The News Jadidouna

الى فرنجيّة… على “الطريقة الجنبلاطيّة”

كتب طارق ترشيشي في الجمهورية

رويداً رويداً تتبلور صورة واقع الاستحقاق الرئاسي بعدما ثبت من خريطة تَوزّع القوى في المجلس النيابي انّ الحل بات يكمن في طريق واحد، ألاّ وهو التوافق السياسي غير المشروط وغير المرتبط بأي تعقيدات استراتيجية، بحيث ان الذهاب الى هذا التوافق يقتضي وضع كافة العوائق جانباً والانفتاح على النقاش وتبادل الآراء بموضوعية تامة، اذ انّ النتيجة الحتمية حاصلة بتوافق او بلا توافق، إلا انّ حصولها ضمن تفاهم وطني يعطي فرصاً متقدمة للعهد الجديد من حيث قدرته على الانتاج والانجاز.

يقول معنيون بالاستحقاق الرئاسي انّ واقعه اليوم يتمحور حول الـ»ستاتيكو» السياسي الآتي:

اولاً – تبيّن للقاصي والداني ان القوى التي تسمي نفسها «سيادية» ورشحت النائب ميشال معوض، أثبتت عجزها عن تخطّي الرقم الثلاثيني وعدم قدرتها ايضاً على بلوغ الرقم 65 نتيجة تمنّع كتلة «الاعتدال الوطني» وتكتل «التغيير» عن السير معها، فلو قدّر لها ان تجتمع على اسم لكانت الامور عكس ما يحصل اليوم، أي لما كنّا سمعنا رئيس حزب الكتائب سامي الجميّل يدعو الى تعطيل جلسات الانتخاب، بعدما كان يتّهم كل من يعرقل هذه الجلسات بالخيانة العظمى.

ثانياً – ثبت بما لا يقبل الشك انّ تكتل «التغييريين» هو كناية عن تكتلات عدة، وبالتالي انّ هذا الامر يفتح المجال امام ليونة في الارقام التي يمكن ان يجمعها اي مرشح.

ثالثاً – تبيّن انّ رئيس تيار»المردة» سليمان فرنجية يتمتع بثقة سياسية ولا تخلو من العاطفة لدى تكتل «الاعتدال الوطني» بحيث يظهر انه المرشح الافضل لدى الاكثرية النيابية السنية في مجلس النواب، وهذا الموقف بالتحديد، يعكس حقيقة ان المملكة العربية السعودية لم تضع «فيتو» عليه، لا بل انها ما تزال ضمن إطار الاهتمام بمواصفات الرئيس العتيد، وهذا الامر ناجم من انّ فرنجية بالذات قد طمأن الجميع في الداخل والخارج علناً عبر وسائل الاعلام وداخل الاجتماعات المغلقة الى تمسّكه بـ»اتفاق الطائف» والحرص الشديد على العلاقات مع دول الخليج العربي والسعودية في طليعتها.

رابعاً – تأكيداً لما تقدّم آنفاً، انّ اي قراءة لردة الفعل الناجمة من القوى السيادية في مؤتمر حزب الكتائب، تؤكد بما لا يقبل الشك انّ المملكة العربية السعودية لم تتخذ قراراً يتناسب مع طروحات هذه القوى، ما يعني ان الرياح السعودية لا تجري بما تشتهي سفن السياديين وعلى رأسهم «القوات اللبنانية».

خامساً – في المقلب الغربي تسرّبت في اليومين الماضيين معلومات عن لقاءات الوفد النيابي اللبناني في واشنطن، مفادها انّ الولايات المتحدة الاميركية غير معنية مباشرة بطَرح أسماء لرئاسة الجمهورية اللبنانية، وانها تدعو الى التوافق بين كافة القوى السياسية، مشيرة الى انها تعتبر انتخاب فرنجية يجب القبول به ديموقراطياً ولن تقف حائلاً دونه.

