على الرغم من الحملة الإسرائيلية العنيفة على قطاع غزة والتي دخلت شهرها الثاني، مخلفة أكثر من 11 ألف ضحية، إلا أن محللين يؤكدون أنها لم تحقق الكثير من أهدافها بالقضاء على حركة حماس.
فإسرائيل التي قصفت القطاع بنحو 32 ألف طن من المتفجرات وأكثر من 13 ألف قنبلة، بمتوسط 87 طنا من المتفجرات لكل كيلومتر مربع، وفق المكتب الإعلامي لحكومة غزة، لم تحقق تقدما حتى اليوم بمعضلة الأنفاق وهي العائق الأكبر أمامها.
ولخطورة المعركة على ما يبدو تعتمد تل أبيب على القصف الجوي وحرب الشوارع حتى اللحظة، وفقا لصحيفة “نيويورك تايمز”.
يعاني قطاع غزة من مزالق مروعة يعلمها الجنود الإسرائيليون ويتوقعون خطورتها من حرب المدن، كالكمائن الشاهقة، وخطوط الرؤية المقطوعة، والأهم الأنفاق المفخخة عند المداخل.
وبينما تشق القوات البرية الإسرائيلية طريقها إلى الأمام في غزة، يبقى الخطر الأكبر يكمن تحت الأقدام، فمقاتلو حركة حماس بنوا متاهة من الأنفاق المخفية التي يعتقد البعض أنها تمتد عبر معظم إن لم يكن كل قطاع غزة، وهي الأراضي التي يسيطرون عليها.
إلا أنها ليست مجرد أنفاق، حيث تلتف الممرات تحت مناطق سكنية كثيفة، وتسمح للمقاتلين بالتحرك بحرية بعيدا عن أعين العدو.
كما يعتقد الباحثون أن هناك أيضا مخابئ لتخزين الأسلحة والغذاء والماء، وحتى مراكز قيادة وفتحات واسعة بما يكفي للمركبات.
وتعمل الأبواب والبوابات ذات المظهر العادي كنقاط دخول مقنعة، ما يسمح لمقاتلي حماس بالانطلاق في مهام ثم العودة بعيدا عن الأنظار.
لا يوجد لدى أي شخص خارجي خريطة دقيقة للشبكة، إلا أن قليلاً من الإسرائيليين شاهدوها بشكل مباشر.
لكن الصور ومقاطع الفيديو والتقارير الواردة من الأشخاص الذين كانوا في الأنفاق تشير إلى الخطوط العريضة الأساسية للنظام وكيفية استخدامه. وهناك أيضاً صور التقطها صحافيون داخل الممرات، وروايات للباحثين الذين يدرسون الأنفاق، وتفاصيل الشبكة التي انبثقت من القوات الإسرائيلية عندما غزت غزة عام 2014.
تعتبر الهياكل الخرسانية المسلحة أكثر من مجرد خط أنابيب عبور، بل هي بمثابة ملاجئ ضد الهجمات وغرف التخطيط ومستودعات الذخيرة ومساحات للأسرى.
ويعد تفكيك الأنفاق جزءا أساسيا من هدف إسرائيل المتمثل في القضاء على قيادة حماس في أعقاب هجوم 7 تشرين الأول، والتي استخدمته مبررا لقصف المناطق المدنية، بما في ذلك الغارة الجوية الإسرائيلية الكبيرة التي ضربت منطقة مكتظة بالسكان في حي جباليا، ونفت حماس وجود أنفاقها تحتها.
أما لتدمير الأنفاق على الأرض، فستحتاج القوات الإسرائيلية في غزة إلى العثور على مداخل غالبا ما تكون مخفية في أقبية المباني المدنية، وتؤدي إلى أنفاق مبطنة بالخرسانة.
وقال الخبراء إن طولها عادة ستة أقدام ونصف وعرضها ثلاثة أقدام، مما يجبر المقاتلين على التحرك من خلالها في صف واحد.
كما وصفت امرأة إسرائيلية تبلغ من العمر 85 عاما، كانت احتُجزت أسيرة لمدة 17 يوما في الأنفاق بعد 7 تشرين الأول، أنها سارت عبر “شبكة عنكبوت” من الأنفاق الرطبة، مضيفة أنها وصلت في النهاية إلى قاعة كبيرة كان يوجد بها أكثر من 20 أسيراً.
ويعتقد أنه لا يزال هناك أكثر من 200 رهينة إسرائيلية تحتجزهم حماس، ومن المرجح أن العديد منهم موجودون في نفس الأنفاق التي تهدف إسرائيل إلى تدميرها.
