطياتٍ عن انهيار القطاع، ولكن هناك مشاكل جوهرية بحاجةٍ إلى حلولٍ جذريةٍ أولّها العمل على إنشاء مجلسٍ للصادرات يفوّض بصلاحياتٍ واسعةٍ، أوّلها الإعفاءات الجمركيّة وتشريع المصانع غير المرخّصة ووضع ضوابط جودة لعملها، وفتح أسواق جديدة عبر اتفاقات مع الخارج، ونشير هنا إلى ضرورة الشروع بالاستفادة من إدراج لبنان ضمن مبادرة الحزام والطريق وما يمكن أن يشكّله ذلك لكلٍّ من الصناعيين كما القطاع الزراعي على صعيد الصادرات.
ويختم بالقول إنّ أولويّة النموّ وإعادة تموضع خطاب ولغة السياسيين بما يخدم ذلك هي مسألة فائقة الأهمية، داعيًا إلى تحييد المصالح الحيوية للشّعب اللبناني عن الصراعات المحلية والإقليمية.