سادساً – تبيّن ان الموقف الذي أطلقه اخيراً النائب علي خليل المعاون السياسي لرئيس مجلس النواب نبيه بري هو دقيق لجهة الارقام، بدليل تَوقّف «القوى السيادية» عن المطالبة بجلسات انتخابية متتالية، وتركت النائبين ملحم خلف ونجاة عون يتجمّدان صقيعاً وحدهما في أروقة مجلس النواب. وتجلّى ذلك في الكلام الصادر عن كل من «القوات اللبنانية» وحزب الكتائب من أنهما سيبادران الى تعطيل جلسات انتخاب فرنجية اذا ما توافر له تأييد الاكثرية المطلقة

سابعاً – ما يلفت الانتباه في خضمّ هذه المَعمعة هو «الحرب السياسية الباردة» الناشبة بين حزبي «القوات» و»الكتائب»، اذ جاء موقف الجميّل لِيُزايد على موقف «القوات» مناقضاً تصريحات سابقة له بوجوب عدم تعطيل جلسات مجلس النواب، فيما سرّبت مصادر «القوات» انها لا تحذو حذوه في التعطيل، وأنها ستسعى الى ضرب رقم فرنجية واذا لم تفلح بذلك فستؤمّن النصاب لجلسة الانتخاب وتذهب الى صفوف المعارضة، علماً انها لا توفّر مناسبة إلا وتخاطب فيها فرنجية باحترام مُلفت.

ثامناً – يعتقد مراقبون ان «القوات اللبنانية» اذا شاركت في لقاء بكركي الموسّع سترتكب خطأ جسيماً لا يقل شأناً عن انتخاب الرئيس ميشال عون عام 2016، لأنها تكون بمشاركتها هذه قد فَكّت العزلة عن باسيل الذي يسعى للاستحصال من لقاء بكركي على مُسلّمة أساسية مفادها عدم جواز انتخاب رئيس من دون موافقة الغالبية المسيحية، حيث يعتقد أنه بمجرد حصوله على هذه المسلّمة يكون قد ضرب حظوظ فرنجية ووضَعه خارج الترشيحات الرئاسية، ثم يفتح الباب حينها مع «حزب الله» بإيجابية مطلقة طالباً منه ترشيح مَن يشاء على ان يؤمّن لهذا المرشح الجديد «الميثاقية المسيحية» دونما حاجة الى بقية المسيحيين، فتكون «القوات اللبنانية» بحضورها اجتماع بكركي قد فكّت عزلة باسيل وأعطته شرعية اختيار رئيس والتحكّم به لمدة 6 سنوات اخرى.

على انّ البعض يرى ان على رئيس حزب «القوات» الدكتور سمير جعجع استثمار حجمه النيابي الكبير المتمثّل بتمثيله للغالبية المسيحية، والذهاب الى انتخاب فرنجية مُنهياً بذلك ظاهرة باسيل الذي يعاني مشكلات جوهرية وحادة مع «حزب الله»، فينفرد جعجع في هذه الحال بالزعامة المسيحية الى جانب رئيس جمهورية ليس لديه نيّات توسعية مسيحية، وإلّا عليه ان ينتظر 6 سنوات اخرى ولن تكون كافية إلا اذا حصد كتلة من 65 نائباً، وهذا امر مستحيل. وما يدعم هذه الفرضية ويسهّل على جعجع السير بها هو الموقف الخارجي من الاستحقاق الرئاسي الذي يسمح لكافة القوى ان تعمل وفق «الطريقة الجنبلاطية».

تاسعاً – انّ الاجتماع الخماسي المُنعقد في باريس سيضع مواصفات شبيهة بالمعايير التي وضعها اللقاء الثلاثي الاميركي ـ الفرنسي ـ السعودي في نيويورك خلال الخريف الماضي. كما انّ الكلام عن تَطابق في وجهات النظر بين الرياض وباريس يعمل لمصلحة فرنجية، اذ انّ فرنسا ليست بعيدة عن خياره، فبالاضافة الى علاقتها المباشرة معه، تدرك انّ إنجاز الاستحقاق الرئاسي لا بد ان يأخذ في الاعتبار موقف «حزب الله» الذي ليس لديه مرشحاً وإنما يدعم التوافق على مرشح لا يطعنه في الظهر.

يقول معنيون بالاستحقاق الرئاسي إنهم يتوقّعون ان تشهد الايام والاسابيع المقبلة تطورات ستتبلور معها كل الخيارات التي من شأنها التعجيل في إنجاز هذا الاستحقاق… فلننتظر لنرَ.

This website uses cookies to improve your experience. We'll assume you're ok with this, but you can opt-out if you wish. Accept Read More

Privacy & Cookies Policy