The News Jadidouna

الصرّافون غير الشرعيين: أكثر من وجه لعملة واحدة!

كتب جورج شاهين في الجمهورية

على وَقع الحملة الامنية لتوقيف المضاربين والصرّافين غير الشرعيين الكبار ظنّ بعض اللبنانيين انهم سيستفيقون على انهيار سعر السوق السوداء للدولار، وفاتَهم انّ هؤلاء هم من عدة العملية الجارية في البلاد التي يخوضها «الاعدقاء» – أعداء في السياسة وأصدقاء للدولار ـ منهم من يريد تأخير الإنهيار الكبير وآخرون يهوون تمويل مشاريعهم والكسب السريع. وهو ما جعل الموقوفين منهم والفارين يتمتعون بأكثر من وجه لعملة واحدة. وعليه، كيف السبيل الى شرح هذه المعادلة؟

يبدو العجز واضحاً في تحديد الأسباب الكامنة وراء انهيار أسعار العملة الوطنية الى الدرك الذي بلغته وما انتهت اليه من فوضى على أكثر من صعيد، بعدما عجزت خزينة الدولة عن توفير احتياجات القطاع العام والمؤسسات العامة وافتقدت الخدمات الاساسية. وإن عاد أهل الحكم الى موازنة العام 2022 التي تراجعت ارقامها من 17 مليار دولار لموازنة العام 2019 الى 950 مليون دولار اميركي، فهم يفتقدون وسائل المواجهة كاملة. فقد كانت الأرقام الجديدة للموازنة تساوي فيما مضى مبلغاً غير كاف لتنفيذ مشروع اوتوستراد او بناء جسر او مبنى لمؤسسة رسمية.

وعلى وقع هذا الانهيار المالي الذي تجلى بوجوه عديدة، تصاعدت الحملات على الصرافين غير الشرعيين وقادة مجموعات «الواتس آب» الذين نُسب إليهم ما حل من تدهور مريع في سعر العملة الوطنية والذين اعتبروا مسؤولين عن حال الفوضى التي سادت الأسواق المالية غير الشرعية، التي خرجت من قواعد وأصول سوق المصارف المفلسة التي استعاضت عن الحركة المصرفية العادية ووجدت من أجلها الى سوق المراباة – كأي كونتوار مالي – تستنزف أموال المودعين بالـ»هيركات» والحسومات الشهرية والادّعاء بحماية أموال المودعين بعد وضع اليد عليها، وهو ما أدى الى الدولرة الشاملة ورواج التعاطي بالبنكنوت والعملات الورقية التي شملت مختلف الخدمات الخاصة والعامة وصولاً الى رفوف السوبرماركت وسوق الخضار.

عند هذه المعطيات، ووسط خلو سدة الرئاسة، والشلل الذي أصاب الهيئات الحكومية وفشل المرجعيات المعنية بشؤون النقد في حماية العملة الوطنية، وتجلّى بعجز مصرف لبنان والنظام المصرفي بكامله عن استيعاب الازمة وتجاوز تداعياتها، بدأت منذ يوم الجمعة الفائت الحملة على الصرافين المتجولين و»تجار الشنطة» علناً وبمذكرات أُذيعت بنصوصها الحرفية وتم تبادلها عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل ايام على بدء الدهم، وكان المقصود منها عندما تبودلت الجداول بأسمائهم وأدوارهم لتنبيههم كي يتواروا عن الأنظار ويقفلوا مجموعات «الواتس آب» التي تشكل وسيلة تواصل مع شبكاتهم وزبائنهم قبل ان تنعكس نتائجها على عموم اللبنانيين والمقيمين على الأراضي اللبنانية. وما كان لافتاً انهم معروفون وقد أُدرجت أسماؤهم على لوائح لم تكن غافلة عن أحد من المراجع الامنية والمالية عدا عن أرشفة اسمائهم وتحديد انتماءاتم الحزبية والسياسية على وسائل التواصل وفي متناول روادها بلا استثناء.

والأغرب، يقول المراقبون الماليون والقانونيون انّ الجميع يعرف هؤلاء المطارَدين وقدراتهم، وبأدق المواصفات، فهم يحتفظون بملايين الدولارات نقداً وعَداً منذ أن نقلت من خزائن المصارف بعد العقوبات التي طاوَلت بعضها، او تلك التي فرضت على اشخاص ومؤسسات مالية كبرى عدا عن تلك الكميات التي لا حدود لها التي نقلت بأحجام كبيرة من اكثر من دولة افريقية ومن اميركا اللاتينية إبّان جائحة كورونا التي استغلت للتفلّت من كل أشكال الرقابة بطريقة منظمة فائقة الدقة كتلك المُعتمدة في نقل المال السياسي الى العديد من الاطراف اللبنانيين وغير اللبنانيين. والاخطر انهم وضعوا منذ فترة طويلة على لائحة المرابين المعروفين الذين يقتنون المرافقين المسلحين ويتمتعون بالحماية الشرعية، ولو بنسبة اقل بكثير من الحماية الحزبية في مربّعات صغيرة تستظِل اخرى اكبر منها، وفي مناطق ما زالت معظم أحيائها بعيدة عن عيون الدولة والقوى الامنية والعسكرية الشرعية.

This website uses cookies to improve your experience. We'll assume you're ok with this, but you can opt-out if you wish. Accept Read More

Privacy & Cookies Policy