The News Jadidouna

دعوة البطاركة للضغط والاحتواء؟

كتب وليد شقير في “نداء الوطن”:

هل تنجح الدعوة التي يمكن أن يوجهها البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي للنواب المسيحيين الـ64 إلى اجتماع في بكركي، بغطاء من القيادات الروحية المسيحية كافة الكاثوليكية والأرثوذكسية الشرقية والتي تتبع التقويم الغربي، من أجل حث هؤلاء مع زملائهم المسلمين على وجوب إنهاء الفراغ الرئاسي، في أقصى سرعة؟

هي سابقة أن تجتمع القيادات الروحية المسيحية كافة على هذا المستوى، من أجل شأن سياسي يتعلق بانتخابات الرئاسة الأولى، وأن يفوض رؤساء 11 كنيسة مسيحية في لبنان، البطريرك الماروني بجمع النواب المسيحيين كافة. أي أنّ البطريرك الراعي حصل على غطاء من رؤساء الكنيسة الآخرين، للقيام بالخطوة. وهو غطاء أيضاً للنواب المسيحيين جميعاً بمن فيهم أولئك الذين ينتمون إلى كتل نيابية أكثريتها من النواب المسلمين الذين تحالفوا معهم سواء لأسباب انتخابية أو لأسباب سياسية، كي يلبوا الدعوة حتى لو لم يكن فحواها منسجماً مع التوجهات السياسية لكتلهم.

قد يكون على بعض القوى السياسية المتهمة بأنها تؤخر انتخاب الرئيس مثل «حزب الله»، لأسباب تتعلق بالأهداف المستقبلية للرئيس العتيد، أو لأسباب متصلة بحسابات الوضع الإقليمي المتخبط بالصراعات والتناقضات، أن تستجيب للدعوة، وأن تعمل على تدوير الزوايا في شأن ما سيصدر عن اجتماع من هذا النوع. الهدف الأول للبطاركة والمطارنة الذي اجتمعوا أول من أمس في بكركي، هو إلزام هؤلاء النواب بحضور جلسات البرلمان، والإبقاء على نصاب الثلثين مع من يتوفر من النواب المسلمين الذين يرفضون إفقاد جلسات الانتخاب نصاب الثلثين. فعلى افتراض حضور الـ64 نائباً الجلسة المقبلة التي يمكن أن يدعو إليها الرئيس نبيه بري، فإنهم يحتاجون من أجل الإبقاء على نصاب الثلثين في الدورة الثانية من الانتخاب، إلى حضور 22 نائباً مسلماً للجلسة. وبهذا المعنى الدعوة موجهة أيضاً إلى النواب المسلمين.

لكن سعي الكنيسة إلى إلزام هؤلاء النواب بتأمين نصاب الثلثين سيكون، إذا التزموا، محرجاً للرئيس بري، الذي أخذ قراراً بعد الجلسات الـ11 التي عقدت من دون نتيجة ويعتبرها مثلَ كُثُر «مهزلة»، ألا يدعو إلى جلسة جديدة إلا إذا توفر توافق على اسم رئيس الجمهورية بحيث تتأمن له أكثرية النصف زائداً واحداً، فيما مبادرة البطاركة والمطارنة المسيحيين، لا تشترط التوافق المسبق على الرئيس العتيد، وتكتفي بالإلحاح على أن يبقى البرلمان ملتئماً، لعل ذلك يلزم الفرقاء أن تتشكل منهم أكثرية جدية تنهي الشغور الرئاسي.

السيناريوات المتعلقة بهذه الدعوة متعددة، تبدأ بأن يبقي بري على شرط التوافق أولاً كي يستجيب لمطلب الدعوة وهذا متعذر حتى الآن، ولا تنتهي بأن يعجز الفرقاء عن الاتفاق على اسم الرئيس العتيد، ليؤمنوا له الأكثرية، وألا يتمكنوا من تأمين أكثرية الـ65 صوتاً لإنجاح من يمكن أن تتفق عليه الكتل النيابية، لا تلك السيادية ولا الحليفة لـ»حزب الله». أي أنه في حال الانتقال إلى الدورة الثانية من الاقتراع، بعد فشل الدورة الأولى في تأمين الأصوات اللازمة سيكون لزاماً على الكتل النيابية أن تنزل إلى صندوقة الاقتراع من دون أن يحصل أي مرشح على أصوات الأكثرية المطلقة.

وهذا ينطبق على الكتل النيابية كافة، بحيث يبقى الاستعصاء قائماً، فتعلَق الدعوة إلى النزول إلى البرلمان في براثن غياب الاتفاق بين القوى الرئيسة. كما أنّ فشل تكوين أكثرية سيكرس المقولة التي تعتبر أنّ سبب الأزمة يكمن في استمرار الخلاف المسيحي، في وقت يرى بعض الكتل المسيحية أنّ سببها في انسجام قوى مسيحية مع رغبة «حزب الله» وحلفائه بالإبقاء على الفراغ، سواء عبر إسقاط الورقة البيضاء في صندوقة الاقتراع، أو بمشاركته الانسحاب من الجلسة لإفقادها نصاب الثلثين. وأوساط حزب «القوات اللبنانية» تعتبر أنّ اجتماع النواب المسيحيين لن ينتج دينامية مختلفة لأنّ قرار التعطيل في يد «حزب الله»، وفي تعاون فريق مسيحي معه. وتنطلق هذه الأوساط من موقف مبدئي هو أن لا حاجة إلى حوار بين الكتل (كما سبق لبري أن دعا إليه) ولا إلى حوار بين النواب المسيحيين بل إلى ضغوط على الفريق السياسي المعطل.

بمقدار ما يستدعي تكليف البطاركة الراعي بالخطوة، أن ينظر الفرقاء المسلمون بجدية إلى درجة الاحتقان المسيحي إزاء استمرار تغييب الرئيس المسيحي في قمة السلطة مع بقاء الرئيسين الشيعي والسني (الوكيل عن الرئاسة الأولى والمشكوك بصلاحيات حكومته كونها في حالة تصريف الأعمال) في منصبيهما، بمقدار ما تشكل هذه الدعوة في رأي بعض من يتابعون المناخ المسيحي المتغيّر الذي سبق للراعي أن حذّر منه، استيعاباً ومحاولة احتواء لبعض التوجهات الداعية إلى الفيدرالية أو مشاريع لتقسيم البلد إلى منطقتين أمنيتين. وهي دعوات يبدو أنها أخذت تقلق الفاتيكان لتعارضها مع مبدأ العيش المشترك.

This website uses cookies to improve your experience. We'll assume you're ok with this, but you can opt-out if you wish. Accept Read More

Privacy & Cookies Policy