تم توثيق هذه الأنفاق في منطقة رفح، حيث تستخدم لإدخال جميع أنواع البضائع والمنتجات إلى غزة من مصر.
وفي أجزاء من رفح، بحسب روايات بعض العمال، هناك أنفاق كثيرة، يتقاطع بعضها على أعماق مختلفة.
وعلى الرغم من أن الجيش الإسرائيلي يتفوق بكثير على مقاتلي حماس من حيث الحجم والمعدات، إلا أن قتال العدو بشبكة الأنفاق الخاصة به يعد مهمة عالية المخاطر.
كما يصفها جون دبليو سبنسر، الذي يدرس حرب المدن في معهد الحرب الحديثة التابع للأكاديمية العسكرية الأميركية، بأنها أشبه “بالقتال تحت البحر وليس على السطح أو داخل المبنى”.
وقال مؤخرا في برنامج Modern Warfare Project: “لا شيء تستخدمه على السطح يعمل، يجب أن تكون لديك معدات متخصصة للتنفس والرؤية والتنقل والتواصل واستخدام الوسائل القاتلة، وخاصة إطلاق النار”.
كذلك يقول الخبراء إن أحد المخاطر الرئيسية للدخول إلى الأنفاق هو أن حماس قامت بتفخيخ المداخل بالمتفجرات.
وقال أهرون بريجمان، وهو زميل تدريس بارز في جامعة كينجز كوليدج في لندن والمتخصص في الصراع العربي الإسرائيلي: “في اللحظة التي يدركون فيها أن الإسرائيليين دخلوا الأنفاق، سيضغطون على الزر وقد ينهار الأمر برمته على الإسرائيليين”.
وأضاف أن الأنفاق كبيرة للغاية، وليس هناك أي فائدة في تفكيكها كلها، وبدلاً من ذلك، سوف يركزون على إغلاق مداخلها على الأرجح عن طريق شن غارات جوية، أو قيام المهندسين بتدميرها بالمتفجرات.
كذلك شدد على أنه من غير المرجح أيضا أن يخوضوا معركتهم تحت الأرض، إلا إذا اعتقدوا أنه ليس لديهم خيار آخر، لأن دخول الأنفاق من شأنه أن يجرد القوات الإسرائيلية من المزايا التي تتمتع بها، وفي هذه اللحظة، يحرز الإسرائيليون تقدماً بحشد كبير من القوات والدبابات والمروحيات.
وقال: “في اللحظة التي تنزل فيها إلى النفق، تجد نفسك واحداً ضد واحد”.
يتم إخفاء العديد من المداخل في أقبية المباني، ولكن حتى تلك الموجودة بالخارج يصعب اكتشافها.
في حين أن الطريقة الوحيدة للعثور عليهم هي إرسال جنود لتمشيط المناطق سيرًا على الأقدام، وغالباً ما تكون المداخل مجهزة بقنابل يتم تفجيرها عن بعد أو متفجرات مزودة بأسلاك تعثر.
كما تسمح المداخل المتعددة والممرات المتفرعة لمقاتلي حماس بالانتظار، ثم شن هجمات مفاجئة على قوات العدو.
وإذا ما نجحت القوات الإسرائيلية في تدمير نفق ما بغارات جوية أو متفجرات أرضية، فيمكن لحماس أن تقوم بسرعة بحفر مداخل أخرى، ما يضمن بقاء الممر قيد التشغيل.
وربما لن تتمكن القوات الإسرائيلية من تدمير شبكة الأنفاق بأكملها، وفق التقرير.
يشار إلى أن الأنفاق التي تم حفرها في غزة كانت تستخدم في الأصل لتهريب البضائع من وإلى مصر للتحايل على الحصار الإسرائيلي، لكن النشطاء الفلسطينيين قاموا ببناء أنفاق لنقل الصواريخ وقاذفات الصواريخ، وحماية عناصر الفصائل من رصدهم بواسطة الأقمار الصناعية والطائرات الإسرائيلية، ولشن هجمات داخل الأراضي الإسرائيلية.
وكانت القوات الجوية الإسرائيلية قد حصلت على المزيد من القنابل الأميركية الصنع لمساعدتها في تدمير متاهة الأنفاق التي تستخدمها عناصر حماس في القطاع، إلا أنها لم تحرز أي تقدم في هذا المجال حتى اليوم، وفق محللين.